نيويورك ــ عبد العزيز الشهراني
أكد وزير الخارجية رئيس وفد المملكة العربية السعودية في الدورة العادية التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمير سعود الفيصل، أنَّ المملكة العربية السعودية حرصت على بذل قصارى جهدها لتحقيق أهداف العمل الجماعي تحت مظلة الأمم المتحدة انطلاقًا من إيمانها الراسخ بمبادئ وأهداف العمل الجماعي، لاسيما وأنَّها من الدول المؤسسة لميثاق الأمم المتحدة عام 1945، مؤكدًا أهمية مواكبة المستجدات والمتغيرات على الساحة الدولية من خلال تطوير آليات العمل في الأمم المتحدة وإصلاح مجلس الأمن ودعم أعمال الجمعية العامة وتعزيز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وتساءل الفيصل في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة متى يتحرك المجتمع الدولي لإنصاف الشعب الفلسطيني وردع إسرائيل عن سياساتها التعسفية من خلال محاولاتها تهويد القدس الشريف وتغيير تركيبته الديمغرافية وارتكاب الانتهاكات اليومية ضد الفلسطينيين من تهجير وطرد واعتقال تعسفي ؟ إلى جانب مواصلة سياسة الحصار الجائر لقطاع غزة.
ودعا وزير الخارجية المجتمع الدولي إلى ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤوليته إزاء توفير الحماية للشعب الفلسطيني بصورة عاجلة وفورية.
وحول الوضع في سورية الذي يشهد أكبر مأساة إنسانية في هذا القرن، أكد الفيصل أنَّ السعودية كانت وما زالت داعمة للمعارضة السورية المعتدلة، ومحاربة الجماعات المتطرفة على الأراضي السورية، إلا أنَّ المعركة على التطرف في سوريا يجب أن تشمل القضاء على الظروف المؤدية إليه أيضًا، مبينًا أنَّ الشواهد كلها تدل على أنَّ النظام السوري هو الراعي الأول للتطرف في سوريا .
ورأى الفيصل أنَّ أي إمكانية للتسوية السياسية ينبغي ألا يكون لبشار الأسد الفاقد الشرعية أي دور سياسي فيها وبأي شكل من الأشكال، مبديًا أنَّ إعلان مؤتمر (جنيف1) ما يوفر أفق الحل المؤدي إلى انتقال سلمي للسلطة بما يحافظ على مؤسسات الدولة، ويحفظ لسوريا استقلالها وسيادتها ووحدتها الوطنية والإقليمية وقال: من البديهي ألا تتوفر إمكانية لمثل هذا الحل مع تواجد القوات الأجنبية على الأراضي السورية ممثلة في الحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله، وانعدام توازن القوى على الأرض.
ومن جهة أخرى، عبَّر الفيصل عن أمل المملكة بأن يحقق اتفاق السلم والشراكة الوطنية المبرم بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي تطلعات الشعب اليمني نحو وقف العنف والاقتتال واستكمال العملية السياسية، مشيدًا بما بذله الرئيس اليمني عبد ربه هادي من جهود مكثفة للوصول إلى اتفاق يجنب الفوضى وإراقة الدماء .
ودعا جميع الأطراف المعنية إلى التطبيق الكامل والعاجل لبنود الاتفاق كافة،كما حث المجتمع الدولي على تقديم جميع أوجه المساعدة لليمن في هذا الشأن.
كما طالب الفيصل المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ سياسات وقرارات مصيرية لمواجهة التطرف وهجمته الشرسة بكل قوة وحزم وفق استراتيجية واضحة مدعومة بخطة تنفيذية تحقق الأهداف المنشودة من هذه المواجهة من جوانبها العسكرية والأمنية والاقتصادية والفكرية كافة.
وأضاف أنَّ الحرب على التطرف، تتطلب عملًا جادًا ومستمرًا قد يمتد إلى سنوات، ولا يجب أن يتوقف عند تحقيق انتصارات جزئية على تنظيمات محددة، بل يجب المضي قدمًا فيه حتى يتم القضاء على التنظيمات المتطرفة كافة أينما وجدت، ومهما كانت الدوافع التي تقف وراءها، كي نخلص الإنسانية من هذا الشر المقيت، ونحافظ على حقوق الإنسان المشروعة في العيش بكرامة وأمن وسلام.
كما جدد الفيصل موقف السعودية المؤكد على التزامها بمحاربة التطرف الذي حذر من مخاطرها خادم الحرمين الشريفين مرارًا وتكرارًا منذ أكثر من عقد من الزمن، آخرها في شهر آب/ أغسطس الماضي، حينما دعا قادة وعلماء الأمتين العربية والإسلامية إلى الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة هذه الآفة الخبيثة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، معبرًا عن استغرابه من صمت المجتمع الدولي رغم سعي هذه الآفة الحثيث إلى التمدد لتطال العالم بأسره دون هوادة.
وقال: إنَّ حكومة السعودية ترجمت هذه السياسة إلى إجراءات مشددة من خلال سن القوانين المجرمة لها, ووضع القوائم بأسماء المتطرفين والتنظيمات المتطرفة التي تقف وراءهم, ومكافحة هذا الشر المستطير بكل السبل الأمنية والفكرية وتجفيف منابعهم المالية.
وأكمل الفيصل: إنَّ نتائج السياسة الصارمة التي تنتهجها السعودية ما كانت لتجني ثمارها على المستوى الوطني لولا وقوف المجتمع بقياداته وعلمائه وأبنائه صفًا واحدًا في مواجهة التطرف والفكر الضال المؤدي إليه.
وأشار من جهة أخرى إلى أهمية جعل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي وفي إطار الجهود الساعية إلى إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية في جميع أنحاء العالم، وعليه مؤكدا ضرورة عقد المؤتمر المؤجل حول إنشاء منطقة الشرق الأوسط الخالية من الأسلحة النووية وباقي أسلحة الدمار الشامل في أسرع وقت ممكن خلال عام 2014 .
واستطرد الفيصل: إنَّ عدم عقد هذا المؤتمر في موعده يمثل إخلالًا بعملية المراجعة وبالالتزامات المتفق عليها في مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي في عام 2010 م, كما يلقي بشكوك كبيرة على عملية التوافق والحلول الوسط التي يتم اتخاذها في إطار العلاقات متعددة الأطراف في مجال نزع السلاح.
وفيما يتعلق بأزمة الملف النووي الإيراني, أردف الفيصل: إنَّ المملكة لا تزال تعلق أهمية على معالجة هذه الأزمة بالطرق السلمية من خلال المفاوضات الجارية بين مجموعة 5+1 وإيران, وبما يكفل لإيران حق الاستخدام السلمي للطاقة وفق الاتفاقات الدولية المبرمة في هذا الشأن, مع ضرورة تطبيق هذه الإجراءات والضوابط على دول المنطقة كافة.
وحول استمرار تعرض الرموز الدينية للإساءة ذكَّر وزير الخارجية, بدعوة خادم الحرمين الشريفين للأمم المتحدة لإصدار قرار يُجَّرم ويمنع الإساءة للرموز والمقدسات الدينية من قبل مختلف الجهات وإيقاع العقوبات الزاجرة لكل من يتورط في هذه الأعمال المسيئة.
كما دعا إلى ضرورة تسريع عملية تنفيذ قرار وضع "صك دولي ملزم قانونًا لمنع التعصب والتمييز والكراهية على أساس الدين وكذلك الإساءة للأديان ولتعزيز وضمان احترام جميع الأديان".
وفي كلمته أشار الفيصل إلى ما حققته المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان من انجازات عديدة مستمدة من مبادئ شرعيتها الإسلامية ومن وفائها بالتزاماتها الدولية، مبينًا أنَّ المملكة صادقت خلال العقدين الماضيين على العديد من الاتفاقات الدولية والإقليمية التي من شأنها الإسهام في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في الداخل .
وأبرز الفيصل أنَّ المملكة العربية السعودية تؤكد على أهمية التخطيط السليم لقضايا التنمية وبالأخص جدول أعمال التنمية لما بعد 2015 بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية, كما تؤكد على أهداف التنمية المستدامة العادلة والهادفة التي تزيد من تعزيز القدرات والجهود الدولية لمواجهة التحديات الناتجة عن الأزمة المالية العالمية وتدعم جهود إصلاح النظام المالي والنقدي والتجاري الدولي من خلال المؤسسات القائمة لبناء اقتصاد عالمي يقوم على شراكة جديدة بين الدول النامية والمتقدمة وعلى أساس من التعاون والعدل والمساواة والشفافية والمنافع المتبادلة.
وختم الفيصل كلمته بالقول: إنَّ المملكة العربية السعودية ستستمر في أداء دورها الإنساني والسياسي والاقتصادي بحس المسؤولية والاعتدال والحرص على العدالة وهي المفاهيم التي كانت ومازالت تشكل المحاور الثابتة للعمل الدولي فيها .