القاهرة - العرب اليوم
تعتري الإنسان حالة من التردد والحيرة ويتوه وسط الافتراضات المستقبلية ويتساءل عما سيحدث لو فضل الكتمان وما مدى المشاكل التي قد تنتج من جراء البوح، فيسكت باعتبار أن القطار قد انطلق ولا يمكن إيقافه! أم يتدخل لإنقاذ المخدوعين من مصيرهم.. ويستمر في التساؤل، هل يقول أم لا يقول؟
وكمثال على ذلك يصرح الكاتب والسيناريست المصري وحيد حامد قائلا “شخصيًا مررت بمثل هذا الموقف وعلمت أن أحد أصدقائي على وشك الارتباط بشخص سبق أن كان له ماض سيء وأخطاء كبيرة، ولم أتردد كثيرا، فبالتأكيد سأبلغ صديقي هذا بالحقيقة وعليه هو أن يختار”.
وأضاف موضحا “الفكرة أنّني لو علمت بعد ذلك أنه وقع في مشكلة أو أصيب بضرر بسبب ارتباطه بهذا الشخص لأنه لم يكن يعرف ماضيه أو لم يعرفه على حقيقته فسألوم نفسي كل اللوم لأنني كتمت شهادة حق كان ممكنا أن تنقذ هذا الصديق من الارتباط بإنسان كاذب ومخادع، على الأقل ليس أمينا في عرض ماضيه”.
وتروي دعاء الراعى، مهندسة معمارية، أن صديقتها وزميلتها في العمل قد تمت خطبة ابنتها الكبرى لشاب رائع على كل المستويات، فهو من أسرة عريقة ميسورة الحال، ويعمل في مركز مرموق، وأنه استجاب لكل طلباتها وطلبات ابنتها.
وفي يوم زفاف ابنة صديقتها، تهيأت دعاء للذهاب إلى الفرح دون أن تعلم أن في انتظارها مفاجأة من العيار الثقيل، حيث وجدت أن العريس هو زوج ابنة أختها السابق ولديها منه ثلاثة أطفال، وأنها أصرت على الطلاق منه بعد أن علمت أنه مدمن “قمار” واستمرت المشاكل بينهما أكثر من ثلاث سنوات ولم يطلقها إلا بعد أن أخذ منها ومن أسرتها مبلغاً كبيرًا.
سألت دعاء والدة العروس: هل كان العريس متزوجا قبل ذلك؟ فأجابتها بالنفي القاطع. لم تتمكن من أن تصدم صديقتها في أسعد ليلة في حياتها وحياة ابنتها ولكنها أيضا لم تستطع أن تلتزم الصمت فقررت قبل نهاية الحفل أن تبلغ والد العروس بكل شيء حتى تنقذ ابنة صديقتها قبل ضياع الفرصة الأخيرة.
عصمت طبيبة نساء وتوليد جاءت إليها فتاة في عيادتها منذ سنوات وبكت أمامها وقالت لها إن زواجها سيتم بعد أسابيع من شاب طيب وعلى خلق ولكن المشكلة أنها كانت على علاقة بأحد زملائها في الجامعة وتطورت هذه العلاقة إلى أن فقدت عذريتها إلا أنها بعد ذلك استغفرت الله لذنبها وتابت. ثم تقدم إليها شاب آخر وهي الآن على وشك الزواج منه ولكن لا بد أن تجري عملية إعادة عذرية وغشاء بكارة!
ترددت الطبيبة قليلا ثم افترضت حسن النية في أنه ربما تكون هذه الفتاة قد ندمت على فعلتها وتريد أن تكمل حياتها بشكل طبيعى ومحترم، وأنها ربما لو لم تجر العملية لاضطرت لإلغاء الزواج ويمكن أن تجرفها الحياة للانحراف بعد ذلك، ولذا قررت الطبيبة أن تجري لها العملية.
وبمرور الوقت بدأت الطبيبة شيئا فشيئا تتساهل مع هذا النوع من الفتيات واستمرت في إجراء عمليات إعادة غشاء البكارة لهن إلى أن حدث للطبيبة ما لم تتوقعه. أخبرها ابنها الوحيد أنه ارتبط عاطفيًا بزميلة له في العمل ويريد خطبتها وهي من عائلة كبيرة وميسورة والفتاة نفسها مهذبة، فرحت الأم بذلك الخبر وفي اليوم المقرر للخطبة ذهبت الأسرة الصغيرة للقاء أسرة الفتاة إلا أنها بمجرد أن رأت الفتاة تدخل عليهم أصيبت بصدمة شديدة والسبب أن الفتاة كانت واحدة من اللاتي أجرت لهنّ الطبيبة الأم عملية إعادة غشاء البكارة!
في البداية رفضت هذه الزيجة رفضًا تامًا ولكنها أمام إصرار الابن على معرفة سبب الرفض وقعت في حيرة شديدة. هل تقول للابن ما تعرفه عن الفتاة، أم تلتزم الصمت؟
ويؤكد محمد الشعيني، أستاذ الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس في مصر، أن هذه المشكلة موجودة فعلا وقد يجد كثيرون أنفسهم مضطرين لمواجهتها ولا يدري الواحد منهم ماذا يفعل. هل يتكلم ويبوح بكل ما يعرفه؟ وهل تعتبر شهادته هذه فتنة؟ وإذا تكلم هل سيجد كلامه هذا قبولا من الأطراف المعنية أم لا؟
وأكد قائلا “عموما إذا جاءت هذه الشهادة في البداية، أي قبل الزواج، فإنها طبعا تكون لصالح الطرفين ولصالح المجتمع ككل، لأنها سوف تقوم على حماية المجتمع من طلاق مؤكد وأطفال قد يواجهون مصيرًا غامضًا، أما إذا جاءت الشهادة بعد الزواج ولم يكن هناك مفر من الطلاق فيجب أن ينتهي الزواج بهدوء ودون مشاكل”.
وأضاف “على أيّ شخص يقع في هذا المأزق أن يتأكد أولا من حقيقة الشخص الذي تدور حوله الشبهات، وأن يتأكد أيضا أن أفعاله الماضية وأخطاءه سوف تؤثر على مستقبله وتسبب الضرر لمن حوله.
من جانبه يرى هاني السبكي، استشاري الطب النفسي في مصر، أن “بعض الناس قد يكونون مترددين بطبيعتهم أو بناء على حالتهم النفسية، ومنهم من يصاب بالتردد حتى في أبسط المواقف، فما بالنا لو كان الموقف من هذا النوع؟ وأذكر أنه جاءني ذات مرة شاب في العيادة وهو يعاني حالة نفسية سيئة جدًا، بسبب أنه عرف عن طريق الصدفة أن زوجة خاله على علاقة بشاب في مثل سنه، والمصيبة أن هذا الشاب صديق له، وظل صامتا حتى لا يسبب لخاله أزمة نفسية أو عائلية، خاصة أنه رزق مؤخرًا بطفل من هذه الزوجة وأخذ هذا الشاب يشكو لي أنه لا ينام طوال الليل ويعاني من الكوابيس، لدرجة أنه أصبح لا ينام إلا بالمهدئات.
وكان رد فعلي أني نصحته بالكلام أولا مع هذه الزوجة ومواجهتها فإذا رجعت عن أفعالها وتابت فإنه يصمت للنهاية، ولكنها إذا استمرت فعليه أن يتكلم حتى يحمي خاله وابنه وجميع أفراد العائلة”.
ونبه السبكي إلى أن هذا الموقف قد يتكرر كثيرا ولكن على من يمر به أن يتحرى الحقيقة أولا ويتأكد من صدق معلوماته، خاصة إذا كانت هذه المعلومة متعلقة بالسمعة والأخلاق، وإذا تأكد فعليه أن يتكلم لأن كلامه سيحمي آخرين، وأيضا سوف يحميه هو من آثار نفسية ضارة وسيئة لن تتركه إذا التزم الصمت لأنها في النهاية مسألة ضمير.