الجزائر - العرب اليوم
أصدرت النيابة العامة بالجزائر، إجراءات ضد مقربين من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تزامنًا مع إعلانه عزمه على التنحي قبل 28 من الشهر الجاري، موعد انتهاء ولايته الخامسة، وذلك استجابة لمطالب قائد الجيش، والحراك الشعبي ضده منذ 6 أسابيع. وأصدرت النيابة أوامر بمنع أشخاص بعينهم من السفر، بعد 24 ساعة من اعتقال رجل الأعمال المعروف علي حداد، على الحدود التونسية، حيث كان يستعد للخروج بجواز سفر بريطاني إلى تونس، ومنها إلى فرنسا.
وقال النائب العام لـ«مجلس قضاء العاصمة» (محكمة الاستئناف)، في بيان، إنه أمر بـ«فتح تحقيقات في قضايا فساد وتهريب أموال بالعملة الصعبة، مع إصدار أوامر بالمنع من مغادرة التراب الوطني، كإجراء احترازي في حق مجموعة من الأشخاص»، من دون ذكر أسماء. وأفاد مصدر في وزارة العدل بأن النيابة أعدت لائحة بأسماء 50 شخصاً معنيين بالتدابير، ويأتي على رأسهم الإخوة كونيناف، وهم ثلاثة، أصحاب مجموعة للمقاولات والأشغال العمومية التي يترأسها شقيقهم رضا، صديق سعيد بوتفليقة. وكان والدهم المتوفي صديقاً لبوتفليقة منذ أيام ثورة التحرير في خمسينات القرن الماضي، وبفضله حصلوا على مشروعات ضخمة، ويكاد لا يخلو أي مشروع في قطاعات البناء والمياه والأشغال الفنية والنقل من أثر لـ«مجموعة كونيناف» الاقتصادية.
وتضمنت اللائحة علي حداد، رئيس مجموعة للأشغال العمومية، وشقيقه عمر، وطحكوت محي الدين مالك مصنع لتركيب السيارات، والشركة الوحيدة لنقل طلبة الجامعة. كما طالت إجراءات النيابة نجليه بلال وناصر. وفي القائمة يوجد محمد بعيري، مقرب من حداد، ومالك شركة استيراد سيارات، وأسماء أخرى غير معروفة، قياساً إلى الأشخاص الذين يعرفهم عامة الجزائريين منذ سنوات طويلة، بحكم علامات الثراء الفاحش التي ظهرت عليهم في زمن قصير.
ولوحظ أمس الاثنين، انتشار أفراد من الدرك بمحيط إقامات هؤلاء الأشخاص، وتتواجد بحي حيدرة والأبيار ودالي إبراهيم بأعالي العاصمة، وهي أماكن راقية. ويدير هؤلاء أعمالاً في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، ويملكون عقارات وحسابات بنكية في دول مصنفة بأنها «جنات ضريبية».
وقال رئيس حزب «اتحاد الوطنيين الأحرار»: «يملك المقربون من الرئيس حسابات بنكية مفتوحة للقروض، وهم لا يضعون أموالهم في البنوك. يستفيدون من صفقات عمومية بآلاف المليارات، ثم يتنازلون عنها لشركات أخرى بآلاف المليارات، دون أن تتسخ أيديهم ولا يلامس غبار الورشات أحذيتهم. وأخيراً، اكتشفنا أن لهم طائرات خاصة، في نظام يحتكر النقل الجوي وأروقة الطيران في السماء، ومنصات الهبوط والإقلاع في الأرض. وأكثر من ذلك لديهم جوازات سفر وبطاقات إقامة في دول أجنبية، وأملاك في الخارج، أكثر مما لهم بلدهم الأصلي».
وفي غضون ذلك، نفى الجنرال محمد مدين، الشهير بـ«الجنرال توفيق»، مدير المخابرات المعزول عام 2015، أخباراً بثتها فضائية محلية تناولت «اجتماعاً عقده مع عناصر من المخابرات الفرنسية، وبشير طرطاق (مدير المخابرات الحالي) وشقيق الرئيس» غير صحيحة.
وأعلن «الجنرال توفيق»، في بيان، أن الفضائية الخاصة «تعمدت، في سهرة 30 مارس (آذار) 2019، بث معلومات خاطئة بعيدة عن أخلاقي ومبادئي. فمنذ أن غادرت مهامي، لم ألتقِ أبداً، ولو مرة واحدة، مع المسؤول الأمني الذي ذكر أنه حضر هذا الاجتماع المزعوم»، في إشارة إلى بشير طرطاق رئيس الاستخبارات الذي خلفه في المنصب.
وأضاف بيان مدين: «إن الاتهام الموجه لشخصي، والمتعلق بلقائي برجال مخابرات أجانب (فرنسيين)، قصد إثارة مواضیع مرتبطة مباشرة بالسیادة الوطنیة، وما هو إلا محاولة متعمدة لإیذائي والمساس بي، أنا الذي عرفت داخل البلاد وخارجها بالتصدي لكل التدخلات الخارجیة (في شؤون البلاد)، سواء كانت سیاسیة أو ثقافیة أو اقتصادیة»، وتابع: «لا یمكنني أبداً، تحت أي ظرف من الظروف، التخلي عن مبدأ الدفاع عن السیادة الوطنیة، مهما كانت خطورة المشاكل السیاسیة التي تمر بها البلاد؛ إنها القاعدة الثابتة التي أحترمها وأعمل بها».
واللافت أن «توفيق» لم ينفِ لقاءه المفترض مع سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، كما جاء في خبر «الشروق» الذي وضعته في سياق «وجود محاولات لضرب مصداقية قيادة الجيش، والالتفاف على مطالب الحراك برحيل رموز النظام». وكان قائد الجيش قد هدد أشخاصاً، لم يذكرهم، اتهمهم بـ«السعي للإساءة للجيش»، وقال إنهم «عقدوا اجتماعاً مشبوهاً في 30 مارس»، وفهم من كلامه، الذي تزامن مع ما نشرته الفضائية، أنه موجه لـ«توفيق» وشقيق الرئيس.
اقرأ أيضا:
أحمد قايد يكشف سبب الإقالات في صفوف المؤسسة العسكرية
ونشرت الرئاسة، أمس الاثنين، بياناً جاء فيه أن «رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سيقدم استقالته قبل نهاية عهدته الانتخابية، المحددة في 28 أبريل (نيسان) 2019، وسيتولى قبل ذلك إصدار قرارات مهمة، لضمان استمرارية سير مؤسسات الدولة، في أثناء الفترة الانتقالية»، وأوضح أن «الفترة الانتقالية ستنطلق اعتباراً من التاريخ الذي سيقرر فيه استقالته».
ويرجح مراقبون أن «القرارات المهمة» التي تحدث عنها بيان الرئاسة مرتبطة بمصير عبد القادر بن صالح، رئيس «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية) الذي يكلفه الدستور، من موقعه بوصفه الرجل الثاني في الدولة، برئاسة الدولة لفترة قصيرة، بعد استقالة الرئيس، إلى غاية تنظيم انتخابات جديدة. وبما أن الحراك الشعبي يرفض أن يكون لبن صالح أي دور في ترتيب السلطة، فقد يضحي به الرئيس.
يشار إلى أن رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، قد طالب بوتفليقة مرتين بالتنحي، في إطار المادة (102) من الدستور، التي تتحدث عن شغور منصب الرئيس، بالاستقالة أو بسبب مرض خطير أو بسبب الوفاة. وبذلك، يمكن اعتبار تنحي الرئيس عن الحكم بمثابة خضوع لضغط الشارع والجيش.
وتوالت ردود فعل الطبقة السياسية، أمس، على الحكومة الجديدة التي أعلنت عنها الرئاسة مساء الأحد، والتي تم الاحتفاظ فيها بـ6 وزراء من حكومة أحمد أويحيى، رئيس الوزراء المستقيل في 10 من الشهر الماضي.
وذكر رئيس الوزراء سابقاً علي بن فليس، وهو رئيس حزب «طلائع الحريات»، في بيان، أن «السلطة لم توفق في اختيار الشخصية التي وضعتها على رأس الحكومة (نور الدين بدوي)، بلجوئها إلى وجه من أوجه النظام السياسي القائم، الفاقد لكل مصداقية، والمرفوض شعبياً».
واللافت على الطاقم الحكومي أن الرئاسة أبقت على وزراء رفضهم الشارع لارتباطهم بمحيط الرئيس، خصوصاً هدى فرعون وزيرة البريد وتكنولوجيا الإعلام، وغنية ادالية وزيرة التضامن والأسرة، وهما تنتميان إلى «جبهة التحرير الوطني». كما يشار إلى تنحية رمضان لعمامرة، كنائب لرئيس الوزراء ووزير للخارجية.
قد يهمك أيضا:
الجيش الجزائري يُطالب الجميع بضبط النفس لحل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد
رئيس أركان الجيش الجزائري يتجنَّب الخوض في قضية الجنرالات الخمسة