الرئيس اللبناني ميشال سليمان

دخل لبنان، منتصف الليل الفائت، حقبة الفراغ الرئاسي مع انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان، دستوريًا وعمليًا بمغادرته قصر بعبدا، بعد ظهر السبت. وإذا كانت بداية مرحلة الفراغ ستنقل الاهتمامات السياسيَّة والشعبيَّة إلى مقلب شديد الغموض والضبابيَّة اعتبارًا من الأحد، فإن ذلك لن يحجب بسرعة الدلالات الكبيرة والمهمة التي اكتسبها الخروج التوديعي للرئيس سليمان من قصر بعبدا، والتي أثارت الكثير من الرمزيات والمعاني المثقلة معنويًا وسياسيًا ودستوريًا ووطنيًا.
وسليمان هو الرئيس الثاني عشر للبنان، والذي انضم، منذ منتصف الليل، إلى نادي رؤساء الجمهوريَّة السابقين، واختط لنفسه خروجًا انتزع به إعجاب الأكثريَّة الساحقة من اللبنانيين وسائر البعثات الدبلوماسيَّة العربيَّة والأجنبيَّة لاسيما لجهة إصراره على احترامه الدستور ورفض التمديد لولايته في مقابل الانتهاكات السافرة للممارسات الديمقراطيَّة، التي تجلت في تعطيل الجلسات الانتخابيَّة لرئيس جديد للبلاد وحالت دون انتخاب خلف له، فجاء حفل خروج الرئيس سليمان من قصر بعبدا ليشكل مقارنة واضحة مكشوفة بين نهجي الالتزام بالدستور وتعطيله. ثم أنّ هذا البعد أخذ زخمه الأقصى عبر المعلومات المؤكدة، والتي كشفت أنّ سفراء دول كبرى سعوا في الأيّام الأخيرة من ولاية سليمان إلى إقناعه بقبول التمديد لكي تبدأ محاولة هؤلاء السفراء تسويق هذا الخيار لكنه تشبث برفضه للتمديد.
ومع خروجه من القصر تعمد أنّ يترك، عبر الخطاب التوديعي، الوصيَّة الدستوريَّة والسياسيَّة المستقاة من خلاصات عهده من خلال مجموعة اقتراحات لتعديلات دستوريَّة اكتسبت دلالات بارزة لجهة تصويب الخلل في الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية، وهي تعديلات لا تعتبر من النوع الانقلابي بل توفر تصحيحًا بات الأفرقاء جميعهم تقريبًا يقرون بضرورتها إذا أريد للتوازن السياسي والدستوري أنّ يبدأ بإطار إصلاحي. وهو الأمر الذي بدا سليمان كأنه يتوج نهاية عهده به مودعًا اقتراحاته التي وضعتها لجنة مختصة من الخبراء القانونيين رئاسة مجلس الوزراء.
ولم تغب عن اليوم الطويل لمغادرة سليمان قصر بعبدا دلالات سياسية لازمت خروجه المشرف. ذلك أنّ الحملة الإعلاميَّة الشرسة التي شنتها على عهده وسائل أعلام محسوبة على "حزب الل " و"التيار الوطني الحر" لم تكن سوى إثبات إضافي أنّ سليمان أغاظ المعسكر الحليف للنظام السوري إلى حدود قصوى من جهة، وشكل أيضًا بمواقفه سقفًا مرتفعًا أمام طموحات رئاسيَّة توسلت تعطيل الاستحقاق من جهة أخرى.
وسارعت كل من قوى "14 آذار" ورئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، على اختلاف طريقة كل من الفريقين إلى الوقوف بقوة إلى جانب الرئيس المنتهيَّة ولايته حتى اللحظة الأخيرة. ويشار إلى أنّ جنبلاط كان الرفيق الأوثق لسليمان الذي بادر إلى منحه وسام رفيع، اعترافًا بدوره السياسي البارز. وسارعت قوى "14 آذار" إلى الانتصار الرمزي للتمسك بأصول الالتزام الدستوري من خلال حضور عشرات النواب إلى مجلس النواب، فيما اتخذ حضور الرئيس نبيه بري إلى المجلس بعدًا مريحًا من شأنه أنّ يساعد في الأيام المقبلة على بلورة المسار الذي يجري التحضير له لمواجهة الفراغ. هدية أخرى أصر سليمان أنّ يقدمها في آخر لحظات عهده، تمثلت بإعلانه توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، تحسبًا للاحتمالات، وأشاعت انطباعًا إضافيًا عن رئيس احترم صلاحياته والدستور حتى الرمق الأخير.