بيروت ـ ميشال صوايا
حالت الصراعات السياسية والتدخلات الإقليمية دون تثبيت وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، لليوم الرابع على التوالي، حيث انهار اتفاق وقف إطلاق النار، وتجددت الاشتباكات التي استخدمت فيها القذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة المتوسطة، وخلفت موجة نزوح للمدنيين من المخيم.
وتحركت حركة «فتح» في المخيم «منعاً لإخراج منظمة (التحرير) من معادلة المخيمات في لبنان»، وفق ما تقول مصادر «فتح» لـ«الشرق الأوسط»، لافتة إلى «مشروع لفرض الحالة الإسلامية المنبوذة في المخيم، شريكاً في المعادلة، وتكريسها جزءاً منها»، وهو «ما لن تسمح به (فتح)، وحددت مطالبها بالاحتكام للسلطات القضائية اللبنانية عبر تسليم قتلة العميد أبو أشرف العرموشي للمحاكمة، وهم صاروا معروفين».
وبدأت الاشتباكات ليل السبت الماضي، إثر مقتل عبد فرهود المحسوب على الإسلاميين، وردّ الإسلاميون باغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا أبو أشرف العرموشي و4 من مرافقيه يوم الأحد، ما فجّر الوضع الأمني في المخيم. ويمثل مخيم عين الحلوة مركز الثقل بين المخيمات الفلسطينية في لبنان، بسبب التعددية السياسية والكثافة السكانية فيه. وتوجد فيه معظم الفصائل الفلسطينية، وتسيطر على القرار فيه «منظمة التحرير الفلسطينية».
وخاض الطرفان جولات قتال متواصلة خلال الأيام الأربعة الماضية، شارك فيها نحو 500 مقاتل من الطرفين، وفق ما قالت مصادر ميدانية في عين الحلوة. ويتركز المقاتلون الإسلاميون في حي الطوارئ الواقع شرق المخيم، حيث ينقسم الحي إلى جزأين، أولهما تسيطر عليه مجموعة «عصبة الأنصار» التي لم تنخرط في المعارك، بينما يسيطر مقاتلون من «جند الشام» و«فتح الإسلام» ومجموعات أخرى تتخذ مسميات عديدة، على الجزء الآخر. وتسعى «فتح» للسيطرة على هذا الجزء و«تقويض نفوذ الإسلاميين في هذا الجانب».
وقالت المصادر الميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن مقاتلي «فتح» حققوا تقدماً يوم الاثنين باتجاه هذا الجزء من حي الطوارئ عبر محور «السكة» و«بناية الملاح»، واقتربوا منه بحذر، في محاولة للسيطرة عليه، وبسط نفوذهم فيه وإخراج الإسلاميين منه. وفي المقابل، شن الإسلاميون هجوماً مضاداً بعد ظهر الثلاثاء، استخدمت فيه أكثر من 15 قذيفة صاروخية باتجاه حي البريكسات (وهو منطقة نفوذ (فتح)) ورشقات نارية غزيرة، انحسرت بعد ساعتين، ما يشير إلى فشل الهجوم المضاد.
وتحدثت معلومات ميدانية عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الإسلاميين، وفشل الهجوم الذي قاموا به، بينما توغلت قوات «فتح» في قلب الطوارئ وصولاً لمسجد «زين العابدين بن علي».
وفشلت مبادرتان لوقف إطلاق النار في المخيم، إذ يسعى الإسلاميون لاستعادة مناطق نفوذ خسروها قرب حي الطوارئ، ورفضوا تسليم قتلة العرموشي، بينما تصر «فتح» على تسليمهم، والقضاء على «بؤرة أمنية باتوا يسيطرون عليها»، وفق ما قالت مصادر في «فتح»، لافتة إلى أن «مطلبنا الوحيد بعد وقف إطلاق النار، هو تشكيل لجنة تحقيق شفافة وسوق المجرمين المتورطين بقتل العرموشي إلى العدالة»، مضيفة: «لا تنازل عن تسليم القتلة».
وبالنسبة لـ«فتح»، لا يمكن مرور حادثة اغتيال العرموشي، الذي كان صاحب أعلى رتبة عسكرية في المخيم، لأنها تسعى لـ«إخراج منظمة التحرير من معادلة المخيمات، في مقابل فرض الإسلاميين أنفسهم على المخيم، وهو أمر لا يمكن السماح به». وقالت المصادر: «لن نسمح بتكرار تجربة ما قبل 10 سنوات، ما أدى إلى معركة كبيرة لإخراج الإسلاميين، وتوقيف تمددهم منعاً لأنْ يُطْلَق على المخيم لقب حاضنة المتطرفين».
وإذ شددت على أن المنظمة «هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني»، أكدت المصادر أن «فتح» أخذت على عاتقها أمن المخيمات، ولن ترضى بأن تتحول إلى بؤر لمتطرفين. وقالت المصادر: «ثمة ما يُدبر لإضعاف منظمة (التحرير) وإيجاد بدائل لها، بتدخلات إقليمية ودولية، وهو أمر بدأ تنفيذه عبر بوابة المخيمات من خلال تمويل مجهول المصدر، وإيجاد مؤسسات رديفة داخل المخيمات».
وأكدت المصادر على التنسيق المستمر بين السفارة الفلسطينية والقيادة الأمنية في المخيم من جهة، مع السلطات الرسمية اللبنانية والجيش اللبناني.
إنسانياً، قالت (الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين) الثلاثاء إن الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في مخيم عين الحلوة أدت إلى نزوح 4000 شخص معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
وقالت الهيئة، وهي مؤسسة إعلامية مستقلة معنية بأخبار اللاجئين الفلسطينيين، إن الاشتباكات أدت إلى تدمير بنى تحتية من ماء وكهرباء ومجارير وطرقات، إضافة إلى احتراق وتدمير نحو 700 منزل. وأشارت في بيانها إلى أضرار لحقت بالمحال التجارية والمركبات وبالعشرات من خزانات المياه، وإلى تضرر مساجد.
وإلى جانب الاتصالات السياسية اللبنانية، اجتمعت هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان، واتفق المجتمعون على رفع الغطاء عن مرتكبي عملية الاغتيال التي تعرض لها العرموشي وقتل عبد الرحمن فرهود. ودعا المجتمعون إلى تثبيت وقف إطلاق النار، وسحب المسلحين من الشوارع فوراً، والعمل على توفير المناخ الآمن لعودة كل العائلات التي نزحت من المخيم، وبناءً عليه شكلت هيئة العمل لجنة ميدانية لتنفيذ ذلك.
على الضفة اللبنانية، فشلت جهود الاجتماع الطارئ الموسع الذي عقد ظهر الثلاثاء في دار الإفتاء في صيدا، بدعوة من مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان في إرساء قرار وقف إطلاق النار الفوري. وقال سوسان في بيان: «إننا نؤكد ما أكدته كثير من الاجتماعات التي حصلت في مدينتنا، والتي كانت حريصة على أمن صيدا وعلى أمن المخيم، وفي مقدمتها كلمة واحدة حاسمة فاصلة: وقف إطلاق النار وفوراً. ثم بعد ذلك فليجلس المتخاصمون ويتفقوا».
وتلقى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري اتصالاً من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، تداولا خلاله في التداعيات الخطيرة للأحداث في مخيم عين الحلوة. وأثنى المفتي على «الجهود التي يبذلها بري لوقف الاقتتال في المخيم»، بينما نوه بري بموقف دريان الذي «حرم فيه الاقتتال بين الإخوة أبناء القضية الواحدة والداعي إلى الوقف الفوري لإطلاق النار».
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
تصاعد وتيرة الاشتباكات داخل مخيم عين الحلوة عقب اغتيال مسؤول عسكري في حركة "فتح"