أحمد السيد النجار
أطلقت موجة الإضرابات والاعتصامات العمالية والمهنية التي تشهدها مصر في الوقت الراهن، موجة مناظرة من التفسيرات لهذه الإضرابات والاعتصامات التي تعيد مشهد الاحتقان الاجتماعي الذي كان حاضنة الثورة ضد النظام الفاسد والظالم فى عهد الرئيس المخلوع مبارك ومن بعده فى عهد الرئيس المعزول د. محمد مرسي. كما أن أرباب المعاشات المضارين من تدني معاشاتهم، ومن سوء استغلال الحكومات المتعاقبة أموال التأمينات التي تخصهم وتخص العاملين الذين مازالوا في الخدمة، تثير بدورها احتقانات وتهديدات بموجة مناظرة من الاحتجاجات، إذا لم تتم تسوية قضية أموال التأمينات بصورة عادلة تعيد الحقوق لأصحابها بصورة تتوافق مع روح ونصوص الدستور الجديد الذي ينص على أن أموال التأمينات هى أموال خاصة مملوكة للمؤمن عليهم، وينبغى أن تدار لمصلحتهم بصورة آمنة تحقق أعلى عائد ممكن من خلال هيئة مستقلة. وقد ذهب البعض فى تفسيره لموجة الإضرابات والاعتصامات العمالية والمهنية والتهديدات بالتحرك الاحتجاجي لأرباب المعاشات ــ إلى أن التنظيمات الطائفية المتطرفة دينيا، وفي مقدمتها جماعة الإخوان تقف وراء تلك الاحتجاجات، باعتبارها مدخلا لإثارة الاضطراب للدولة عبر استغلال قضايا اقتصادية واجتماعية. والحقيقة أن جماعة الإخوان لا تدخر جهدا فى ممارسة أقصى درجات الانتهازية فى استغلال قضايا اجتماعية حقيقية لم تنتصر لها وهى فى السلطة، من أجل إثارة الاضطراب الاجتماعى والسياسى والتحايل على حالة الكره الشعبى لها ولعنفها ولكل أشكال الإرهاب التى تمارسها وترعاها هى وحلفاؤها. لكن تلك الحقيقة لا تنفى حقيقة أخرى أكثر أهمية وجلاء، وهى أن هناك قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية ملحة، ولابد من معالجتها بطريقة جديدة تنتصر للحق والعدل والحرية ومجمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للإنسان، بدلا من إعادة إنتاج الطريقة البائسة والظالمة والقمعية لنظامى مبارك ومرسي. وبما أن الموضوع الرئيسى للإضرابات والاعتصامات العمالية والمهنية هو نظام الأجور ومطالبة العاملين بتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم، ومطالبة المهنيين بكادرات خاصة بهم، فإن المدخل الأكثر فعالية لمعالجة هذه الاحتجاجات الاجتماعية، هو إصلاح نظامى العمل والأجور معا، سواء تم ذلك بشكل متدرج وفقا لخطة واضحة ومجدولة زمنيا، أو تم بصورة فورية وشاملة إذا توافرت الإمكانات لذلك. ورغم أن الخطوات التى تتخذ فى اتجاه تحقيق أى إصلاح لنظام الأجور، قد يراها أصحاب حقوق العمل من عمال ومهنيين، بطيئة وجزئية أو حتى قزمية ولا ترضى طموحاتهم، إلا أن اللافت أكثر أن نظام العمل باق كما هو بلا أى إصلاح، حيث ينتشر التسيب والإهمال وتضييع وقت العمل، والتكاسل لتوفير الجهد للعمل لدى جهة أخرى منافسة لجهة العمل الأصلية! وهذا الانفصال بين عملية إصلاح نظام الأجور ونظام العمل، يعنى استمرار فوضى العمل غير المنضبط وعدم تأسيس تقاليد جديدة لضبط العمل كجزء مهم من أى عملية شاملة لإصلاح نظامى الأجور والعمل معا. وتتمثل الاختلالات الرئيسية لنظام الأجور الموروث من عهدى مبارك ومرسى فى عدة عناصر: الأول هو عدم وجود حد أدنى يكفى لحياة كريمة للعمال وحتى المهنيين. والثانى يتمثل فى غياب التوصيف الوظيفى والمهنى بما يجعل أصحاب المهنة الواحدة ونفس سنوات الخبرة ممن يعملون لدى الدولة يحصل بعضهم على أضعاف ما يحصل عليه نظراؤهم. والثالث هو عدم وجود حد أقصى للأجر وما فى حكمه. كما أن نظام الكادرات الخاصة المعمول به هو نظام تمييزي، بدأ بحالات استثنائية، وانتهى بحالة عامة من العشوائية والتخبط وسوء توزيع الدخل وافتعال الأسباب للخصوصية بصورة تلفيقية لا مبرر لها. وقد أقرت الحكومة نظاما للحد الأدنى للدخل للعاملين، أثار اضطرابات أكثر من تلك التى أثارها عدم وجوده، فضلا عن أنه جسد درجة من التشوش فى مفهوم الحد الأدنى للأجر. فقد استبعدت الحكومة العاملين فى الهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال العام من تطبيق الحد الأدنى للدخل، واعتبرت أن من حق تلك الجهات أن تعالج نظام الأجور لديها وضمنه الحد الأدنى للدخل على ضوء مواردها الذاتية، وهو ما استتبعه تنظيم العاملين بتلك الجهات لتظاهرات واعتصامات واسعة النطاق. كما أن القطاع الخاص لم يطبق عليه هذا الحد الأدنى للدخل، بينما يعتبر الحد الأدنى للأجر، حدا مطلقا للأجر يطبق حتى على العمال المؤقتين وعمال المياومة، سواء تم تحديده بإرادة منفردة للدولة من منطلق مسئوليتها الاجتماعية وتقديرها لقواعد العدالة بين العاملين وأرباب العمل، كما كان الحال فى مصر بعد عام 1952، أو تم تحديده بالتفاوض بين ممثلى الدولة والعمال وأرباب الأعمال. كما أن رفع الحد الأدنى لدخل العامل يتطلب إصلاح دخول العاملين القدامى بصورة عادلة. ملامح الإصلاح المطلوب لنظامى الأجور والمعاشات الحقيقة أن أى عملية فعالة لإصلاح نظم العمل والأجور والمعاشات ينبغى أن تكون حزمة واحدة، حتى لو تم التنفيذ بشكل متدرج، حتى يمكن بناء قيم جديدة للعمل والالتزام والجدية تتوازى مع إصلاح الأجور. ويمكن تحقيق هذا الإصلاح الفعال بأدنى تكلفة ممكنة على النحو التالي:- ربط إصلاح نظام الأجور بإصلاح نظام العمل ووضع قواعد صارمة للثواب والعقاب تعطى العاملين حقوقهم وتجبرهم فى الوقت ذاته على عدم القيام بأى شئ آخر على الإطلاق فى أثناء وقت العمل، ويمكن تخصيص ساعة للراحة لتناول الطعام والصلاة، على أن تكون هناك ساعة عمل بديلة عنها، حتى يكون الحديث عن إصلاح نظام الأجور أمراً مقبولاً. كما يمنع نهائيا ويجرم عمل الموظف العام لدى أى جهة خاصة منافسة لجهة عمله. يوضع حد أدنى للدخل الشهرى الشامل للعامل يبلغ 6.5 جنيه فى الساعة بما يعادل 1560 جنيها شهريا لمن يعملون 8 ساعات فى اليوم، ونحو 1170 جنيها لمن يعملون 6 ساعات فى اليوم، ويُطبق على العاملين لدى الدولة والقطاع الخاص، وهو لا يشمل حصة العاملين فى أرباح آخر العام، إذا أسفرت أعمال المؤسسة العامة أو الخاصة عن تحقيق أرباح حقيقية. أما صرف «أرباح» للعاملين فى شركات خاسرة فى نشاطها الجاري، فإنه يدفع الشركة للمزيد من التدهور والاختلال المالى وربما الانهيار، وهو أعجوبة مالية لا يقبلها المنطق الاقتصادي. يرتفع الحد الأدنى للأجر سنويا بصورة تلقائية بنفس نسبة ارتفاع الأسعار (معدل التضخم) على الأقل، للحفاظ على قدرته الشرائية. أما أجر العاملين فعليا فيرتفع سنويا بنسبة مساوية لمعدل التضخم، وبنسبة أخرى كمقابل للخبرة والأقدمية. ويتم عمل تسويات لأجور كل العاملين القدامى بناء على الحد الأدنى الجديد للأجر. يوضع حد أقصى للأجر وما فى حكمها للعاملين لدى الدولة فى الجهاز الحكومى والقطاع العام والهيئات الاقتصادية. وقد حددت الحكومة هذا الحد الأقصى بـ 35 مثل الحد الأدنى للأجر الشامل، لكنها لم تطبقه بصورة شاملة على كل العاملين لدى الدولة رغم ضرورته لتقليل الفوارق بين الطبقات وتكريس قيمة العدل. ويوضع حد أقصى للأجر يمكنه أن يوفر الجزء الأكبر من احتياجات إصلاح نظام الأجور. ربط الحد الأدنى للأجر بالحد الأدنى للمعاش وجدولة رد الدولة لأموال التأمينات المتراكمة كديون عليها، مع إدارتها واستثمارها من خلال مجلس أمناء استثمار تقوم النقابات المهنية والعمالية وأرباب المعاشات والدولة باختيار أعضائه مع رقابة صارمة للدولة على هؤلاء الأمناء لحماية أموال التأمينات، وحقوق أرباب المعاشات. ووضع خطة لتعويض أرباب المعاشات عما نهبته الحكومات المتعاقبة من أموالهم على مدى عشرات السنين عندما كانت تأخذ أموال التأمينات بفائدة متدنية للغاية، بالمقارنة مع أسعار الفائدة السائدة فى السوق. وتشير البيانات إلى أن إجمالى أصول أموال التأمينات يبلغ 539.5 مليار جنيه فى الوقت الراهن، منها 235.7 مليار جنيه عبارة عن صكوك مديونية على الحكومة، ويتم دفع فائدة عنها تدور حول مستوى 8.5% فى الوقت الراهن ، ونحو 161.8 مليار جنيه مديونية حكومية لا يتم دفع أى عوائد عليها، ونحو 68.7 مليار جنيه ديون على بنك الاستثمار القومي. والباقى أى 73.4 مليار جنيه تستثمره الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مباشرة. ومع اتفاق وزارتى المالية والتضامن والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى على أصل الدين الحكومي، يبقى التفاوض حول آليات تحديد العائد عليه منذ عام 2006 وحتى الآن. وهذه القضية تستحق أن نتناولها بشكل مستقل فى مقال قادم نظرا لأهميتها الكبيرة، وارتباطها بمصالح كل من يعملون بأجر، وكل من خرجوا منهم إلى المعاش. توحيد الأجور الأساسية فى الجهاز الحكومى والهيئات الاقتصادية والقطاع العام وفقا للتوصيف المهنى والوظيفي، بدلا من التفاوت الرهيب وغير العادل فى دخول العاملين فى مهنة واحدة حسب الجهة الحكومية التى تقوم بتشغيلهم. إنهاء الأبواب الخلفية التى تتضخم عبرها بعض الدخول لتصبح أسطورية، مثل الصناديق الخاصة التى أنشأتها الوزارات والمحافظات والهيئات والجامعات لتخزين الفوائض، وحصيلة الغرامات والمخالفات والرسوم والإتاوات، ويتم الصرف منها على الحفلات والدعاية ومكافآت كبار المسئولين، بلوائح خاصة بدلا من إعادتها لوزارة المالية. كما أن بعض أعضاء الأجهزة الأمنية والمحاسبية الذين يشرفون على رقابة القطاع الاقتصادى مثل قطاع البترول والكهرباء والجمارك والجوازات يحصلون على دخول من تلك الجهات، وهى دخول غير منطقية، فضلا عن أنها توجد تعارض مصالح يؤدى إلى ضعف أو انعدام فعالية دورهم الرقابي. إلغاء الكادرات الخاصة نهائيا، خاصة أنها أوجدت حالة من العشوائية والظلم والتمييز، ومادام قد تم وضع نظام عادل للأجور يكفل حياة كريمة للعامل وأسرته، فلن تكون هناك حاجة لهذه الكادرات، ويُكتفى فقط بتحريك الفوارق بين حاملى الدرجات العلمية، وتحريك بدل طبيعة العمل ليتراوح بين ربع ونصف الأجر الأساسى بصورة متباينة بين المهن المختلفة تبعا للمخاطر المحيطة بها. آليات تمويل إصلاح نظام الأجور وتفادى التضخم يعتبر ارتفاع الأجور بصورة شاملة فى الاقتصاد، إنذارا بارتفاع الأسعار التى تلتهم جزءاً مهماً من زيادة الأجور. وهذا التلازم يتطلب اتخاذ إجراءات صارمة لتفادى ارتفاع معدل التضخم عند تنفيذ أى عملية شاملة لإصلاح الأجور. ولعل الجانب الأهم من تفادى حدوث التضخم عند إصلاح نظام الأجور، وهو تنفيذ ذلك الإصلاح من خلال عمليات إعادة توزيع للدخل، دون اللجوء للإصدار النقدى الجديد، مع توفير آليات حقيقية لحماية المستهلك ولمنع الارتفاعات غير المنطقية فى أسعار السلع والخدمات من خلال تغيير قانون حماية المستهلك ليشمل الحماية من الاستغلال السعرى ومن مخالفة المواصفات، وتغيير قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار ليصبح أكثر قوة وردعا للمارسات الاحتكارية التى تؤدى لارتفاع أسعار السلع والخدمات بدون مبرر حقيقي. ويمكن تركيز الآليات الرئيسية لتمويل رفع الحد الأدنى للأجر وتغيير نظام الأجور كلية على النحو التالي.. تحقيق العدالة فى توزيع مخصصات الأجور وما فى حكمها بين العاملين فى الجهاز الحكومى والقطاع العام وقطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية العامة، من خلال جعل أعلى دخل شامل لا يزيد على 15- 20 مثل أدنى أجر شامل مما سيوفر جزءا كبيرا من الأموال المطلوبة لرفع الحد الأدني، وإصلاح نظام الأجور. لكن الحكومة وعددا من الأحزاب، اختارت أن يكون الحد الأقصى 35 مثل الحد الأدني. والأهم هو أن يتم تطبيقه بصورة شاملة وصارمة. إنهاء فوضى «المستشارين» ومن تجاوزوا سن المعاش لتوفير مخصصاتهم الضخمة التى تذهب بشكل غير عادل لفئة محدودة من القيادات العليا التى يتم إبقاؤها غالبا لأسباب تتعلق بالمحسوبية، بحيث يمكن استخدامها فى إصلاح نظام الأجور عموما، حيث ستوفر جزءا كبيرا من متطلبات إصلاحه. إلغاء دعم الطاقة المقدم لشركات الأسمنت والأسمدة والحديد والألومنيوم والسيراميك وغيرها من الشركات الرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية والتى تبيع إنتاجها بأعلى من الأسعار العالمية. ولن يكون بمقدور تلك الشركات رفع أسعارها حتى لو تم إلغاء دعم الطاقة المقدم لها كليا، لأنها لو رفعت الأسعار يمكن لمصر أن تستورد من الخارج بأسعار أرخص. وتحويل قمائن الطوب والمخابز وسيارات النقل والميكروباص للعمل بالغاز بدلا من السولار، وتمويل هذا التحويل بقروض ميسرة مما سيوفر الجانب الأكبر من الدعم الذى ينفق على السولار. وقد بلغت مخصصات دعم الطاقة نحو 100 مليار جنيه فى ميزانية 2013 / 2014، تم رفعها بعد ذلك إلى 128 مليار جنيه. ويذهب ربع هذا الدعم للفقراء والطبقة الوسطى على أقصى تقدير، بينما تذهب غالبيته الساحقة إلى الأثرياء والرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية وما تملكه من وسائل للنقل.. وهذا الإجراء وحده يمكن أن يوفر ما يكفى لإصلاح نظام الأجور، ورفع حجم ومستوى الإنفاق العام على الصحة والتعليم. تعديل قانون الضرائب الحالى لمراعاة قاعدة التصاعد وتعدد الشرائح الضريبية بصورة متناسبة مع الدخل، ورفع الشريحة العليا للضريبة على الدخل لمستويات مناظرة لتلك السائدة فى الدول النامية الجاذبة للاستثمارات مثل ماليزيا وتركيا والصين، وفرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية فى البورصة وفوائد الودائع على غرار ما هو معمول به فى الدول الرأسمالية النامية والمتقدمة، وفرض ضرائب محدودة على التعاملات فى البورصة لتهدئة سخونة المضاربات، وفرض ضريبة على تحويل الأرباح من البورصة المصرية إلى الخارج، وفرض ضرائب على استخراج الثروات الناضبة كالنفط والغاز والذهب وخامات الأسمنت والجبس والفوسفات والتلك وغيرها من الخامات المعدنية والمحجرية. وسوف تستخدم الحصيلة المتوقعة من تطوير النظام الضريبى فى تمويل تطوير البنية الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية وإصلاح نظام الأجور. تطوير أداء وحدات القطاع العام والهيئات الاقتصادية ووضع قيادات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة على رأسها، ووضع ضوابط صارمة لمنع الترهل والتسيب والفساد فيها، حتى يتحسن الأداء، وتتحول إلى تحقيق الأرباح بصورة تضمن أجورا محترمة للعاملين فيها، بل ويكون هناك فائض محول منها إلى الموازنة العامة للدولة يمكن استخدامه فى تمويل نظام الأجور الجديد بناء على تحسن حقيقى فى الإنتاج والإنتاجية. مكافحة الغلاء غير المنطقى وأسبابه المختلفة، وعلى رأسها الاحتكار الإنتاجى والتجارى عموما والاستيرادى خصوصا، وهو ما يتطلب تغيير قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ووضع قانون يحقق هذا الهدف فعلا، والعمل على تعزيز حماية المستهلكين وأجورهم الحقيقية وحقهم فى الحصول على سلع جيدة بأسعار معتدلة مرتبطة بسعر التكلفة أو الاستيراد، وذلك من خلال توفير الحكومة للسلع المحلية والمستوردة فى مجمعات حكومية تدار بشكل كفء ونزيه، وتخضع لرقابة شعبية عامة ومحلية صارمة، وتبيع السلع بأسعار معتدلة، بعيدا عن الأسعار الاستغلالية التى يفرضها المحتكرون فى مجال الإنتاج والتجارة، بما يضمن أن أى زيادة فى الأجور الإسمية سوف تؤدى إلى زيادة فى الأجور الحقيقية، وفى مستويات معيشة العاملين. كما أن قيام الدولة بدور المنتج والتاجر المرجح فى المجالات التى توجد فيها احتكارات إنتاجية أو تجارية، سيشكل أمرا حاسما فى مكافحة تلك الاحتكارات، وضمان تحرك الأسعار بشكل عادل. بالنسبة للعاملين فى القطاع الخاص، فإن الالتزام بالحد الأدنى الجديد للأجر وبتسوية أوضاع العاملين القدامي، يمكن أن يتحقق من خلال قبول الرأسماليين بمعدلات ربح معتدلة، وهو لن يمثل أزمة حقيقية لمن يريد العمل على أساس علاقات عمل عادلة وأخلاقية. وللعلم فإن السلع الصينية اجتاحت الأسواق العالمية، من خلال قبول أرباب العمل بمعدلات ربح منخفضة مع بيع كميات كبيرة والحصول على أسواق أوسع، بما يحقق أحجاما كبيرة من الأرباح عن أعمال وصادرات ضخمة، وهو منهج يقوم على بناء السوق واستنهاض الطلب الفعال بما يخلق آلية للنمو المرتفع طويل الأجل. ومن المؤكد أن الالتزام بنظام عادل للأجر سيشكل آلية لتحسين توزيع القيمة المضافة في العملية الإنتاجية بين العاملين وأرباب العمل، بكل تأثيراتها الإيجابية على الطلب الفعال، وعلى حوافز النمو الاقتصادى المتواصل في الاقتصاد، وأيضا على ضرورات الدفاع الاجتماعي والسلام والاستقرار في المجتمع.