تونس ـ كمال السليمي
تقترع تونس، حتى نهاية العام الجاري، ثلاث مرات، الأولى الأحد المقبل، موعد الانتخابات التشريعية، والثانية بعد نحو شهر، في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والثالثة بعدها بأيام، للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وتجرى الانتخابات في ضوء انقسام سياسي حاد، يُمثل قطباه كل من حركتي "النهضة" الإسلاميّة (الإخوان المسلمون) و"نداء تونس"، وهو ائتلاف سياسي واسع يضم نخبًا سياسية علمانيّة، وسياسيّين، وتكنوقراط.
ويعتبر الجديد في مشهد الانتخابات التونسيّة هو دخول رجال الأعمال على نحو واسع في الانتخابات التشريعية والرئاسية، سواء عبر الترشح أو عبر دعم مرشحين ولوائح، ومن أبرز هؤلاء المرشح للانتخابات الرئاسية سليم الرياحي، الذي يلقبه البعض بـ"حريري تونس".
وعمد كل من "النهضة" و"النداء" إلى استقدام عدد من رجال الأعمال إلى لوائحهم في عدد من المناطق، إذ تولى عدد من هؤلاء رئاسة اللوائح في المعسكرين المتنافسين.
وتأتي هذه الظاهرة في ضوء اختناق اقتصادي كبير تعاني منه تونس، ويمكن تلمسه في زيارة سريعة للعاصمة، حيث التراجع في مستوى الخدمات وتردّي أداء المؤسسات العامة والخاصة، على نحو لا يمكن أن تخطئه عين، وهو ما يرفع من حظوظ رجال الأعمال.
ويبدو أنَّ حركة "النهضة"، التي تعرضت لانتكاسات كبيرة أثناء توليها السلطة في أعقاب الانتخابات العامة الأولى، وتخلت عنها، قبل أشهر، مفسحة لحكومة تكنوقراط، بعد ضغوط شعبية كبيرة وتظاهرات عمت البلاد، عادت واستنهضت قواعدها استعدادًا للانتخابات.
وجاء فشل الحكومة القائمة في النهوض بعدد من الملفات الحياتية في مصلحة الحركة الإسلامية، في وقت كان التونسيون يجزمون بمسألة خسارة "النهضة" الانتخابات، يتوقعون تنافسًا حادًا بينها وبين "النداء"، مع أفضلية لها بسبب قدرتها على التنظيم، ونفوذها الذي لا تزال تتمتع به في المناطق الداخلية والضواحي الشعبية.
وأكّد محلّلون سياسيّون تونسيّون، أنَّ "النهضة" ذهبت في براغماتيتها إلى أقصاها، والانتقال السهل الذي أجرته من دعوتها إلى أنّ "تُكمل المرأة وظيفة الرجل"، نحو دعوتها إلى "المساواة التامة بين الرجل والمرأة"، استكمل في أنشطة أخرى، أوحت فيها أنها منفتحة على كل الاتجاهات المدنية والعلمانية، فأقامت حفل استقبال للفنانين التونسيين المعروفين بخصومتهم للإسلاميين، وجعلت من نساء مرشحات على لوائحها رئيسات للوائح.
وأشار المحلّلون إلى أنَّ "النهضة أبعدت عن هذه اللوائح أسماء من صقورها تتمتع بنفوذ كبير داخل الجماعة، مثل حبيب اللوز، والصادق شورو، اللذين كانا في حال ترشحا سيمثلان استفزازًا كبيرًا للأوساط غير الإسلاميّة".
ورأوا أنَّ "النهضة (على ما يبدو) تملك خطابين، الأول للتونسيين عمومًا، وينطوي على رغبة في الانفتاح، وعلى إيحاء بالاستفادة من تجارب إخفاق الإخوان المسلمين في أكثر من بلد، والثاني لقواعدها التقليدية التي تُخاطبها النهضة بوعود مختلفة تمامًا، وهو أمر ربما أفضى إلى انخفاض في الحماسة للاقتراع في هذه البيئة".
في المقابل، أكّد المحلّلون أنَّ "نداء تونس" يملك حظوظًا مساوية لحظوظ "النهضة"، لاسيّما أنه يتمتع بنفوذ كبير في أوساط الطبقة المتوسطة والعليا، كما أنَّ "النداء" أكثر حضورًا على المستوى الإعلامي، وهو أمر قد يُعوض ضعف تماسكه التنظيمي الناجم عن جدة تشكّله.
وأبرزوا أنَّ "نتائج الانتخابات النيابية ستُرخي بظلّها على الانتخابات الرئاسية"، مشيرين إلى أنّه "في حال تقدمت النهضة فإن شخصية الرئيس ستُمليها التحالفات التي من المفترض أنَّ الحركة تحتاجها للعودة إلى السلطة، وهو ما يُفسر عدم إقدامها على ترشيح أحد للرئاسة، أي أنَّ المنصب سيكون جائزة لحلفائها في الحكومة".
وأضافوا "نداء تونس رشّح السبسي للرئاسة، ما يعني أنه أيضًا مستعد للشراكة في حال حلَّ ثانيًا، أما في حال كان أولاً، فإن مشهد تونس سيكون مختلفًا عن الأعوام الثلاث الماضية".