أحمد السيد النجار
مرة أخرى تنتهى المفاوضات المصرية ـ الإثيوبية ـ بشأن سد النهضة بالفشل، نتيجة التعنت الإثيوبى الذى يتجاهل الاتفاقيات السابقة والقواعد التى تحكم العلاقات بين الدول المتشاركة فى أى نهر دولي. ولأن مصر تستهلك كل قطرة من حصتها من مياه النيل وتلجأ لمياه الصرف المعالج وغير المعالج، وتستنزف مياهها الجوفية بمعدلات جائرة فى بعض المناطق، فإن المساس بأى قطرة من هذه الحصة يعنى المساس بحياة البشر والثروتين النباتية والحيوانية فى مصر. وعندما يتعلق الأمر بحياة شعب يتم تعريضها للخطر بالاعتداء على حقوقه المائية التاريخية المشروعة، فإن مصر التى أعطت أولوية مطلقة للتفاوض الودى مع دولة شقيقة فى حوض النيل، قد تجد نفسها مضطرة إلى فتح كل الخيارات للحفاظ على الحياة إذا استمرت إثيوبيا فى تجاهل حقوق ومطالب مصر والسودان بشأن سد النهضة، الذى تقيمه على النيل الأزرق، فشرعية الدفاع عن الوطن وحقوق الشعب فى الحياة، تعلو على أى شئ آخر. إن حالة التعنت الإثيوبى فى التفاوض بشأن سد النهضة، تدفع مصر مجبرة إلى طرح القضية على كل المنظمات الدولية المعنية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها ومحكمة العدل الدولية، ولدينا سند واضح من اتفاقيات دولية سابقة بشأن مياه النيل، ومن ارتباط الحياة كلها فى مصر بكل قطرة من حصة مصر من مياه النهر، وتجبرها أيضا على اتخاذ موقف قوى تجاه كل الدول والشركات التى تساند إثيوبيا فى بناء سد »النهضة«، وتدفعها أيضا إلى اللجوء إلى كل البدائل لحماية حقوقها وحياة شعبها، لأن تغييب البدائل الكثيرة الممكنة، يغرى إثيوبيا على انتهاك حقوق مصر. النيل الأزرق: روح النهر وموضوع الخلاف يعد النيل الأزرق الذى يقام سد النهضة عليه هو أهم رافد لنهر النيل، وهو المصدر الرئيسى لحصة مصر من مياه النيل. ومصر لديها اتفاقات تضمن تلك الحقوق. وكانت بريطانيا التى بدأ احتلالها الإجرامى لمصر عام 1882، قد وقعت فى 15 أبريل عام 1891، بروتوكولا مع إيطاليا التى كانت تحتل إريتريا، تعهدت فيه إيطاليا بعدم إقامة أية منشآت لأغراض الرى على نهر عطبرة (إيراده المائى 13 مليار متر مكعب سنويا، يصل منها لأسوان نحو 11٫5 مليار مترمكعب)، يمكن أن تؤثر على تدفق المياه منه إلى نهر النيل. كما وقعت بريطانيا اتفاقية مع إثيوبيا فى 15 مايو عام 1902. تعهد فيها منليك الثانى ملك إثيوبيا بألا يقوم بإنشاء أو يسمح بإنشاء أعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها الحد من تدفق المياه منها إلى مصر والسودان إلا بعد الرجوع والاتفاق مع حكومتى بريطانيا ومصر. وفى ديسمبر عام 1906، وقعت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا اتفاقا فى لندن بشأن الحبشة (إثيوبيا)، تضمن فى البند الرابع منه، موافقة الدول الثلاث على العمل معا لتأمين مصالح بريطانيا العظمى، ومصر فى حوض النيل، وعلى الأخص تأمين وصول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر. وفى 7 مايو عام 1929 وافق المندوب السامى البريطانى على المذكرة التى أرسلها رئيس وزراء مصر محمد محمود باشا بشأن مياه النيل، وبذلك أصبحت اتفاقية مياه النيل سارية منذ ذلك التاريخ، علما بأن موافقة وتوقيع الجانب البريطانى على تلك الاتفاقية كان نيابة عن الإدارات الحكومية البريطانية القائمة فى كل من السودان وأوغندا وكينيا وتنجانيقا (اتحدت تنجانيقا مع جزيرة زنجبار وكونتا اتحاد تنزانيا الحالي). وأهم ما تنص عليه اتفاقية عام 1929 هو تحديد حق مصر المكتسب من مياه النيل أى حصتها السنوية بمقدار 48 مليار متر مكعب، كما أكدت الاتفاقية أن لمصر نصيبا فى كل زيادة تطرأ مستقبلا على موارد النهر فى حالة القيام بمشروعات جديدة فوق النيل أو روافده الاستوائية أو الإثيوبية. وطبقا لقاعدة »الاستخلاف« فى العلاقات الدولية، فإن مصر ورثت تلك الاتفاقيات من دولة الاحتلال (بريطانيا) بعد إزاحة احتلالها البغيض لمصر، ومن بينها الاتفاقيات الخاصة بضمان تدفق الروافد الإثيوبية لنهر النيل إلى السودان ومصر، دون أى انتقاص من إيراداتها المائية. وكانت مصر قد أضافت لحصتها نحو 7,5 مليار متر مكعب لتصبح 55,5 مليار متر مكعب بعد بناء السد العالي، وإنقاذ مياه الفيضان التى كانت تتبدد فى البحر، بينما حصل السودان على 11,5 مليار متر مكعب من ذلك المشروع، الذى تكفلت مصر وحدها بكل تكاليفه، بما فى ذلك التعويضات التى قُدمت لأهل النوبة السودانية. وكانت إثيوبيا قد أثارت قضية بناء السدود على النيل الأزرق وروافده منذ ستينيات القرن الماضى بدعم من الغرب، فى إطار الضغط الأمريكى والغربى على مصر فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذى تمكن من تفادى ذلك بفضل دور مصر ومكانتها الإفريقية والدولية فى عهده. ولم تبدأ إثيوبيا فى تحويل مشروعات السدود على النيل الأزرق وروافده إلى واقع إلا فى عام 1996 عندما طلبت التمويل الدولى لشبكة من السدود على روافد النيل التى تنبع من الهضبة الإثيوبية وعلى رأسها النيل الأزرق الذى يعد القلب المائى لنهر النيل ولإيراداته فى مصر والسودان. وإثيوبيا، التى تضم أهم منابع النيل، هى دولة داخلية لا تملك حدودا بحرية، وهى نقطة ضعف جغرافية خطيرة لأى دولة، واسمها التاريخى هو »الحبشة« ومعناها الخليط نتيجة وجود عدد كبير من القبائل والأعراق فيها. وعدد سكانها 90 مليون نسمة، وناتجها المحلى الإجمالى نحو 40 مليار دولار، أى أقل من سبع نظيره فى مصر، ونحو 78% من سكانها تحت خط الفقر، لكنها تحقق أعلى معدل للنمو الاقتصادى فى إفريقيا بمتوسط بلغ نحو 9% سنويا فى السنوات العشر الأخيرة بمساندة كبيرة من الصين، بما يدفعها سريعا نحو تحسين أوضاعها الاقتصادية. وينبع النيل الأزرق من شمال الهضبة الإثيوبية من بحيرة تانا التى يغذيها أكثر من ثلاثين نهيرا وجدولا على ارتفاع 2700 متر عن سطح البحر. ويخرج النيل الأزرق من البحيرة عند شبه جزيرة جورجيس تحت اسمه المحلى »الآباى الكبير«، بإيراد مائى منتظم يبلغ 3,8 مليار متر مكعب سنويا، ليلتقى على بعد 50 كيلومترا بمنحدر هائل يكون شلالا هادرا يسميه الإثيوبيون »تزيتات« أى النار المزمجرة. ثم يمضى قويا بسبب معامل الانحدار الكبير ليجمع كميات ضخمة من المياه فى موسم الأمطار من آلاف مخرات السيول من المرتفعات المحيطة به والتى ترتفع عنه فى بعض المناطق بأكثر من 1,5 كيلومتر. ويدخل السودان بإيراد مائى يبلغ 50 مليار متر مكعب سنويا، يضاف إليها 4 مليارات متر مكعب من رافديه »الرهد« و«الدندر«، ليصل إلى الخرطوم بإيراد سنوى يبلغ 54 مليار متر مكعب فى المتوسط، يصل منها إلى أسوان نحو 48 مليار متر مكعب سنويا، بعد خصم ما يفقد بسبب العوامل الطبيعية المختلفة وعلى رأسها البخر. ويبلغ طول النيل الأزرق نحو 1618 كيلومترا. وتتجلى قوة هذا النهر فى موسم فيضانه العارم، فى أنه يرد النيل الأبيض لدى لقائهما عند الخرطوم، ويحتل وحده مجرى النيل الرئيسى شمال الخرطوم إلى أن يفرغ فيضانه وبعدها يسمح للنيل الأبيض بمشاركته فى ضخ المياه للنيل الرئيسي. ونظرا لأن إجمالى إيراد النيل عند أسوان يبلغ 84 مليار متر مكعب سنويا فى المتوسط، ويضيع 10 مليارات متر مكعب منها بالبخر كل عام، ليتبقى 74 مليار متر مكعب تحصل منها مصر على 55,5 مليار متر مكعب، ويحصل السودان على 18,5 مليار متر مكعب، نظرا لهذه الحقائق فإن إيرادات النيل الأزرق عند أسوان تعادل نحو 57% من إجمالى الإيراد السنوى لنهر النيل عند أسوان، ونحو 86,5% من حصة مصر الصافية من مياه النيل (بعد خصم فواقد البخر)، ونحو 65% من مجموع حصتى مصر والسودان الصافيتين من إيراد النيل عند أسوان. أزمة السد: غياب البدائل يغرى إثيوبيا يعتبر سد الحدود (بوردر) الذى تم تطوير تصميمه ليصبح أكبر كثيرا تحت مسمى سد النهضة، أو سد الألفية الكبير، هو أهم المشروعات التى خططت إثيوبيا لتنفيذها على النيل الأزرق، وهو سد عملاق تبلغ تكلفته المبدئية 4,8 مليار دولار قابلة للزيادة أى نحو 12% من الناتج المحلى الإجمالى لإثيوبيا. ويبلغ طول السد الذى يعترض مجرى النيل الأزرق قرب الحدود مع السودان نحو 1800 متر، وتمت زيادة سعة خزانه المخططة من أقل من 20 مليار متر مكعب فى البداية، إلى 44 مليار متر مكعب، لتصل هذه السعة فى التصميم الراهن إلى نحو 74 مليار متر مكعب. والمحطة الكهرومائية لهذا السد مصممة لتوليد 6 آلاف ميجاوات، أى نحو ثلاثة أمثال الطاقة الكهربائية المولدة من المحطة الكهرومائية لسد مصر العالي، وهو أكبر من أى سد إفريقى فى هذا المجال. وقد أعلنت إثيوبيا مرارا أن هذا السد سيستخدم لتوليد الكهرباء فقط، وأنها لن تقتطع أى جزء من مياه النيل الأزرق وستستمر فى التدفق بشكل كامل إلى مصر والسودان. وهذا الموقف الإثيوبى لا يمكن تأكيد مصداقيته، إلا إذا وقعت إثيوبيا معاهدة دولية مع مصر والسودان تقر فيها بحصتى البلدين من مياه نهر النيل مادامت تعلن أنها لن تمس هذه الحصة. وينبغى الإقرار بأن المنطقة التى يقام فيها السد عبارة عن هضبة شديدة الوعورة وغير ملائمة لإقامة مشروعات زراعية إلا فى مساحات محدودة، بما يرجح أن يتركز دور هذا السد الكبير على توليد الطاقة التى تحتاجها إثيوبيا، لكن فترة ملء خزان السد ستقتطع جزءاً مهماً من مياه النيل الأزرق التى تتدفق إلى مصر والسودان، وهى فترة الأزمة التى ستوقع أضرارا جسيمة بمصر لا يمكن احتمالها، وتفرض ضرورة مراجعة حجم خزان السد، وفترة ملئه. إذا كانت مصر تتفاوض مع إثيوبيا حول هذا السد، فإنه من بدهيات التفاوض لحل أى أزمة، أن يكون لديك خيارات متعددة، لأن غياب البدائل يفتح الطريق لمنطق الاستسلام لما يمليه الطرف المبادر من أفعال، وينبغى أن تراجع مصر كل خياراتها لحماية حقوقها المائية. ما قبل الصراع.. المسار العادل لحل الأزمة قبل الوصول لمسارات تناقض مفتوحة على كل الخيارات لا قدر الله، فإن المعالجة الأصوب لقضية سد النهضة تتركز فيما يلي:- أ ـ الاتفاق على مبدأ الامتناع عن تنفيذ أى مشروع إلا بعد التشاور والتوافق بين الدول الثلاث، خاصة أن أى مشروع أو تصرف لإثيوبيا فى روافد النيل يؤثر على مصر والسودان، بينما تعتبر المشروعات السودانية والمصرية السابقة واللاحقة مجرد تصرفات داخلية فى الحصص المائية لدولتى المجرى الأوسط والمصب ولا تؤثر على أحد غيرهما. وهذا المبدأ تنتهكه إثيوبيا وتنتهك كل الاتفاقيات السابقة بشأن مياه النيل بمضيها قدما فى بناء سد النهضة، وبالتالى فإن الارتكان إلى هذا المبدأ يعنى توقف إثيوبيا عن التصرف المنفرد وبدء التفاوض الجاد مع مصر والسودان. ب ـ أن إقرار إثيوبيا بحصتى مصر والسودان من مياه النيل من خلال معاهدة دولية، هو شرط لابد أن يسبق موافقة مصر والسودان على بناء سد النهضة والامتناع عن أى عمل أو ضغط معلن أو غير معلن لتعطيله بكل الوسائل. ومادامت إثيوبيا تؤكد أن الغرض من بناء السد هو توليد الكهرباء دون مساس بحصة مصر من مياه النيل، فعليها أن تبرهن على مصداقية ما تعلنه من خلال توقيع اتفاقية مع مصر والسودان تقر فيها بحصتى البلدين من مياه النيل، وتقر فيها بعدم المساس بحصتيهما فى الروافد الإثيوبية. أما الموافقة على مشروع السد دون توقيع إثيوبيا لهذه الاتفاقية، فإنه سيكون بلاهة سياسية مدمرة ستغرى إثيوبيا بالمزيد من انتهاك حقوق مصر والسودان المائية. ت ـ ينبغى لكل من مصر والسودان، النظر إلى المشروعات الاثيوبية بشكل واقعى والاقرار بحق إثيوبيا فى اقامة مشروعات لتوليد الكهرباء من مساقط المياه على روافد النيل، مع تنظيم استخدام هذا الحق بالاتفاق مع مصر والسودان، بناء على قواعد الحقوق التاريخية لمصر والسودان، وحق الارتفاق الذى ينص على أن تدفق المياه من أى نهر دولى إلى أى دولة لمدة عام كامل يولد لها حق ارتفاق للمياه التى حصلت عليها، فما بالكم بالحقوق المائية التاريخية لمصر والسودان التى يرجع تاريخها إلى أول وجود للجماعات البشرية فى حوض النهر قبل آلاف السنين. ث ـ التفاوض بين الدول الثلاث على حجم الخزان الذى ينبغى أن تبقى سعته فى حدود آمنة هندسيا، وفى حدود مقبولة لا تؤثر على حصتى مصر والسودان من مياه النيل، وهى حدود تفرض أن تكون هذه السعة قرابة نصف السعة المخططة فى الوقت الراهن. كما يجرى التفاوض لتنظيم عملية ملء الخزان دون إضرار بمصر والسودان. ج ـ يجب على مصر أن تتعاون مع إثيوبيا فى مشروعاتها المائية والكهربائية كبادرة حسن نية، ولضمان المتابعة ولوضع قيود على إقامة أى مشروعات غير مقبولة مصريا، وحتى لا تترك المجال لدول معادية لمصر لتقوم بذلك. ح ـ من حق مصر والسودان، المشاركة والاطمئنان إلى السلامة الفنية لسد النهضة، لأن أى خلل فيه أو انهياره كليا لا قدر الله، لن يؤثر فى إثيوبيا بأكثر من فقدان الكهرباء والأموال التى استثمرتها فيه، بينما سيكون تأثيره مدمرا على السودان بصورة مروعة وغير مسبوقة بحيث يدمر مدنا كبرى كالخرطوم وكل المدن الواقعة على مجرى النيل الأزرق، ويؤدى لمصرع مئات الآلاف وتشريد الملايين، وستكون تأثيراته السلبية على مصر كبيرة، برغم أنها ستكون أقل فداحة نظرا لوجود السد العالى ولإمكانية تصريف جانب من الفيضان الهائل فى هذه الحالة، فى مفيض توشكى المخصص للطوارئ المشابهة. خ ـ يمكن لمصر أن تتعاون مع إثيوبيا لتطوير توظيف الإيرادات المائية فى منطقة منابع نهرى جوبا وشبيلي، وحتى فى حوض نهر السوباط لإنقاذ 4 مليارات متر مكعب تتبدد من مياهه فى مستنقعات مشار على رافده الرئيسى »البارو«، بحيث تحصل إثيوبيا على حصة منها وتتوجه باهتماماتها المائية والزراعية بعيدا عن النيل الأزرق. د ـ يجب أن يكون هناك موقف مصرى قوى من الدول التى تساعد إثيوبيا فى بناء سد النهضة لإقناعها بضرورة مراعاة الحقوق المائية لمصر، وتفادى الإضرار بها، وأن استمرارها فى الإضرار بتلك الحقوق يؤثر سلبيا على العلاقات الرسمية والشعبية بين مصر وتلك البلدان. ذ ـ يجب على مصر أن تمضى قدما وبشكل سريع فى استغلال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وتصديرها إلى دول حوض النيل لتقليل حاجة تلك الدول إلى بناء سدود على نهر النيل لتوليد الكهرباء. ر ـ يجب على مصر أن تبدأ فورا فى طرح خطة واسعة النطاق لتطوير الإيرادات المائية لنهر النيل فى منابعه الاستوائية بالتعاون مع أوغندا وجنوب وشمال السودان، والبدء فى تنفيذ ما يمكن تنفيذه منها. ويفقد النيل 20 مليار متر مكعب فى مستنقعات وبحيرة كيوجا بأوغندا، ونحو 17,5 مليار متر مكعب فى مستنقعات بحر الجبل ونهر النعام فى جنوب السودان، ونحو 15 مليار متر مكعب فى حوض بحر الغزال فى جنوب السودان أيضا. وكلها يمكن أن تكون موضوعا لمشروعات كبرى لتطوير إيرادات النيل، واقتسام الزيادة بين دول الحوض بصورة عادلة. ز ـ ينبغى لمصر أن تبدأ فورا وبصورة صارمة فى ترشيد استهلاك المياه والتحول لأساليب الرى بالتنقيط فى زراعة الخضر والفاكهة، والرش الليلى فى رى المحاصيل القابلة لذلك لتوفير كميات كبيرة من المياه التى تهدر لدى استخدام أسلوب الرى بالغمر السائد فى مصر حاليا. وفى كل الأحوال لابد لمصر أن تتوجه للمؤسسات الدولية والمجتمع الدولى عموما، بحملة علاقات عامة دولية بشأن حقوقها فى مياه النيل والاعتماد الكامل والمطلق لحياة البشر والزرع والثروة الحيوانية فى مصر على كل قطرة تصلها من مياه النيل. وتأكيد أن تلك الحصة لم تعد كافية بما يضطر مصر للاعتماد على مياه الصرف المعالج وعلى النزح الجائر من مياه الآبار. وينبغى أن تشمل تلك الحملة، رؤية مصرية واضحة للكيفية والحدود التى يمكن لإثيوبيا أن تمارس من خلالها حقها فى توليد الكهرباء من مساقط المياه على روافد النيل، دون الإضرار بالحقوق المصرية والسودانية. كما أن حملة العلاقات الدولية يجب أن تتضمن خطة مصرية واضحة وشاملة للتعاون مع إثيوبيا فى مجالات الزراعة والمياه والثروة الحيوانية والسمكية والتصنيع الزراعي. ويجب أن يكون واضحا لإثيوبيا ولجميع دول حوض النيل أن كل قطرة من حصة مصر من مياه النيل تساوى حياة فى مصر، وبالتالى فإن مصر ليس لديها ترف الاستغناء عن أى قطرة وستستخدم كل مالديها من أجل الحفاظ على حقوقها سلميا، ونأمل ألا تدفع إثيوبيا الأمور فى اتجاهات عدائية أو غير سلمية لأن الأمر سيكون وبالا على منطق أخوة النهر، وفى كل الأحوال سيكون على الدولة المصرية أن تحمى الحقوق المائية المشروعة للشعب المصري.