القاهرة - العرب اليوم
غدًا، بعد أسبوع، بعد شهر، خلال ساعة... كل هذه المفاهيم المرتبطة بالزمن والتي تبدو واضحة بالنسبة إلى الراشدين، هي بالنسبة إلى الطفل الصغير مصطلحات غير مفهومة وغامضة ومشوشة، فالوقت بدقائقه وساعاته وأيامه وشهوره لغز لا يستطيع حلّه، وكل ما يعرفه هو عبارة «سوف نخرج، تعال وتناول غداءك».
وفي المقابل، يصعب على الأهل أن يشرحوا للطفل معنى الوقت. فالماضي والحاضر والمستقبل، أي الأبعاد الثلاثة للزمن، هي واحدة بالنسبة إليه، والوقت لا حصر له، ومواقيت مثل «غدًا»، «في غضون أسبوع»، «في غضون ثلاثة أشهر»... ليس لها معنى بالنسبة إليه، فهو يفهم فقط مصطلحَي «بعد وقبل».
فماذا يعني الزمن ومواقيته بالنسبة إلى الطفل؟
الزمن هو الحاضر فقط
كشيء لا حدود له، الدقيقة بالنسبة إليه، ربما تعادل ساعة أو يومًا واحدًا. فالرضيع الجائع هو جائع «الآن»، وعلى والدته تلبية حاجته على الفور، ولا جدوى من أن تمسح له دموعه وتقول له إنه «سيحصل على طعامه بعد دقائق قليلة حين يفتر»، فهو لا يفهم، وبالتالي لن يصبر.
وعندما يحين الوقت للذهاب إلى الحضانة، فإنه لن يفهم مقولة سوف أعود بعد بضع ساعات، بل يعيش هذه الساعات القليلة وكأنها انفصال حقيقي لا نهاية له. فالطفل لا يتوقع التغييرات، ويرى ببساطة الأحداث عند حدوثها. فالغد بالنسبة إليه غير موجود، و«الآن» هو الوقت الذي يعيشه ويدركه.
شعور الطفل بلا نهائية الزمن
بالنسبة إلى الطفل الصغير، فإن الوقت ليس له بداية أو نهاية. وهكذا، فإنه يعيش كل الأحداث في الوقت الحاضر، ومن هنا جاءت الجملة الشهيرة التي يردّدها كل الصغار في السيارة: «ماما متى نصل؟».
فيما تواصل الأم الرد عليه «ليس الآن، خلال ساعة»، وهذا التحديد لا يفهمه، ويعود ويطرح السؤال إلى ما لا نهاية حتى يصلا إلى المكان الذي يقصدانه، ما هو الحل؟ على الأم الصبر لأنه لا يفهم معنى الوقت.
يفهم الوقت مع الوقت...
يمرّ تعلم الوقت بالنسبة إلى الطفل بمراحل عدّة، ويتّخذ مظاهر مختلفة، فبين عمر الخمس والست سنوات يبدأ الطفل في دمج مفهوم الوقت «النظام، قبل، بعد، في الوقت نفسه»، ومدّته.
بين سنّي السابعة والثامنة، يدرك الطفل استحالة عودة الزمن، وبالتالي عدم القدرة على تخطيه. وهذا لا يحدث إلا إذا اختبر المفهومين، أي أن يبدأ الطفل في فهم أن الوقت الخاص بالنشاط اليومي ليس هو نفسه وقت الانتظار.
وهذا أيضًا هو الوقت الذي يستوعب خلاله مفاهيم السرعة، والأرقام، وبالتالي معنى الساعة.
في أي سن يتمكّن الطفل من فهم معنى الوقت وتعلّمه؟
يتعلّم الطفل مفهوم الوقت تدريجًا، علمًا أن لكل طفل إيقاعه الخاص في التعلّم. فنمو الطفل وتطوره الذهني يمرّان بمراحل.
صحيح أن جميع الأطفال يمرون بها، ولكن المدة تختلف من طفل إلى آخر. ومع ذلك يمكن تحديد الخطوط العامة لاكتساب مفهوم الوقت.
بين السنتين والثلاث سنوات، يعرف الطفل الاختلاف بين الأمس والغد فقط. فالطفل في هذه السن عمومًا لا يعرف التمييز بين الماضي القريب والماضي البعيد.
في سن الرابعة، يعرف الطفل إلى ماذا تشير مفاهيم الصباح والظهر والمساء. ويصبح قادرًا على التعرف إلى الوقت المناسب من طريق احتساب عدد المرّات التي يذهب بها إلى النوم أو أخذ قيلولة.
في سن الخامسة، يصبح الطفل قادرًا على تسمية الفصول وفهم تواترها. ففي هذه السن يدخل الطفل إلى الحضانة وتتسارع عملية التعلّم لديه. ويبدأ في التعرف الى فصول السنة، وأيام الأسبوع، والوقت ساعة واحدة أو دقيقة واحدة، وأشهر السنة حتى التواريخ.
في سن السادسة، يصبح قادرًا على تسمية أيام الأسبوع ومعرفة تسلسلها.
بين سنّي السابعة والثامنة، يبدأ تعلّم تحديد الوقت عبر الساعة، ويصبح في مقدوره فهم كلمات مثل بعد غد، أو خلال 3 أيام... ويبدأ تعلم قراءة الوقت من خلال ساعة تقليدية أو ساعة رقمية تشير إلى الوقت بشكل واضح فيما الساعة التقليدية تحتاج إلى فك رموز عقاربها.
كيف يمكن مساعدة الطفل على فهم الوقت؟
وضع نقاط مرجع بدلاً من ساعات
رغم أن مفهوم الوقت غامض بالنسبة إلى الطفل، لا يزال في وسع الأهل تعليمه، والمبادرة الى إفهامه معنى الوقت من خلال نقاط مرجع تناسب سنّه.
فالطفل في سنتيه الأولى والثانية يفهم حياته وعالمه من خلال ربطهما بحاجاته الفيزيولوجية (الأكل، النوم، والاستحمام، الخ). تدريجًا، يصبح في إمكانه فهم فكرتي «قريبًا» و «انتظار».
وبالتالي فإن مفهومي «الماضي القريب» و»المستقبل القريب» يصبحان أكثر وضوحًا بالنسبة إلى طفل في الثالثة، يفهم معنيي «قبل وبعد»، إذا ما استُعملا في تعليمات واضحة، مثلاً «انتعل حذاءك وبعدها اربط شريطيه»، «سوف نذهب إلى المكتبة وبعدها نذهب إلى بائع الحلوى».
اختيار الكلمات الصحيحة
على الأهل محاولة استعمال المصطلحات نفسها التي يفهمها الطفل وربطها بعمل يعرفه ويقوم به بشكل روتيني: «في الصباح تستيقظ وتتناول وجبة الفطور»، «عند الغداء، تتناول وجبتك من دون بابا»، «بعد ظهر هذا اليوم سوف نذهب إلى المكتبة»، «بعد الاستحمام، قراءة قصة»، وغيرها من الأعمال التي يعرفها الطفل. كما يمكن الأهل توفير ألعاب تساهم في تعليم الطفل أيام الأسبوع وأشهر السنة.
تحديد الوقت بمصطلحات الطفل
يستعمل الطفل في سن الرابعة مصطلحات مثل «قبل»، «بعد»، «يوم»، «ليلة»، «الصباح»، «أمس»، «على الفور»، «أحيانًا»، «الآن فقط»، الخ... لكن المدّة تبقى غير واضحة إلا إذا عرف الأهل كيف يكيّفون الوقت مع الطريقة التي يفهمها الطفل. مثلاً بدل القول له «سوف نغادر خلال 25 دقيقة»، يمكن القول سوف نغادر بعد أن ينتهي برنامجك المفضل».
وغالبًا، بين سنّي الرابعة والخامسة، يطلب الطفل الحصول على ساعة يد، والسبب أنه يرى الراشدين يرتدونها ويعتمدون عليها في تحديد الزمن والوقت والمدة.
وهو بدأ يستنتج أو يشعر بأن الوقت يؤثر في مجرى الحياة ويقولبها. فالأم لا تتوقف عن الترداد على مسامع طفلها «أسرع، سوف نتأخر»، «هيا، حان الوقت».
وسائل يمكن توفيرها في البيت تساهم في تعليم الطفل معنى الوقت:
روزنامة بصور زاهية موجهة إلى الطفل
تعليق روزنامة شهرية في غرفة الطفل، ويُطلب منه وضع إشارة عليها كل مساء ليعرف الأيام التي مرت.
روزنامة شخصية مع ملصقات هي وسيلة جيدة. يمكن الطفل أن يتصور بسهولة لحظات من يومه أو من أسبوعه ويضع إشارة عليها. كما يمكنه التكهن والتوقع وحتى احتساب عدد القيلولات النهارية، كذلك يمكنه وضع إشارة على حدث سوف يحصل في موعد أو يوم بعينه.
يمكن الأم التقاط صور لكل لحظة من اليوم لمساعدة طفلها على التموضع في الوقت المناسب. يتم وضع هذه الصور بالترتيب في دفتر أو على لوحة تعلّق على جدار غرفته.
ابتكار لوحة من الكرتون ترسم عليها ساعة بعقاربها ويُلصق عند كل رقم مجسم صغير يرمز إلى عمل يقوم به الطفل، مثلاً وعاء من الحبوب عند السابعة صباحًا، وسادة عند السابعة مساءً...
يمكن وضع لوح من الورق المقوّى تُسجّل عليه أيام الأسبوع ثم يكتب الطفل النشاطات التي يقوم بها خلال أيام الاسبوع، مثلاً الاثنين: دروس السباحة... يوم الثلاثاء: الذهاب إلى الحديقة العامة...
الألعاب
هناك ألعاب بسيطة تساعد الطفل في التعامل وتتضمن إشارات سهلة تمثل النشاطات اليومية أو الأسبوعية التي يقوم بها الطفل، أي تسلسل أحداث اليوم أو الأسبوع.
يمكن اللعب مع الطفل من خلال صور صغيرة توضيحية حيث يقوم الطفل بترتيبها بشكل منطقي. على سبيل المثال: نستيقظ، نتناول الفطور، نرتدي الملابس، نخرج من المنزل لنذهب إلى الحضانة.
الكتب
توفير الكتب أو الكتب المصورة التي تُظهر بوضوح أحداث يوم واحد وربطها بالأعمال التي يقوم بها الطفل بشكل متكرّر.
القراءة بانتظام تساعد الطفل في استيعاب بعض المفاهيم. فتسلسل أحداث القصة التي تتضمن بداية ونهاية، وبينهما سلسلة من الأحداث المتتالية، يساعده على تحديد موقعه في الوقت المناسب.
هل استيعاب مفهوم الوقت يعلّمه الصبر؟
تعلّم الصبر مسألة أخرى... فمعرفة أن عملاً ما يستغرق وقتًا ويجب الانتظار، تشكل واقعًا صعبًا لبعض الأطفال فيصعب التعايش مع الفكرة وتحمل الانتظار!