رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي
تونس ـ أزهار الجربوعي
سيطرت أعمال العنف مجددًا على المشهد التونسي، حيث قامت مجموعة مجهولة بالاعتداء على نزل في منطقة سبيطلة التابعة لمحافظة القصرين قرب الحدود الجزائرية، وحرق حانته بالكامل، في حين أكد رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي، أن "حدود البلاد مؤمنة"، نافيًا وجود "معسكرات تدريب جهادية".
وقد أقدمت مجموعة من الأشخاص في ساعة متأخرة من مساء الخميس، على حرق حانة في مدينة سبيطلة التابعة لمحافظة القصرين وسط تونس، بالقرب من الحدود الجزائرية، حيث وقعت اشتباكات مع مسلحين بداية الأسبوع، يشتبه في انتمائهم إلى فرع تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي.
وقال شهود عيان لـ"العرب اليوم"، إن "مجموعة محسوبة على التيار السلفي اقتحمت نزل (الكابيتول)، متعمدة تهشيم محتويات حانته بالكامل، قبل أن يضرموا النار فيها، وقد امتدت ألسنة اللهب إلى أجزاء كبيرة من النزل مخلفة أضرارًا مادية جسيمة"، في حين قامت مجموعة مجهولة بالاعتداء على مقر معتمدية قرقنة التابعة لمحافظة صفاقس جنوب البلاد، مخلفة حريقًا هائلاً في طابقه السفلي، إلى جانب إضرام النيران في سيارتين، أما شمالاً فتشهد مداخل مدينة باجة منذ ليلة الجمعة وحتى هذه الساعات، حالة استنفار أمني قصوى، عززها الانتشار الكثيف لعدد كبير من الدوريات الأمنية المجهزة بالأسلحة التي تقوم بتفتيش مختلف السيارات على مداخل ومخارج المنطقة، وذلك استكمالاً للعمليات الأمنية الواسعة التي تشنها وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة الدفاع، بحثًا عن مشتبه بهم في المواجهات المسلحة الأخيرة على الحدود الجزائرية، والتي راح ضحيتها ضابطًا تونسيًا بعد إصابته في تبادل لإطلاق النار مع مجموعة إرهابية، ما يزال البحث عن عناصرها جاريًا.
وفي سياق متصل، أكد رئيس الحكومة حمادي الجبالي، أن "الحدود التونسية مع الجزائر وليبيا مؤمّنة بفضل جهود وحدات الأمن والجيش الوطني، بعد أن نجحت الأجهزة الأمنية في إحباط عمليات عدة لتهريب السلاح على الحدود التونسية الجزائرية"، نافيًا وجود مخيمات تدريب جهادية على الأراضي التونسية، ومحذرًا من خطورة تصاعد عمليات تهريب السلاح، مشيرًا إلى أن السلطات الجزائرية ستعزز تأمين حدودها مع تونس خلال الأيام المقبلة.
وبشأن قضية تهريب السلع، قال الجبالي، إن "هذه المسألة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما هي مسؤولية مشتركة بين المواطنين والمنظمات"، مشددًا على "ضرورة تكاتف جميع الأطراف من أجل محاربة غلاء المعيشة، لقطع الطريق أمام هذه الظاهرة التي تهدد الاقتصاد الوطني المتعثر أصلاً".
على صعيد آخر، جدد رئيس الحكومة التونسية، تمسكه بموعد 30 حزيران/يونيو 2013، كأقصى أجل لإجراء الانتخابات، موضحًا أن الامتحانات النهايئة للسنة الدراسية لن تُشكل عائقًا أمام هذا الانجاز، وهو التاريخ نفسه الذي اتفقت عليه التنسيقية المشتركة للترويكا (الائتلاف الحاكم في تونس) في تشرين الأول/أكتوبر الماضي"، داعيًا نواب المجلس الوطني التأسيسي إلى التعجيل بإتمام صياغة الدستور الجديد، وعدم تفويت فرصة إنجاح أول تجربة ديمقراطية في البلاد، عبر تجاوز هذه المرحلة الانتقالية بكل سرعة، وبناء مؤسسات ديمقراطية وشرعية .
وأشار رئيس الحكومة إلى إقتراب موعد التصريح بالتعديل الوزاري المقرر هذا الشهر، وأن كل الاحتمالات واردة، قائلاً "من المتوقع أن يكون هذا التعديل الوزاري إما موسعًا أو في شكل حكومة تكنوقراط، وأن المفاوضات ماتزال جارية داخل الترويكا".
وكان الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، قد دعا إلى تشكيل حكومة مصغرة على قاعدة الكفاءات، بعيدًا عن المحسوبية الحزبية، الأمر الذي أثار تحفظًا واستهجانًا العديد من الأطراف الحكومة وبخاصة من حركة "النهضة"، الذين هددوا بإقالة المرزوقي ومراجعة جميع المناصب بداية من رئاسة الجمهورية.
وفي سياق منفصل، اختتم "منتدى من أجل المستقبل" أعماله، بالتأكيد على دعم حرية التعبير ومكاسب المرأة، مع دفع عمليات الإصلاح السياسي في دول "الربيع العربي"، في حين أكد نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليام برنز، أن بلاده ستواصل دعم عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، داعيًا الفرقاء السياسيين إلى نبذ العنف وتحكيم منهج الإسلام المعتدل، مشددا على "ضرورة التزام الدستور التونسي الجديد باحترام حقوق الإنسان".
من جهته، أكد وزير الشؤون الخارجية التونسية رفيق عبد السلام، أن "تونس تقدر أهمية هذا المنتدى باعتباره فضاءً لحوار جاد وبنّاء، يجمع مختلف هذه المكونات من أجل إرساء تعاون حقيقى يشجع على دفع نسق الإصلاحات التي تشهدها المنطقة"، معتبرًا أن "المحاور المدرجة على جدول أعمال هذه الدورة، المتعلقة بدعم مكانة المرأة وحرية التعبير والحوكمة الاقتصادية والمبادرة الخاصة، تُعد دليلاً على أهميتها في بناء المجتمعات الحديثة والنهوض بالذات البشرية، وفي رقي المجتمعات سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا".
فيما وصف عدد من المراقبين هذه الدورة من المنتدى التي تستضيفها تونس، بـ"الهزيلة"، معتبرين أنها "كانت الأضعف من حيث مشاركة وزراء الخارجية منذ انطلاق هذا المنتدى، حيث كان من المفترض أن يُشارك فيها وزراء خارجية دول مجموعة الثماني والعديد من الدول العربية، ولكن عدد قليل منهم فقط حضر، فيما تغيّب البقية، وبخاصة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي ألغت زيارتها إلى تونس في آخر لحظة، بحجة (توعك صحي), كما غاب عدد من وزراء الخارجية العرب، على غرار السعودي سعود الفيصل بن عبد العزيز، والقطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، والجزائري مراد مدلسي، والمغربي سعد الدين العثماني".
وكانت أعمال الدورة التاسعة لـ"منتدى من أجل المستقبل" قد انطلقت قبل يومين على مستوى الخبراء، وذلك لبحث مسائل تهم الإصلاح السياسي وسيادة القانون وتعزيز دور المرأة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والشفافية.
والتقى الرئيس التونسي، نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليام برنز، حيث تناول اللقاء سبل تطوير العلاقات الثنائية وآليات تعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأعرب برنز عزم بلاده دعم مسار التحول الديمقراطي الذي تعيشه تونس، مؤكدًا ثقته في قدرة التونسيين على إرساء أسس لمؤسسات دستورية وصياغة دستور يحترم مبادئ حقوق الإنسان ويحظى بتوافق من جميع الأطراف، وكذلك تطرق اللقاء إلى بعض القضايا الدولية والإقليمية كالوضع في سورية وتداعيات الملف المالي وما يفرضه من تحديات أمنية على دول المنطقة