المتظاهرون ينهبون محتويات مبنى البرلمان عقب حرقه

أعلن بليز كومباوري، رئيس الدولة الفقيرة المحاطة بست دول والمحرومة من أي منفذ بحري، استقالته الجمعة، نتيجة الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها شوارع المدينة، وأسفرت عن حرق مبنى البرلمان بعد توليه زمام الحكم، قرابة 27عامًا بانقلاب عسكري.

وتولَّى القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنرال هونوري نبيري تراوري، على الفور زمام الحكم، معلنًا في بيان صحافي أنَّه "تولَّى رئاسة البلاد من اليوم"، موضحًا أنَّه يشغل هذا المنصب بعد تنحي الرئيس "بغية الحفاظ على أرواح الأمة".

في هذه الأثناء، أشارت تقارير إعلامية أنَّ الرئيس المتنحي كوماوري، حاول مغادرة البلاد في موكب مدجّج بالأسلحة .

وجاء رحيل السياسي الفوضوي السيد كومباوري، البالغ من العمر 63عامًا، والذي أثار موجة من المعارضة بممارسة التلاعب لتمديد فترة حكمه إلى أجل غير مسمى، مغلقًا الكتاب على واحد من الحكام الأكثر ديمومة في القارة السمراء، وقد أبدى شيئًا من الندم عند تنحيته عن الحكم.

وصرّح كومباوري في إعلان استقالته، قائلًا "من جانبي أعتقد أنَّني وفّيت بواجبي وهمي الوحيد هو المصلحة العليا للبلاد"، داعيًا إلى إجراء انتخابات في غضون 90 يومًا.

وبمزيج من المكر والسحر والإفلات من العقوبة، تمكّن كومباروي المشهور بـ" ببليز الوسيم"، وهو تلميذ القائد الليبي معمر القذافي، من بناء نفسه كوسيط إقليمي للسلطة، وفاق نفوذه قوة أمته حيث لا يعرف نصف شباب البلاد سواه قائدًا.

وكانت هذه الأحداث مرتقبة عن كثب في غرب أفريقيا ومناطق أخرى، لاسيَّما في عدد من البلدان التي يسعى قادتها إلى تمديد فترة ولايتهم، ويرى محللون أنَّ ما حدث في بوركينافاسو يعتبر بمثابة إنذار لتكرار الشيء نفسه.

وصرَّح مواطنون، بأنَّهم رأوا قافلة تنقل الرئيس مغادرة العاصمة واغادوغو، متوجهة جنوبًا نحو مدينة بو التي تقع بالقرب من الحدود مع غانا، فيما ذكر البعض أنَّه كانت هناك محاولة لإيقافه في الحواجز.

ولم تتضح على الفور مدى شعبية إعلان الجنرال تراوري توليه للسلطة؛ لأنه يُعتبر من المقربين للسيد كومباوري، وقد أعرب الكثير من المتظاهرين عن تفضيلهم لوزير الدفاع السابق، الجنرال المتقاعد كوامي لوغي، للإشراف على المرحلة الانتقالية وحتى إجراء انتخابات جديدة.

وجاء إعلان السيد كومباوري في اليوم الرابع من الاضطرابات بشوارع العاصمة واغادوغو، حيث عقد القادة العسكريين اجتماعًا خاصًا، وطالبهم المتظاهرون بإطاحة الرئيس.

وجاء رحيله تتويجًا لمناورات محمومة استمرت 24 ساعة حيث أعلن السيد كومباوري تطبيق الأحكام العرفية لبضع ساعات يوم الخميس، ثم أبدى شيئًا من اللين بتقديم مقترح المفاوضات بشأن تشكيل حكومة انتقالية وإلغاء مرسوم الأحكام العرفية، وفجأة وبدون مقدمات، أعلن القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنرال تراوري خطط لتشكيل سلطة انتقالية تعمل على إجراء انتخابات في غضون عام.

وفي المساء، صرَّح الرئيس كومباروي بأنَّه "سمع رسالة" ​​المتظاهرين وفهم "الرغبة القوية من أجل التغيير" في هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا بالقرب من الصحراء والتي يترجم اسمها ليعني "أرض الشعب المستقيم".

وتخلى كومباوري أيضًا عن الخطط الرامية لتغيير الدستور حتى يتمكن من الترشح لمنصب الرئاسة مرة أخرى في العام المقبل، وهو الأمر الذي أدَّى إلى اندلاع الاحتجاجات، ولكنَّه لم يستجب إلى الدعوات المطالبة باستقالته الفورية.

وحثَّ زعماء المعارضة الجمعة، أنصارهم إلى "مواصلة الضغط"، ورفض محاولات تملق الرئيس والدعوة إلى الإطاحة به على الفور، كما صرَّحت مجموعات الأربع والثلاثون المعارضة "إن الشرط المسبق لأي مناقشة حول عملية الانتقال السياسي هو الرحيل غير المشروط، والواضح والبسيط للسيد بليز كومباوري."

وبتجمع الحشود الضخمة في العاصمة واغادوغو، أشار ضابط جيش، لم يَكشف عن اسمه، إلى تخلي الجيش عن الرئيس، مخبرًا الحشود التي ضاقت به زرعًا بشكل متزايد أنَّ "الجيش من الآن فصاعدًا يقف في صف الشعب".

واندلعت الاحتجاجات بعد صدور اقتراح تشريعي لإزالة القيود الموجودة بالدستور بشأن فترة الحكم، وبالفعل أدخلت التعديلات للمرة الأولى عام 2000، ولكن بسبب خطأ في القانون، لم تطبق هذه التعديلات إلا على السيد كومباوري في انتخابات عام 2005، التي فاز فيها، و في عام 2010 فاز للمرة الثانية، ولكن لا يمكنه خوض انتخابات عام 2015 إلا بإلغاء هذه القيود المتعلقة بفترة الحكم.

وفي غضون أسابيع، كانت هناك جبهة معارضة لخطط الرئيس بتولي زمام الحكم للفترة الثالثة، واندلعت موجة الغضب الثلاثاء، بإضرام المحتجين النار في مبنى البرلمان وتفجير خطوط الشرطة لمنع المشرعين من التصويت في مشروع القانون.

واقتحم الآلاف شوارع واغادوغو، وأحرقوا منازل أقارب ومساعدي الرئاسة ونهبوا مرافق مبنى الإذاعة الرسمية، وعرضت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا للمتظاهرين وهم يسقطون تمثال كومباوري وحاملين الكاميرات من استوديوهات التلفزيون.

ويكمن إرث كومباوري في أدواره البارزة في القارة السمراء سواء أكان ذلك في النزاعات حول الغذاء في الدول الأخرى والمساعدة على حلها.

واتهم مسؤولون أميركيون، أثناء الحرب الأهلية في سيراليون منذ أكثر من عقد من الزمان، الرئيس كومباوري بتأجيج العنف بإمداد المتمردين بالأسلحة وإرسال مرتزقة للقتال إلى جانبهم ضد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وذلك في مقابل الحصول على الماس.

وفي عام 2000 توصلت لجنة في الأمم المتحدة إلى أنَّ هناك "احتمالية كبيرة" في دخول أسلحة إلى بوركينافاسو وشحنها إلى المقاتلين في أنجولا في محاولة لخرق العقوبات التي فرضها مجلس الأمن.

ولكن كومباوري اعتمد دور صانع السلام الإقليمي كذلك، وفي هذا العام أثنى الأمين العام الأمم المتحدة، بان كي مون، عليه "لمساهمته في تحقيق السلام والاستقرار في مالي"، بما في ذلك مساعدته في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد أن تمَّ تقسيم البلاد بظهور المتمردين.

وفي بعض أعوام مضت، أشاد مجلس الأمن به "لدوره الحاسم" في دعم عملية السلام في ساحل العاج، وكان عمره 36 عامًا فقط عند استيلائه على السلطة بانقلاب عسكري على زميله العسكري السابق توماس سانكارا، الذي قُتل في ظروف لم يتم الكشف عنها.

وكان كومباوري طالبًا في المركز العالمي الثوري في ليبيا الذي يديره العقيد القذافي، صاحب أطول فترة حكم والمعلن نفسه ملكًا لأفريقيا، الذي لقي حتفه في ثورة عنيفة منذ ثلاثة أعوام.

ومن زملائه الخريجين من مدرسة العقيد القذافي زعماء الميليشيات الأفريقية تشارلز تايلور في ليبيريا وفودي سنكوح في سيراليون، بحسب ما جاء في كتاب عام 1999، الذي يحمل عنوان "قناع الفوضى،" للكاتب ستيفن إليس في مركز الدراسات الأفريقية في لايدن، هولندا.

ووصف السيد أليس مدرسة القذافي بأنها "هارفرد ويل لجيل كامل من الثوار الأفارقة".