موسكو - العرب اليوم
توجّه وفد من نادي جرونينجن الهولندي لكرة القدم في منتصف العام 2006 إلى أوروغواي، لمعرفة مدى إمكانية ضم مهاجم شاب صاعد اسمه إلياس فيجيروا، وبدلا من ذلك تحولت أنظار الوفد باتجاه مهاجم آخر أصغر سنا، لكنه أظهر قدرة على التحكم بالكرة وأحرز هدفا رائعا، وبادر جرونينجن لضم هذا اللاعب إلى صفوفه لينتقل إلى أوروبا، وكان اللاعب هو لويس سواريز.
هذه البدايات القديمة ربما تكون غير معروفة للكثيرين تماما مثل البيئة الفقيرة التي نشأ فيها سواريز وتعلقه بصديقته التي انتقلت للعيش في إسبانيا، ومنها بدأت خيوط القصة التي يعرفها الجميع عن سواريز.
وسرعان ما قادته قدرته على إحراز الأهداف للانضمام لصفوف أياكس ثم ليفربول، قبل أن يستقر حاليا في برشلونة كما أصبح هداف أوروغواي التاريخي، لكن شراسته والحرص على تحقيق الفوز بأي طريقة حولاه إلى واحد من أبرز الهدافين في العالم وأكسباه أيضا سمعة سيئة.
ومن أشهر هذه المواقف حين أعيد إلى بلاده في كأس العالم 2014 في البرازيل بعد أن عض مدافعا من إيطاليا، وهو تصرف سبق أن فعله من قبل، ويبدو أنه لا يستطيع التخلص منه تماما مدفوعا برغبته الجامحة في النجاح.
قبلها بأربعة أعوام وفي نسخة 2010 من البطولة في جنوب أفريقيا منع سواريز بيده وبشكل متعمد كرة سددها مهاجم غانا برأسه من دخول مرمى أوروغواي، واكتملت إساءته للروح الرياضية عندما احتفل بشكل كبير بإهدار غانا ركلة الجزاء المحتسبة، قبل أن تخسر لاحقا وتحرم من أن تكون أول منتخب أفريقي يبلغ الدور قبل النهائي لكأس العالم.
وقال أحد الكتّاب الرياضيين عن اللاعب الذي حير العالم في فهمه "هاتان الواقعتان المشهورتان هما مثالان واضحان على تهور وجنون سواريز في الملعب".
خلال مسيرته الرياضية الرائعة والعاصفة في آن واحد فشل سواريز في السيطرة على نفسه وتعرض لعقوبات بسبب العض وادعاء السقوط في منطقة الجزاء وتوجيه إساءة عنصرية للمنافس، لكن في الآونة الأخيرة تجنب سواريز (31 عاما) والذي سجل أكثر من 150 هدفا مع برشلونة الدخول في مواقف تثير الجدل إلى حد كبير.
"يجب أن أكون قدوة في القيادة" وسيكون سواريز، الذي سيخوض مع أوروغواي مواجهة فرنسا في دور الثمانية بكأس العالم، الجمعة، أكثر حكمة ونضجا رغم أنه يفتقر إلى بعض السرعة والحماسة اللتين كان يتمتع بهما.
وقال سواريز للصحافيين هذا الأسبوع "يجب أن ألتزم بالهدوء لأن هناك الكثير من اللاعبين الشبان في التشكيلة بعضهم انضم لأول مرة.. يجب أن أمثل قدوة لهم"، هذه التصريحات لخّصت تحوّل سواريز من طفل خارج السيطرة إلى رجل أكبر سنا وأكثر حكمة واتزانا، وأضاف "مع خبرة خوض العديد من المباريات مع منتخب أوروغواي، تعلمت الكثير عن كيفية التعامل مع هذا الوضع".
وبعد واقعة العض التي حدثت في البرازيل احتفظ المدرّب أوسكار تاباريز بثقته في سواريز وقدرته على التعلم من هذه التجربة، وهو ما يبدو أنه حدث.
وفي وقت من الأوقات كان دييغو فورلان هو الذي يوجه ويقود تشكيلة أوروغواي، والآن أصبح سواريز هو الذي يقوم بهذا الدور.
وفازت أوروغواي بجميع مبارياتها الأربع في كأس العالم في روسيا حتى الآن، وأحرز سواريز هدفين وحافظ على نضج التجربة وتجنب الدخول في أي جدل.
ولم يحرز سواريز أي أهداف في الفوز المثير 2-1 على البرتغال بقيادة كريستيانو رونالدو في دور الستة عشر، لكنه أرسل تمريرة عرضية رائعة ودقيقة أحرز منها إدينسون كافاني الهدف الأول، لكن ما ذكرناه عن تصرفات سواريز في الملعب تتناقض تماما مع صورته العائلية الودودة، ففي أوروبا تمكن أخيرا من الزواج بصديقة طفولته صوفيا بالبي وكثيرا ما شوهدا معا برفقة طفليهما.
واعتاد سواريز الذهاب إلى التدريب سيرا على الأقدام في فترة شبابه لتوفير الأموال، بل كان يستعير حتى الأحذية.
وظلّ سواريز محافظا على تواضعه الذي اكتسبه من هذه الأيام، رغم أن المدربين يذكرون له طبيعته المتقلبة والمزاجية خلال المباريات.