السلطان هيثم بن طارق

يتذكّر العُمانيون في هذه الأيام كلمات الراحل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، فيما يخص اختيار خليفته في حكم البلاد لاستكمال البناء لتحقيق النهضة المستدامة، حيث سبق وقال: "بعد التوكل على الله، ورغبة منا في ضمان استقرار البلاد، نُشير بأن يتولى الحكم السيد هيثم بن طارق، وذلك لما توسمنا فيه من صفات وقدرات تؤهله لحمل هذه الأمانة، وإننا إذ نضرع إلى الله العلي القدير أن يكون عند حسن الظن الذي دعانا إلى اختياره، والثقة التي دفعتنا إلى تقديمه، فإننا ندعوكم جميعا إلى مبايعته على الطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأن تكونوا له السند المتين والناصح الأمين، معتصمين دائما تحت قيادته بوحدة الصف والكلمة، والهدف والمصير، متجنبين كل أسباب الشقاق والتناحر والشقاق والتنابذ والتناحر، عاملين بقوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) صدق الله العظيم".

 وما زاد من الطمأنينة؛ الكلمات التي وجهها السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- في أولى الكلمات التي وجهها لأبناء عمان؛ حيث قال: "إن عزاءنا الوحيد وخير ما نخلد به إنجازاته هو السير على نهجه القويم والتأسي بخطاه النيرة التي خطاها بثبات وعزم إلى المستقبل، والحفاظ على ما أنجزه والبناء عليه، هذا ما نحن عازمون بإذن الله وعونه وتوفيقه على السير فيه والبناء عليه، لترقى عمان إلى المكانة المرموقة التي أرادها لها وسهر على تحقيقها، فكتب الله له النجاح والتوفيق".

 وهذا النهج الذي يرسم معالم المستقبل بخطى ثابتة، تؤيده الثقة في الهمة العالية والفهم الدقيق لمستقبل تستحقه عُمان.. ثقة أولاها باني عمان في قيادة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- البلاد نحو مستقبل تزدهر فيها ثمارًا زُرعت عبر نحو خمسة عقود؛ ثقة من دلائلها إسناد مسؤولية إعداد "رؤية عمان 2040" إلى السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه. وبهمة عالية تعرف المكانة العالية التي ينبغي أن تصعد إليها السلطنة، وتعرف أهمية أن يشارك الجميع في رسم رؤية مستقبل هذا الوطن، سار نهج الرؤية المستقبلية وموكبها بقيادة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- منذ بدء إعدادها، وحتى اكتمال ملامحها، بثقة في أن لديه "من صفات وقدرات تؤهله لحمل هذه الأمانة"؛ كما ذكر السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور في خطاب وصيته.

  وصية وتوصية

وما جاء في وصية السلطان قابوس من ثقة، سبقته توصية بشأن الرؤية 2040 التي حمل السلطان هيثم بن طارق بن تيمور -حفظه الله ورعاه- مسؤولية قيادة اللجنة الرئيسية لإعدادها؛ ففي الأوامر السامية تأكيد على أن يكون "إعداد الرؤية المستقبلية عمان 2040 بإتقان تام ودقة عالية، في ضوء توافق مجتمعي واسع، وبمشاركة فئات المجتمع المختلفة، بحيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي، ومستشرفة للمستقبل بموضوعية، ليتم الاعتداد بها كدليل ومرجع أساسي لأعمال التخطيط في العقدين القادمين".

 وكان أهل العزم بالفعل على قدر العزائم، والمسؤوليات الجسيمة لإعداد خطة مستقبل عُمان، وهذا ما أكده السلطان هيثم بن طارق بن تيمور -حفظه الله ورعاه- في كلمته في مسودة وثيقة الرؤية 2040 التي نُشِرت في العام 2019؛ إذ قال فيها: إن الرؤية "مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي، وتستشرف المستقبل بموضوعية؛ لتعتد بها السلطنة دليلًا ومرجعًا أساسيًا لأعمال التخطيط في العقدين القادمين".

 حمل السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- الأمانة، متفهما أهمية المشاركة المجتمعية في الرؤية لمستقبل تتشارك فيه الأحلام والأهداف، وأصبح لدى الشعب العماني خطة عمل مستقبلية يشارك في تنفيذها عبر العقدين القادمين، كل في موقعه وقدرته.

 وتطرح كلمة جلالته أهداف وخطة عمل للوصول إلى عمان التي يحلم بها العمانيون؛ فقال: "إن رؤية عُمان 2040 هي بوابة السلطنة لعبور التحديات، ومواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية، واستثمار الفرص المتاحة وتوليد الجديد منها، من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية، والرفاه الاجتماعي، وتحفيز النمو والثقة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في كافة محافظات السلطنة"

 وحدد الغايات والأولويات التي تستهدفها الرؤية في قوله: "لقد كان نصبُ أعيننا -ونحن نعمل على تحديد الأولويات الوطنية التي ستعمل عليها الرؤية المستقبلية: إعادةَ تشكيل العلاقة والأدوار بين القطاعين الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وضمان إدارة اقتصادية فعّالة واقتصاد عماني متطور ومتنوع ومستدام، وتوزيع عادل لمقدّرات التنمية بين المحافظات، وحماية مواردنا الطبيعية وبيئتنا المتفرّدة، والانطلاق من ثوابت المواطنة والهُويَّة العُمانية الأصيلة؛ لتحديث منظومة التعليم ودعم البحث العلمي والابتكار، وتطوير الأنظمة والخدمات الصحية، ومكونات الرَّفاه المجتمعي وخدماته الأساسية، لجميع فئات المجتمع وشرائحه".

 ولم تغب الأدوات اللازمة لتنفيذ الرؤية عن كلمة جلالته؛ فقد أضاف في كلمته: أولت الرؤية المستقبلية أهمية خاصة لقضايا الحوكمة وموضوعاتها؛ وذلك لأهميتها الكبيرة وتأثيرها في الأولويات الوطنية، من حيث تفعيل الرقابة، والاستخدام الفاعل للموارد الوطنية، وتحقيق مبادئ النزاهة والعدالة والشفافية والمحاسبة والمساءلة؛ بما يعزز الثقة في اقتصادنا الوطني، ويدعم تنافسية جميع القطاعات في ظل سيادة القانون".

 هي خطة عمل تحملها أعمدة راسخة من آليات التنفيذ، والثقة في قدرات عمان والعمانيين، وهي تبني على ما سبق، تواكب ما يقدمه العصر من منجزات، وتعمل على أن تتقدم الصفوف لتكون في مقدمة الأمم بمختلف المجالات، وإن كانت الأحلام عريضة وواسعة والواقع قد تشغله التحديات، لكن هذه هي المسؤولية التي تحملها السلطان هيثم بن طارق بن تيمور -حفظه الله ورعاه- بثقة يستحقها.

 وتبيِّن كلمة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور -حفظه الله ورعاه- تقدير جلالته للمشاركة في العمل؛ حيث جاء فيها: عملت اللجان وفرق العمل الوطنية المتخصصة بكل جهد ومثابرة، وبالتفاعل المنشود مع ذوي الخبرة والاختصاص، وفق منهجيات علمية وأفضل الممارسات العالمية، وحرصت في كل خطواتها على أن تكون هناك مشاركة مجتمعية واسعة من جميع فئات المجتمع وشرائحه؛ فوصلت إلى كل محافظات السلطنة، وتفاعلت بكل الوسائل، وحققت الغاية المنشودة في مشاركة واسعة وفاعلة للمجتمع؛ ونتيجة لذلك نضع بين أيديكم رؤية عُمان المستقبل عملًا خالصًا منكم وإليكم.

 وتختتم الكلمة بقول جلالته: "إنَّ جميع الذين حظوا بشرف المسؤولية لإعداد الرؤية المستقبلية "عمان 2040"، ماضون وأيديهم بأيدي الجميع للعمل على ترجمة توجهاتها وأهدافها، وصولًا لمستقبل يقوده الطموح، ويشارك فيه الجميع، من أجل كل ذلك نمد الخطى، ونسارع الزمن، ونتقدم بثقة نحو غد يمتلئ تفاؤلًا لهذا الوطن الغالي على نفوسنا جميعا".

 وتنطلق رؤية 2040 من الإيمان بأنه بالإمكان أن تصبح عمان بين مصاف الدول المتقدمة، وتترجم ذلك في غايات أربع؛ تبدأ بالوصول إلى مجتمع إنسانه مبدع معتز بهويته، مبتكر ومنافس عالميا، ينعم بحياة كريمة ورفاه مستدام، وبيئة عناصرها مستدامة مصانة وآمنة، نظمها فعالة ومتزنة، مواردها متجددة اقتصاد بنيته تنافسية منتج ومتنوع، يقوم على الابتكار وتكامل الأدوار وتكافؤ الفرص، يسيّره القطاع الخاص، ويحقق تنمية شاملة مستدامة، ودولة أجهزتها مسؤولة وحوكمتها شاملة، ورقابتها فاعلة، وقضاؤها ناجز، وأداؤها كفؤ.

ولضمان متابعة التنفيذ؛ فقد وضعت مؤشرات للوصول إلى تلك الغايات في مختلف النواحي؛ وتتضمن تلك المؤشرات أن تصبح قبل حلول العام 2040 من أفضل 20 دولة في العالم في مؤشر الابتكار العالمي، وضمن أفضل 10 دول على مستوى العالم في مؤشر التنافسية العالمية.

 كما تتضمن الرؤية 2040 سعيا نحو تنفيذ حلم أن تكون السلطنة دولة في مقدمة العالم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ورؤية لأن يصبح الاقتصاد العماني اقتصادًا مُنْتِجًا متنوعًا، قائمًا على الابتكار وتكامل الأدوار، وتكافؤ الفُرَص واستثمار الميزات التنافسية للسلطنة، ورؤية بأن يقود القطاع الخاص الاقتصاد نحو الاندماج مع الاقتصاد العالمي، والنهوض بدور فاعل في التجارة العالمية؛ ليحقِّق تنمية شاملة مستدامة، تستند إلى قيادة اقتصادية فاعلة، وتعمل في إطار مؤسسي مترابط من السياسات والتشريعات الاقتصادية المواكبة للمتغيرات؛ بما يحقق الاستدامة المالية وتنويع الإيرادات العامة، كما تنظر الرؤية إلى عمان في 2040 وقد أصبحت بيئة جاذبة للكفاءات في سوق العمل، يزدهر فيها التنافس الإيجابي الشريف، ويضمن تنميةً جغرافية شاملة لكل أنحاء السلطنة، تنمية يترسخ فيها مبدأ الاستخدام الأمثل والمتوازن للأراضي والموارد الطبيعية، وحماية البيئة، وتضمن تحقيق الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة.

 وتستهدف الرؤية أن تستوعب عمان بحلول 2040 المدن الذكية والمستدامة، ويتعزز فيها الازدهار الاجتماعي والاقتصادي والعدالة الاجتماعية في المناطق الحضرية والريفية، وأن تكون دولة يتحقق فيها النمو الاقتصادي جنبا إلى جنب مع الرفاه الاجتماعي، في ظل أجهزة دولة مَرِنة ومسؤولة، تتمتع بالحوكمة الشاملة، والرقابة الفاعلة.

 وتضع مسودة الرؤية 2040 التي أشرف عليها السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- ضمن الأولويات الاقتصادية أن تكون هناك قيادة ديناميكية بكفاءات متجددة تعمل في إطار مؤسسي متكامل. وتتضمن كذلك الأولويات الاقتصادية: التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، في توجه إستراتيجي نحو الوصول إلى اقتصاد متنوع ومستدام قائم على التقنية والمعرفة والابتكار، أطره متكاملة وتنافسيته متحققة، مستوعب للثورات الصناعية، ويحقق الاستدامة المالية.

 ولم تغفل رؤية 2040 أولوية سوق العمل والتشغيل، وأن يكون سوق العمل في السلطنة جاذبًا للكفاءات ومتفاعلًا ومواكبًا للتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية والتقنية. وفي التوجه الإستراتيجي للقطاع الخاص والاستثمار والتعاون الدولي بأن يقود القطاع الخاص اقتصادا تنافسيا ومندمجا مع الاقتصاد العالمي، وأن تجري تنمية المحافظات والمدن تنمية مستدامة؛ تنمية شاملة جغرافيًا تتبع نهجًا لا مركزيا.
 
وبالتوازي مع الأولويات الاقتصادية، تستهدف رؤية 2040 أن يكون في السلطنة جهاز إداري للدولة يتمتع بالمرونة ومبتكر وصانع للمستقبل، وقائم على مبادئ الحوكمة الرشيدة، وهي أهداف تقاس بمؤشرات ستوالي جريدة "الرؤية" نشرها تفصيلا وتقديمها للمواطن ليشارك في تحقيقها كما شارك في البناء فيما قبل.

 وبين الخطط الخمسية في المرحلة الأولى من 1976-1995 والرؤية المستقبلية 1996-2020، والرؤية المستقبلية 2040؛ يحمل المِشْعَل سلطانٌ جديدٌ، لكنَّ الشعلة واحدة والطريق إلى النهضة لا تُخطِئه عين عاشق للوطن.

 وعبر 50 عاما، شمر أبناء عمان عن سواعدهم للمساهمة في البناء، تتساند الخطى وتتلاحم العزيمة، وتتقدم البلاد عاما بعد عام، وتنهض مُزِيحةً عن أكتافها رداءَ التخلف لتواكب التطور والتقدم، وبالفعل تبين المقارنة بين حال عمان قبل السبعين وحالها الآن، كيف حققت ما يمكن وصفه بمعجزة النهضة؛ من ساحة لا تحتمل سوى طائرة صغيرة الحجم فقط في أوائل السبعينيات في مطار بيت الفلج في روي، أصبح لدى السلطنة 3 مطارات دولية تستوعب أكبر طائرات العالم. ومن دولة كان أعلى مستوى تعليمي فيها هو مدرسة للتعليم الأساسي، أصبحت الجامعات والكليات في جميع محافظاتها، ومن مياه تنقل على الرأس للشرب أصبحت محطات تحلية المياه تنتشر على امتداد سواحلها.
 
هي رؤية قائد حكيم لعمان زاهرة مزدهرة، تثمر خططها التنموية ما ينفع الناس ويبقى في الأرض، وذلك بخطوات راسخة الأسس، قال السلطان هيثم بن طارق بن تيمور إنه يواصل الالتزام بمسارها، على طريق منير بجهد أبناء عمان الأوفياء نحو آفاق التقدم الاقتصادي والنماء، تدل عليه بيانات اقتصادية وشواهد تنموية أينما نولي شطرنا.