مسقط - عمان اليوم
يعدّ ما تحقق على امتداد العقود الخمسة الماضية من عُمر النهضة الشاملة على أرض عُمان الغالية إنجازا ضخما وقفت وراءه إرادة قائد عظيم هو القائد الراحل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد.
وُلد جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور في مدينة صلالة بمحافظة ظفار في 18 شوال 1359هـ الموافق 18نوفمبر 1940 م، وهو السلطان الثامن من سلالة الإمام أحمد بن سعيد المؤسس الأول لأسرة آل بوسعيد عام 1744م الذي ما زالت ذكراه موضع احترام وإجلال في عُمان كمحارب شجاع وإداري محنك تمكن من توحيد البلاد بعد سنوات طويلة من الخلافات والحروب الداخلية. وفي سنواته المبكرة تلقى السلطان قابوس بن سعيد تعليم اللغة العربية والمبادئ الدينية على أيدي أساتذة مختصين كما درس المرحلة الابتدائية في المدرسة السعيدية بصلالة وفي سبتمبر 1958م أرسله والده السلطان سعيد بن تيمور إلى إنجلترا ليواصل تعليمه مدة عامين في مؤسسة تعليمية خاصة في (سافوك) وفى عام 1379هـ الموافق 1960م التحق بالأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية (ساند هيرست) كضابط مرشح، حيث أمضى فيهـا عامين درس خـلالهما العلوم العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثانٍ ثم انضم إلى إحدى الكتائب البريطانية العاملة آنذاك في ألمانيا الغربية.
وسافر إلى بريطانيا ودرس لمدة عام في مجال نظم الحكم المحلي وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة ثم هيأ له والده الفرصة فقام بجولة حول العالم استغرقت ثلاثة أشهر عاد بعدها إلى البلاد عام 1383هـ الموافق 1964م وأقام في مدينة صلالة.
أقرأ أيضا :
والي المضيبي يستقبل المعزين في وفاة المغفور له السلطان قابوس
وعلى امتداد السنـوات الست التـالـيـة تعمق في دراسة الدين الإسلامي وكـل ما يتصل بتـاريـخ وحضارة عُمان دولة وشعباً على مر العصور، وقد قال السلطان في أحد أحـاديثه " كان إصرار والدي على دراسة ديني وتاريخ وثقافة بلدي له عظيم الأثر في توسيع مداركي ووعيي بمسؤولياتي تجاه شعبي والإنسانية عموماً وكذلك استفدت من التعليم الغربي وخضعت لحياة الجندية وأخيراً كانت لدي الفرصة للاستفادة من قراءة الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من مفكري العالم المشهورين"، وله اهتمامات واسعة بالدين واللغة والأدب والتاريـخ والفلك وشؤون البيئة وظهر ذلك جليا من خلال دعمه الكبير للعديد من المشروعات الثقافية وبشكل شخصي، محليا وعربياً ودوليا، سواء عبر منظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات الإقليمية والعالمية، ومن أبرز هذه المشروعات على سبيل المثال لا الحصر موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية، ودعم مشروعات تحفيظ القرآن الكريم سواء في السلطنة أو في عدد من الدول العربية، إضافة إلى بعض مشروعات جامعتي الأزهر، والخليـج العربي وعدد من الجـامعات والمراكز العلمية العربية والدولية، فضلاً عن (جـائزة السلطان قابوس لصون البيئة) التي تقدم كل عامين من خلال منظمة اليونسكو، ودعم مشروع دراسة طرق الحرير وأعلن أخيرًا عن مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني الذي يهدف إلى نشر مفهوم التفاهم بين شعوب العالم بما يعزز العلاقات الإنسانية بين الأمم وغيرها من المشروعات الأخرى، وكان للدور المثمر والعظيم للراحل السلطان قابوس بن سعيد " رحمه الله " في مجال السلم ونبذ الفرقة والدعوة الى الحوار والبحث عن الحلول السلمية لحل الازمات الأثر الواضح في حل العديد من الازمات التي مرت بها المنطقة خلال فترة حكمه.
وكان لإسهامات جلالته في حل هذه الازمات ومساعدة الأطراف المتخالفة على الحوار فيما بينهم وحل خلافاتها بالطرق السلمية أثر ملموس ومهم ساعد كثيرًا على استقرار منطقتنا على مر العقود الخمسة الماضية. وعن هواياته يقول جلالة السلطان "منذ طفولتي كانت لدي هواية ركوب الخيل فقد وُضِعت على ظهر حصان وأنا في الرابعة من عمري ومنذ ذلك الحين وأنا أحب ركوب الخيل، ولكن في الآونة الأخيرة ولكثرة الأعمال أصبحت الممارسة قليلة جداً، إلا أن هذه الهواية لاتزال قريبة إلى نفسي.. الرماية أيضاً من الهوايات المحببة كوني تدربت عسكرياً.. هذه الهواية جزء مهم لكل من يهتم بالنشاط العسكري وعاش في مجتمع كالمجتمع العُماني الذي يعتز بكونه يستطيع حمل السلاح عند الضرورة.. كذلك عندي حب التجربة لكل ما هو جديد من أسلحة في القوات المسلحة، سواء بندقية أو مدفع رشاش أو مدفع دبابة، إلا أن الرماية بالمسدس والبندقية تبقى هي الأفضل، وكذلك ـ كنوع من الترفيه ـ أستخدم القوس والنشّاب".
ويقول "هناك هوايات أخرى كالمشي.. أحب المشي منذ الصغر، فأجد الراحة قبل الذهاب إلى النوم، أن أقضي وقتاً بالمشي على البحر فهو رياضة جيدة للجسم وفرصة للتفكير، كذلك أحب التصوير، وكانت لدي هواية الرسم للمناظر الطبيعية في وقت من الأوقات، إلا أن الظروف والوقت أصبحا لا يسمحان بممارسة هذه الهوايات.. والقراءة أيضا كونها هواية، إلا أنها أصبحت جزءاً من العمل، وأصبح من الصعب مطالعة الكتب حسب الهواية إلا ما هو في مجال العمل والحياة اليومية".
ويضيف قائلا "وكـرياضـة كنـت وما زلـت إذا مـا وجدت الوقت أمارس لعبة التنس، كما أحب متابعتها إذا علمت أنها على جهاز التلفاز، وكذلك أيضا بالنسبة لألعاب القوى، فـإنني أحب متابعتها.. أيضا فإن الهوايات المحببة لدي علم الفلك ومراقبة الكواكب، حيث أمل مرصداً صغيراً آمل تحسينه مستقبلاً، وعندما تكون الفرصة سانحة في الليالي المناسـبـة حسب النشـرات الفلكيـة فـإنني أقـضي بعـض الوقـت في مراقبـة هذه الكواكـب السماويـة".
وتجسدت عظمة هذه المسيرة المباركة في مختلف مجالات الحياة وعلى امتداد هذه الأرض الطيبة ليس فقط فيما تم ويتم إنجازه من مشروعات ومن تطور وتنمية مستدامة يعيشها المواطن والمجتمع العماني من محافظة مسندم شمالًا وحتى المزيونة بمحافظة ظفار جنوبًا، ولكن هذه العظمة تجسدت وتتجسد كذلك في القيم والمبادئ والأسس التي أرساها القائد الراحل لهذه المسيرة المباركة التي في اطارها أيضًا تجري كل عمليات التنمية والبناء على امتداد هذه الأرض الطيبة.
وأعطى الأولوية لبناء المواطن العماني وإعداد أجيال متتابعة من أبناء الوطن في كل المجالات، وتوفير كل ما يمكن توفيره من أجل النهوض بالمواطن والمجتمع العماني تعليميًا وصحيًا واجتماعيًا من أجل إعداد كوادر وطنية متخصصة ومدربة على أحدث المستويات الممكنة في كل المجالات لتتولى القيام بالدور الأكبر في صياغة وقيادة وتوجيه برامج وخطط التنمية الوطنية.
وبالرغم من تواضع الإمكانات المادية وبرغم الاعتماد على عائدات النفط المتقلبة أيضًا بحكم تقلبات أسواق النفط العالمية إلا أن المكاسب الأكبر تمثلت في الأجيال المتتابعة من أبناء وبنات عمان الذين أتيحت لهم كل فرص التعليم بما في ذلك التعليم العالي والتدريب والعمل والارتقاء لتولي مسؤولية قيادة وتوجيه برامج التنمية في مختلف القطاعات والمجالات وهو ما تم في إطار ما ارساه رحمة الله عليه من قيم ومبادئ تقوم على المساواة والمواطنة والعدالة وحكم القانون في دولة المؤسسات والاعتماد
على المواطن العماني باعتباره أغلى ثروات الوطن ومن ثم نجحت مسيرة النهضة المباركة في حشد كل طاقات الوطن بما فيها المرأة العمانية لينطلق الوطن بجناحيه إلى آفاق ارحب ، تجاوبًا مع طموحات المواطن العماني، ولتستعيد عمان دورها الحضاري ولتؤكد قدرتها على الاسهام الإيجابي في كل ما يعود على دول وشعوب المنطقة بالخير والاستقرار والتهيئة لحل الخلافات بالحوار والطرق السلمية وفي إطار الاحترام المتبادل والالتزام بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعاون بحسن نية لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لمختلف الدول والشعوب وفقا لمبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية.
وبينما شكل يوم النهضة المباركة الثالث والعشرون من يوليو المجيد 1970، يومًا فارقًا في حياة المواطن والمجتمع والدولة العمانية بل وفي تاريخ عمان الحديث، فإن الدولة العمانية الحديثة التي شيّد السلطان قابوس أركانها والتي يسهم كل أبناء الوطن في إعلاء صرحها - هي في الواقع ثمرة الجهد الضخم - والمتواصل على امتداد خمس عقود، وهو الجهد الذي قاده ووجهه رحمة الله عليه بحكمة واقتدار في كل المجالات، ويفخر المواطن العماني على امتداد هذه الأرض الطيبة بالمشاركة فيه بحب وتفان وولاء وبعزم وإخلاص.
قد يهمك أيضا:
والي شناص يستقبل المعزيين من أهالي الولاية والمقيمين