مسقط - عمان اليوم
تعتبر العمارة القديمة جزءا من تاريخ أي بلد وتعبر عن حياة الناس ونشاطهم ومدى تقدمهم في فنون البناء والتشييد بما يلبي حاجاتهم وتتطور هذه العمارة بتطور السكان وتطور ثقافتهم وسلوكهم وحياتهم المعيشية، وتنتشر في كل ولاية من ولايات السلطنة حارات قديمة تظهر فيها العمارة العمانية القديمة باختلاف اشكالها من ولاية لأخرى وفي ولاية صلالة ما تزال هناك أسر تعيش في بيوت عمرها تجاوز المائة عام فيما تهدمت كثير من هذه البيوت بسبب هجرة أهلها للسكن في البيوت الحديثة ونتيجة للإهمال أصبحت تلك البيوت لا تصلح للسكن وبقيت مجرد اطلال تهدمت أجزاء كبيرة منها.
كان بناء تلك المنازل يعتمد على المتوفر من المواد الخام من البيئة المحلية من حيث الحجارة والرمل والأخشاب وما إلى ذلك من مواد تجود بها البيئة المحلية استغلها الإنسان وطوعها لصالحه وعرف البناؤون بتراكم خبراتهم مع قلة الأدوات وعرفوا هندسة البناء التقليدية التي تضمن بقاء هذه البيوت الى مئات السنين وتماسكها الجيد وصمودها أمام الأنواء المناخية، والمحافظة على وجود مساحات بينها وأيضا مواجهة هذه البيوت للرياح الجنوبية اللطيفة، وتميزت معظم هذه البيوت بفناء أو سور يستخدم لإيواء الماشية التي تعتمد عليها الكثير من الأسر في توفير الألبان ومشتقاتها أو استخدام بعضها في تحميل البضائع والأدوات واستخدامها في أعمال الزراعة وغيرها من الأعمال.
وللتعرف أكثر على هذه البيوت وتقسيماتها ومكونات بنائها قمنا بزيارة أحد هذه البيوت القديمة التي ما زالت عامرة ويقطنها أهلها منذ ما يقارب مائة عام والتقينا بالإعلامي سالم بن عوض النجار الذي ما يزال يعيش مع اسرته في بيت عمره ما يقارب المائة عام، في صلالة الوسطى.
وأوضح النجار أن البيت الذي يسكنه حالياً يعود لوالده رحمه الله ويتجاوز عمره المائة سنة تقريباً في بعض مكوناته، حيث أسسه والده رحمه الله، وخاصة الدور الأرضي المكون من مجموعة من الغرف تعرف بالدهاريز وهذه التسمية غالبة على كل البيوت القديمة في صلالة والأدوار السفلية، ثم استمرت التطويرات في البيت على مدى عدة سنوات ففي مرحلة لاحقة تم بناء الدور الأول ويسمى المحايل وفي مرحلة أخرى تم بناء الدور الأعلى ويعرف بالقصور.
المواد المستخدمة في البناء القديم
وحول المواد الخام التي استخدمت في بناء المنزل ومدى ملاءمتها مع اختلاف الطقس من موسم لآخر قال سالم النجار" إن كل مكونات بناء هذه البيوت القديمة من نتاج البيئة المحلية وفي مقدمة ذلك الأحجار وتسمى "أحجار القص" لأنها تُقَص أو تقطع من المحاجر يدويا بواسطة آلة حادة تسمى محليا "الهِيب" يقطع بها الرجل الأحجار من المحاجر الرسوبية أو الجيرية المتصلبة بحيث تكون على شكل مكعبات يكون طولها بين ذراع ونصف إلى ذراعين احيانا وسمكها نحو نصف ذراع أو يزيـد، وهذه الأحجار الثقيلة غالباً ما توضع في أساسات البيوت وبعضها أقل سُمكا وتستخدم في الأدوار العلوية ليسهل نقلها وعادة من يعمل في قص هذه الأحجار الرجال الأشداء ويستخدم في البناء نوع من الطين بلون فاتح يسمى (الطين الخطري) وهو بمثابة الاسمنت حاليا بل يعتبر الأكثر مقاومة على مدى السنين الطويلة وبعض الطين بلون داكن يميل الى الحُمرة ويسمى( اليبع) وتتميز هذه البيوت أن جدرانها سميكة قد تصل الى ذراعين لتقي ساكنيها من حرارة القيظ و لتكون دافئة في الشتاء البارد وهذه خصوصية الأحجار والطين المستخدم وكلها عناصر مهيأة للتكيف مع الطقس حارا أو باردا وتوضع بين مساحة وأخرى بعض سيقان أشجار الميطان والسغوت.
وفي سقوف هذه البيوت تستخدم الأخشاب المقطوعة من سيقان أشجار جوز الهند "النارجيل" وتسمى"القبال" بحيث تُمد من جدار الغرفة إلى جدارها الآخر وتترك فراغات بينها بمقدار ذراع وتوضع من طرف القبل إلى طرف القبل الآخر أعواد مستقيمة تسمى "الوكرا" من أشجار من غابات الجبل التي كانت تغطي مساحات واسعة من السهل قبل أن تتصحر تلك المناطق وتعرف هذه الأشجار باسم "الخفوت" وتمتاز بأفرعها المستقيمة ومن ثم يُوضع ليف أشجار جوز الهند وبعد ذلك يغطى السقف بالطين الخطري أو اليبع المبلل بالماء الذي يتماسك بسرعة بعد دكه بآلة خشبية يدوية أثبتت مقاومتها للأمطار بدون حدوث أي تسريبات، أما الأبواب والنوافذ "الخلف" فيعتمد في صناعتها في الغالب على الألواح المقطوعة من الأشجار المحلية المتوفرة بشكل كبير في غابات ظفار على أن أكثرها قوة وصلابة أشجار الميطان "الزيتون البري" وغير ذلك من الأنواع الوفيرة.
وبرغم أن هذه البيوت اعتمدت في بنائها على المواد الطبيعية والهندسة القديمة إلا أنها أثبتت ملاءمتها لأحوال الطقس المختلفة والأنواء المناخية التي تتعرض على مدى مئات السنين بل وفاقت في مقاومتها لبعض أنواع البناء الحديث وكانت أطول عمراً من المواد المصنعة من الأسمنت والطابوق والحديد والشواهد ما زالت قائمة في شموخ هذه البيوت المعمرة.
تقسيمات البيت القديم
وحول المسميات والتقسيمات المعينة في البيوت القديمة، أوضح سالم بن عوض النجار أن البيت يتكون من عدة غرف حسب الحجم والمساحة، فالأدوار الأرضية تسمى الدهاريز وتستخدم للسكن والتخزين وحتى أن بعضها يستخدم كزرائب لبعض الحيوانات والطابق الذي يعلوها يسمى المحايل وتستخدم غرفه للسكن فالغرف الأمامية وكذلك الخلفية تسمى "محايل" أما الجانبية تسمى "غرف" وبعض هذه الغرف تأخذ شكلا مستطيلا يعرف "بالمطول" وتكون نافذة الى الجنوب أو الشمال أما الدور الأعلى يعرف "بالقصور" وعادة لا يزيد البيت عن 3 طوابق "الدهاريز والمحايل والقصور" وفي بعض هذه البيوت يكون جزء من الدور الأعلى مكشوفا وتعمل به استراحة لجلوس أهل البيت خاصة أوقات الصيف والحر.
تهيئة البيت القديم
وأضاف النجار انه مع تطور العصر وتوفر خدمة توصيل الماء والكهرباء كان من الضروري إدخال خدمات الكهرباء والماء إلى هذه البيوت، فالإنارة الحديثة حلت محل أدوات الإضاءة القديمة التي كان زيت السردين "العيد" وتعرف "بالصيفة" تعد من أدوات الإنارة القديمة مثل المسرجة التي تستخدم هذا الزيت الذي استبدل فيما بعد بالكيروسين "الغاز" المستورد وفي وقت متأخر استخدم الفانوس ثم التريك بالاعتماد على الكيروسين كما ادخلت شبكة المياه إلى هذه البيوت التي شهدت بعض التحديث في دورات المياه واستخدام أجهزة التكييف وخطوط الهاتف وهو ما أملته متطلبات الحياة الحديثة مع الحفاظ على طابعها القديم التقليدي.
الحفاظ على البيوت القديمة من الاندثار
وقال سالم بن عوض النجار "إن البيوت والحارات القديمة هي جزء من تاريخنا وحضارتنا وبالتالي لا بد من المحافظة عليها ويكفي ما تهدم من بيوت ومساجد وآثار بدون وعي بأهميتها، ونحن لا نعفي أنفسنا ولا الجهات المسؤولة بالدولة عن واجب وضرورة المحافظة عليها وترميم وإصلاح ما يمكن إصلاحه حتى لا يكون مصيرها الخراب والدمار وتأجيرها للعمالة الوافدة الذين ساهموا بشكل كبير في تدهور كثير من تلك البيوت وإننا نناشد الجهات المعنية بأن تجعل من البيوت القائمة مزارات ونزلا ومقاهي ومطاعم شعبية وبعضها متاحف للتعريف بالحقب القديمة التي عاشها الإنسان وما كان يستخدمه في حياته اليومية فهي بالتالي جزء من تاريخ ظفار وعمان بشكل عام."
ويأسف الإعلامي سالم بن عوض النجار للحال الذي آلت إليه البيوت القديمة المتهدمة في منطقة صلالة الوسطى بالذات وأوضح أنه لم يتم التعامل معها بالشكل المطلوب، وكما تشاهدونها فقد أصبحت متهدمة بلا فائدة، بسبب الظروف الحاصلة الآن من التطورات الحديثة وما إلى ذلك، حيث تركوا أصحاب هذه البيوت القديمة للإيجار للجالية الهندية، ونسوا ذكرياتهم وتاريخهم الجميل.
وفي النهاية يجب أن تتضافر الجهود وأن يتم وضع خطة تطويرية لبيوت صلالة الوسطى تحديدًا وفي مواقع أخرى من ولاية صلالة تشتمل على ترميم البيوت بالمواد المحلية الصديقة للبيئة وجعلها وجهة للسياح والزوار، ولا بد من وضع استراتيجية مرحلية تلبي هذه الطموحات بين ملاك هذه البيوت والجهات الحكومية المسؤولة واستثمار هذه البيوت وعدم تركها لقدرها تتهالك كما سابقاتها، ولنا في منطقة البليد مثال شاهد حيث كانت عبارة عن ركام من الحجارة والتراب وكذا بالنسبة لمنطقة سمهرم فلولا جهود مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية سابقاً لبقيت على ما هي عليه حيث تحولت البليد الى متنزه ومتحف ومزار وكذا بالنسبة لسمهرم وهذا مثال على كيفية الحرص على التنفيذ بالشكل الذي يلبي هذه الطموحات وبالإصرار تتحقق الأهداف.
قد يهمك ايضاَ
الشريقي يرعى افتتاح منظومة معاهد السلامة المرورية في محافظات السلطنة ويدشن 3 أنظمة إلكترونية
الطقس غائم على بعض محافظات السلطنة مع فرص لهطول أمطار متفرقة