الكويت ـ كونا
يبدأ النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح غدا زيارة رسمية هي الاولى من نوعها لدولة فلسطين تلبية لدعوة من نظيره الفلسطيني الدكتور رياض المالكي.
وتأتي هذه الزيارة التي تعد تاريخية باعتبارها الاولى لمسؤول كويتي منذ عام 1967 لتضيف لبنة جديدة في صرح العلاقات الكويتية الفلسطينية التي تمتد جذورها الى عشرات السنين حيث من المنتظر أن تثمر اطلاق اللجنة الفلسطينية الكويتية العليا المشتركة .
واحتضنت الكويت قيادة وشعبا القضية الفلسطينية منذ نشأتها واعتبرتها قضيتها الأولى وأعلنت مساندتها للحق الفلسطيني بكافة الأشكال وعلى جميع الصعد العربية والعالمية .
وفتحت الكويت أبوابها وقلوبها أمام الفلسطينيين وقضيتهم في فترة مبكرة من ثلاثينيات القرن الماضي - أي قبل استقلال الكويت - عندما استقبلت عام 1932 مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني في اطار جولة عربية لجمع التبرعات لإعمار المسجد الأقصى .
وبعد اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936 شكل أبناء الشعب الكويتي أول لجنة لمناصرة الشعب الفلسطيني ماديا ومعنويا حيث قامت اللجنة بجمع التبرعات المالية آنذاك وإرسالها الى الثوار في فلسطين .
ثم جاءت نكبة فلسطين عام 1948 وازداد معها التعاطف الرسمي والشعبي الكويتي تجاه أشقائهم الفلسطينيين والذي بدا جليا في استقبال الكويت للآلاف من النازحين الفلسطينيين الذين وجدوا في أرض الكويت الملاذ الآمن والعيش الكريم. واستمر الموقف الكويتي المناصر للقضية الفلسطينية تزداد وتيرته يوما بعد يوم فعلى الصعيد الداخلي وصل عدد الفلسطينيين المقيمين على أرض الكويت بحلول منتصف ستينيات القرن الماضي الى نحو 400 الف مقيم يتمتعون بكافة الحقوق الاجتماعية والانسانية .
كما احتضنت الحكومة الكويتية عام 1964 منظمة التحرير الفلسطينية وقدمت لها المساعدات المادية والمعنوية حتى أصبحت الكويت من أكثر الدول المانحة للمساعدات للشعب الفلسطيني على مدى عشرات السنين سواء على مستوى القيادة السياسية أو الشعبية .
وليس أدل على ارتباط الكويت بالقضية الفلسطينية من تأكيد سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في كلمته الأولى من على منبر الأمم المتحدة بعد اعلان قبول عضوية الكويت في المنظمة الدولية عام 1963 - وكان حينها وزيرا للخارجية - على الحق الشرعي للشعب الفلسطيني في العودة الى أرضه مشددا على أن "سياسة الأمر الواقع لا يمكن أن تكون قاعدة ثابتة للسلام".
وبعد نشوب الحرب بين العرب واسرائيل في يونيو 1967 كان رد الفعل الشعبي في الكويت كبيرا وحماسيا حيث خرجت التظاهرات لتلف شوارع الكويت معبرة عن غضبها من هذا العدوان.
وعلى الصعيد الرسمي أدى الوفد الكويتي الذي سافر الى الأمم المتحدة برئاسة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك دورا ناشطا في تعبئة الرأي العام ضد العدوان الاسرائيلي واحتلال اسرائيل للأراضي العربية .
وقال سموه في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة في 25 يوليو 1967 "وفيما يتعلق بنا فاني أود أن اعلن أن الكويت مستعدة كل الاستعداد لاستخدام جميع طاقاتها وامكانياتها في سبيل تأمين الحق العربي والمبادئ التي يؤمن بها العرب وتتحمل كل تضحية مهما بلغت للوصول الى هذا الغرض كاملا غير منقوص".
وطالب سموه بانسحاب اسرائيل الفوري الكامل وغير المشروط من الأراضي العربية التي احتلتها وعلى رأسها القدس كي لا يتعرض ميثاق المنظمة العالمية والقانون الدولي وأمن وسلام العالم للفوضى والاضطراب.
والتزمت الكويت أيضا بقرارات القمم العربية فيما يخص الشأن الفلسطيني ففي مؤتمر القمة العربية الثاني الذي عقد في الاسكندرية في سبتمبر 1964 قدمت الكويت مليوني جنيه استرليني دعما لقرار القمة بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني .
وفي القمة العربية الرابعة التي استضافتها العاصمة السودانية الخرطوم في 29 أغسطس 1967 التزمت الكويت بتقديم 55 مليون جنيه استرليني لدعم الدول المتضررة من العدوان ومساندتها لكي تستعيد قدراتها العسكرية في مواجهة تبعات العدوان الصهيوني .
وقامت الحكومة الكويتية بفتح المدارس الحكومية لتعليم الطلبة الفلسطينيين والموافقة على تأسيس "اللجنة الشعبية لجمع التبرعات" التي هدفت الى تنظيم عملية جمع الأموال لمصلحة الشعب الفلسطيني .
ولعل الموقف الكويتي في حرب اكتوبر 1973 كان أكبر دليل على الارتباط الكويتي بالقضية الفلسطينية حيث وقفت الكويت آنذاك موقفا مبدئيا وصارما وثابتا تمثل في اعلانها وقف تصدير النفط الى الدول المعتدية بالتضامن مع المملكة العربية السعودية.
وبالرغم من أن هذه الخطوة الخليجية التي شكلت منعطفا مفصليا في التاريخ العربي الحديث لم تستمر سوى فترة قصيرة فإن تداعياتها السياسية والاقتصادية استمرت سنوات طويلة بعد ذلك.
وفي تلك الفترة قدمت الكويت دعما لا متناهيا لمنظمة التحرير الفلسطينية حيث رفعت مستوى مكتبها التمثيلي الى مرتبة سفارة واعتبرت ممثل منظمة التحرير في الكويت سفيرا حصل على كافة المزايا والتعاملات الرسمية لهذا المنصب .
واستمر الدعم الكويتي لفلسطين قضية وشعبا وبلغ أوجهه عام 1987 عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى حيث انبرت الحكومة الكويتية لتقديم كل أوجه الدعم للانتفاضة ومنها على سبيل المثال لا الحصر اقتطاع مرتب يوم من جميع موظفي وزارات الدولة ومؤسساتها مساهمة من الشعب الكويتي في دعم الانتفاضة .
كما شكلت جمعيات النفع العام ما سمي "باللجنة العربية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية" التي تولت مهمة جمع التبرعات المالية لمصلحة شهداء وجرحى الانتفاضة .
وعلى الرغم من موجة الجزر والجفاء التي طالت العلاقات الكويتية الفلسطينية في مرحلة التسعينات بعد الغزو العراقي للكويت فان القلب الكويتي النابض بالعروبة والعطاء والايمان بالحق الفلسطيني استطاع التسامي على جراحه واستمر في دعم القضية الفلسطينية ماديا ومعنويا وفي المحافل الدولية .
فقد تعهدت الكويت في ديسمبر عام 2000 بالتبرع ب5ر1 مليون دولار امريكي للوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) ليؤكد مفوضها العام في الشرق الاوسط بيتر هانس ان الكويت من اكبر داعمي الوكالة معنويا وماديا وان ما تدفعه الكويت "مهم للغاية" وانها تتبرع الى الميزانية الاعتيادية بأربعة اضعاف ما تدفعه للامم المتحدة.
كما اشادت لجنة (الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين) في رام الله في اكتوبر عام 2002 بالتزام الكويت بتسديد التزاماتها تجاه موازنة (اونروا) معربة عن شكرها وتقديرها الى الحكومة والشعب الكويتي وجمعية الهلال الاحمر الكويتية على دورهم المميز في دعم الشعب الفلسطيني.
وشهد مطلع الألفية الثانية زيارة رسمية في ديسمبر 2004 قام بها رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس الى الكويت قدم خلالها اعتذارا رسميا للكويت والشعب الكويتي عن موقف المنظمة من الغزو العراقي للكويت عام 1990.
ودعا عباس الى طي صفحة الماضي وعودة العلاقات بين الجانبين الى ما كانت عليه من احترام وثقة وتبادل للمصالح .
وفي كلمته في اختتام أعمال مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية التي عقدت في الكويت في يناير 2009 (قمة التضامن مع غزة) قال سمو أمير البلاد ان العدوان الإسرائيلي على غزة "جريمة اتحد العالم كله في إدانتها وفضح طبيعتها الوحشية وإلقاء المسؤولية الكاملة على اسرائيل فيها" مؤكدا أن "الوقوف مع أهلنا في غزة وإعادة إعمار غزة أضحى مسؤولية جماعية".
وفي 15 ابريل 2013 قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة رسمية الى الكويت أجرى خلالها مباحثات ثنائية مع أخيه صاحب السمو أمير البلاد وافتتح خلالها مقر سفارة دولة فلسطين.
وقد قلد الرئيس عباس خلال الزيارة صاحب السمو أمير البلاد وسام القدس من الدرجة العليا في حين قلد سمو امير البلاد الرئيس الفلسطيني وسام مبارك الكبير في دلالة واضحة وتأكيد تام على عمق العلاقات التاريخية التي تجمع القيادتين والشعبين الشقيقين .
وفي القمة العربية ال25 التي استضافتها الكويت في مارس الماضي أولى سمو أمير البلاد أهمية خاصة للقضية الفلسطينية حيث اكد سموه في كلمته أن السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا من خلال إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس مشيرا الى أن الانتهاكات الاسرائيلية تقف عائقا أمام تحقيق السلام في المنطقة .
وتصدرت القضية الفلسطينية (اعلان الكويت) الصادر عن القمة حيث أكد الاعلان أن القضية الفلسطينية تظل القضية المركزية للشعوب العربية مشددا على تكريس كافة جهودهم لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع من يونيو 1967.
ودعا (اعلان الكويت) مجلس الامن الى تحمل مسؤولياته والتحرك لاتخاذ الخطوات اللازمة ووضع الآليات العملية لحل الصراع العربى - الاسرائيلى بكافة جوانبه وتحقيق السلام العادل الشامل وانهاء احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
وحمل الاعلان اسرائيل المسؤولية الكاملة عن تعثر عملية السلام واستمرار التوتر في الشرق الاوسط داعيا الى احترام الشرعية الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتثمين جهوده في مجال المصالحة الوطنية وضرورة احترام المؤسسات الشرعية للسلطة الوطنية الفلسطينية. إن الباحث في العلاقات الكويتية الفلسطينية ليجد نفسه أمام بحر مترامي الأطراف من الصلات والعلاقات الاستثنائية بين شعبين شقيقين ربطت بينهما سلسلة طويلة من قيم الإسلام ومبادئ العروبة الأصيلة.