القطاع العقاري السعودي

سجل القطاع العقاري السعودي، منذ بداية عام 2017 وحتى نهاية نوفمبر / تشرين الثاني، انخفاضًا في إجمالي قيمة الصفقات بنسبة تجاوزت الـ27.4%، ليستقر إجمالي قيمة الصفقات العقارية عند 48.8 مليار دولار، مقارنة بنحو 65 مليار دولار للفترة نفسها من العام الماضي. ويتضح من خلال تلك المؤشرات العقارية انخفاض كل لأنشطة بلا استثناء، مع الاختلاف في نسبها، إلا أن هذا الانخفاض يأتي امتدادًا لما يحدث في السوق خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بدأت حركة السوق تسير بشكل عكسي لتحقق نزولاً متتاليًا في قيمة وعدد الصفقات.

وألقت رسوم الأراضي بظلالها على المشهد العقاري العام، من ناحية القيمة والعرض والطلب، مدفوعة بالمستويات المنخفضة أيضًا في الطلب على القطاع التجاري منها، الذي طالما نجا من الانخفاضات السوقية وظل حتى وقت متأخر محافظًا على مستويات جيدة مقارنة بالسكني الذي تتفاوت حركته اهتزازًا بشكل دوري، كما أن لدخول وزارة الإسكان السعودية دورًا كبيرًا في الضغط نحو الاتجاه الصحيح، عبر فرض التشريعات التقييدية ودخولها كمطور غير ربحي عبر برنامج "سكني"، الذي ظل منتظمًا في دفعاته. وقال صالح الغنام، المدير العام لشركة الغنام للتطوير العقاري، إن انخفاض قيمة الصفقات متناقص بشكل سنوي منذ عام 2014، الذي يعتبر الأقوى على الإطلاق خصوصًا في العقد الأخير، حيث إن الحديث عن انخفاض قيمة الصفقات لا يعتبر جديدًا، بل إنه متزايد من عام لآخر في انتظار انخفاض مناسب للأسعار، بعد موجة التضخم التي ضربت السوق خلال السنوات الأخيرة، وبدأ بشكل تدريجي الانحسار، ويتضح ذلك جليًا في الجدول الدوري لأسعار المناطق والمدن في جميع الأنشطة العقارية، وخصوصًا الأراضي التي تأثرت بشكل كبير.

وأضاف الغنام أن السوق تشهد هبوطًا ملحوظًا في الأسعار تماشيًا مع الطلب لمستويات معقولة ومغرية، خصوصًا أن السوق بدأت فعليًا في دفع فواتير الرسوم، وهو القرار الذي يشهد زخمًا كبيرًا في السوق والأسعار وقتيًا، بدليل تسييل كميات كبيرة من الأراضي الفترة الماضية، إلا أن ما يميز هذا الربع أن هناك انخفاضًا ملحوظًا في القيمة رغم أنه غير مكافئ للانخفاض في الطلب، ما يوحي بأن هناك انخفاضات مقبلة في القيمة، بعد أكبر سلسلة ارتفاعات شهدها القطاع العقاري السعودي، لافتًا إلى أن ما يحدث الآن ما هو إلا تصحيح للوضع العقاري الذي بدأت ملامح السيطرة عليه تتضح. وبشأن قيمة الصفقات الأسبوعية للسوق العقارية المحلية، فقد ارتفعت بعد أسبوعين متتالين من الانخفاض، حيث ارتفعت الأسبوع الماضي بنسبة 36.8%، مقارنة بانخفاضها الأسبوع الأسبق بنسبة 17.6%، ليستقر إجمالي قيمة صفقات السوق العقارية بنهاية تشرين الثاني الماضي، عند أدنى من مستوى 1.2 مليار دولار، ويُعزى ارتفاع إجمالي قيمة الصفقات العقارية خلال الأسبوع الماضي إلى ارتفاع قيمة صفقات الأراضي، بنسبة انخفاض 35.2%، استمدت قوة تأثيرها على مستوى عموم صفقات السوق من ارتفاع وزنها النسبي إلى إجمالي قيمة صفقات السوق، البالغ 85.7%.

وفي الشأن نفسه، أشار مشعل الغامدي، المستثمر العقاري، إلى أن فقد السوق لما يزيد على 27% خلال 11 شهرًا مقارنة بالفترة ذاتها من العام المنصرم، معدل كبير يحتاج إلى تدعيم أكبر من ناحية انخفاض ملائم للسعر، ورغم سعي الدولة إلى احتواء الأسعار وإعادتها إلى ما كانت عليه، عبر سن التشريعات التي تدعو إلى ذلك، فإن الحلقة المفقودة تتمثل في ارتفاع أسعار العقار إلى مستويات كبيرة، مما يعكس الحال في السوق التي تعيش أسوأ أيامها منذ سنوات طويلة، في ظل شُح السيولة لدى المشترين. وقال: "قطاع الإسكان بشكل خاص يعيش أيامًا عصيبة، في ظل عدم وضوح الرؤية، بانتظار ما تفضي إليه الرسوم عبر انخفاض حقيقي في الأسعار، وبالتالي التمكن من الشراء، والمشكلة الحقيقية تكمن في الفجوة بين قدرة المشتري وسعر البائع، وهو ما تحاول الدولة إيجاد توافق فيه بطرق مختلفة".

وأضاف: "الحديث عن فتح خيارات تمويل، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، غير مُجدٍ في هذا التوقيت بالذات في ظل ارتفاع أسعار العقار، لأكثر من قيمتها الحقيقية، رغم انخفاضها منذ نهاية العام الماضي إلا أنها ليست ملائمة لحال السوق والمعدلات الحقيقية للطلب المرتبط بالشراء"، لافتًا إلى أن الانخفاض جاء بعد توقف الطلب أو تقلصه إلى حد كبير، بضغط من الواقع الذي يعجز المستثمرون على تطويره والسيطرة عليه لتحريك السوق، وفتح جبهات استثمارية جديدة، تمكنهم من جني الأرباح بشكل مضاعف، وهو ما لن يحدث في حال استمرار الأسعار مرتفعة. وارتفع عدد الصفقات العقارية بنسبة 7.2%، ليستقر عند مستوى 4617 صفقة عقارية، مقارنة بانخفاضه للأسبوع الأسبق بنسبة 1.6%. وارتفع عدد العقارات المبيعة خلال الأسبوع بنسبة 7.3%، ليستقر عند 5024 عقارًا مبيعًا، مقارنة بانخفاضه خلال الأسبوع الأسبق بنسبة 4.3%. وارتفعت مساحة الصفقات العقارية بنسبة 19.0%، مستقرة عند 55.9 مليون متر مربع، مقارنة بارتفاعها خلال الأسبوع الأسبق بنسبة 6.3%.

ومن جهته، أشار وليد الرويشد، الذي يدير شركة "مستقبل الإعمار" العقارية، إلى أن الضغوط ترمي إلى خفض الأسعار لتكون في متناول الجميع، وهو ما يحصل الآن، ورغم عدم ملاءمة الأسعار إلى حد كبير مع قدرات المشترين، فإنه يعتبر أن هناك تفاؤلاً نحو واقع جديد، يفتح فرضية وقوع المزيد من الانخفاضات خلال الفترة المقبلة، في ظل تبلور الأسباب المؤدية إلى ذلك، مبينًا أن الاستجداء بالتمويلات العقارية لن يكون مجديًا، خصوصًا أن جوهر الحركة يكمن في قيمة العقار التي تعتبر مرتفعة، وأكبر من قدرة شريحة كبيرة من الراغبين في التملك، وأن الانخفاض الملحوظ في إطلاق المشاريع التجارية، التي باتت محدودة بشكل ملحوظ، يعكس حال السوق.

وأضاف الرويشد أن المستثمرين العقاريين الآن يعيدون النظر في أسعار ما يمتلكونه أو يعرضونه من عقارات، بعد انخفاض الطلب لمستويات كبيرة، مبينًا أن المواطنين يتريثون في الشراء في الوقت الحالي لحين البت فيما ستفضي إليه الخطوات الحكومية المقبلة، وأن العمليات الحكومية الأخيرة ستثري بشكل كبير ميزان العرض، الذي يعيش تناقصًا كبيرًا بالنسبة للطلب الذي يفوق قدرة الجميع. وسجل المتوسط السنوي للأسعار انخفاضًا لأغلب متوسطات الأسعار، حتى 30 تشرين الثاني، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2016، وتضمن انخفاض متوسط سعر العمارات السكنية بنسبة 26.9%، وجاءت الفيلات السكنية في المرتبة الثانية، بنسبة انخفاض 17.7%، ثم انخفاض متوسط سعر المتر المربع للأرض، بنسبة 15.6%، وأخيرًا ارتفاع متوسط سعر الشقق السكنية بنسبة طفيفة لم تتجاوز 1.2%.