صحف مصرية مستقلة
وهالة فهمي، موقتًا عن العمل إلى حين الانتهاء من التحقيقات بشأن المخالفات المهنية التي حدثت يومي السبت والأحد الماضيين فى برنامجي "أحداث 24 ساعة" و"الضمير" على قنوات التلفزيون المصري، تزامنًا مع قرار المحطات التلفزيونية تسويد شاشتها الأربعاء ليوم كامل، احتجاجًا على تقييد حرية الرأي.
ولم تعلق صحيفة "الأهرام" القومية على قرار حجب الصحف، واكتفت بنشر خبر "موافقة القضاة على الاستتفاء" في صدر صفحتها الأولى، وقالت "وافق مجلس القضاء الأعلى على ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة للإشراف على الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد لمصر، في لجان المحافظات واللجان العامة والفرعية".
وجاء القرار في ختام اجتماع المجلس الإثنين، في ضوء المذكرة التي قدمها رئيس محكمة استئناف القاهرة، رئيس اللجنة العليا للانتخابات إلى المجلس، المستشار سمير أبوالمعاطي، مطالبًا فيها بالموافقة على ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة للإشراف على الاستفتاء المقرر إجراؤه يوم 15من الشهر الجاري، في لجان المحافظات واللجان العامة والفرعية، فيما ذكر بيان صادر عن الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى، المستشار محمد عيد محجوب أن المجلس قرر في جلسته على الموافقة على الطلب.
وبشأن احتجاب الصحف نقلت عن المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي، قوله "إن الرئاسة لاتتمنى احتجاب وسائل الإعلام ولكن إذا تم في إطار القانون فهذا مرحب به وحرية التعبير في مصر أصبحت بلا سقف ولا نتدخل في أعمال الإعلام من قريب أو من بعيد ونحترم كل وسائل الإعلام ولكن أي وسيلة تخالف القانون فسيكون لنا حق في اللجوء إلى القضاء، وإنه في الأسبوع الماضي فقط أحصينا قرابة 130 خبر غير صحيح، وأربأ بوسائل الإعلام المصرية أن تصدر خبرًا مجهل المصدر، ونحرص على توضيح حيثيات القارات الأخيرة لوسائل الإعلام جميعها والأجنبية منها وأوضحنا للمؤسسات الأجنبية أن ما يحدث في مصر ظرف موقت وسينتهي بمجرد وجود استقرار دستوري".
فيما علقت صحيفة "الأخبار" الحكومية أن "الصحافة هي مرآة الأمة، والصحافيون هم خدمة الشعب، وحراس الحقيقة"، مبررة موقفها من عدم الاحتجاب قائلة "هذا هو الدرس الأول، الذي تعلمناه هنا، ووسط الضبابية الشديدة في المشهد السياسي المصري، وحالة الاستقطاب الحاد التي تخيم علي الأجواء، كان علينا في أسرة تحرير (الأخبار) أن نوضح لقارئنا العزيز ـ احتراماً وتقديراً وحباً له ـ لماذا لم نحتجب مثلما فعل الآخرون؟ ونود أن نؤكد علي عدد من الحقائق، نقدم فيها إجاباتنا عن هذا السؤال، أولاً نحن ملتزمون بالمهنية التامة، في كل تغطية الأحداث الأخيرة، منذ الأشهر الماضية، ولعل القاصي والداني لمس تلك الحقيقة، واستشعر هذا بصورة لا تقبل الشك، لالتزامنا بنقل الواقع كما هو من دون انحياز لأحد، من دون تزييف أو تجميل للمشهد، وحصلنا على أرفع الأوسمة وأغلاها، هي ثقة القارئ، وتجسدت في ارتفاع أرقام التوزيع، التي أكدت أن (الأخبار) هي الأعلى من حيث التوزيع، وثانيًا نحن علي مسافة واحدة، من كل التيارات والأحزاب المصرية، انتماؤنا فقط لمصر الدولة، ولهذا الشعب العظيم، الذي نثق في قدرته على تجاوز المصاعب مهما كانت، والأزمات مهما تعقدت، وقد حاولنا في الآونة الأخيرة، أن نعيد بعث الصحافة القومية بمفهومها الصحيح صحافة الشعب المعبر عن آماله، وأحلامه، وتطلعاته، التزامنا فقط للقارئ هو الهدف والمبتغى، هو صاحب الحق علينا، لأنه وببساطة شديدة صاحب الفضل علينا، ونري من واجبنا أن نتواصل معه من دون انقطاع، أن نظل معه من دون احتجاب، مهما كانت الأسباب، نقدم له الخبر الصادق، والمعلومة الصحيحة، والتحليل الدقية، وثالثًا أنه صحيح أن الصحافة مهنة رأي، ولكنها أبدًا لم تكن حزبًا سياسيًا أو تيارًا، ولعلنا في (الأخبار)، ومن خلال صفحات الرأي اليومية، نحتضن كل التيارات وجميع التوجهات، وتجد بها المعارضة بلا هوادة، والتأييد من دون تحفظ، من دون مصادرة علي رأي، أو حجب لفكرة، مهما كان شططها".
أما صحيفة "الحرية والعدالة" التابعة لحزب "الحرية والعدالة" الحاكم، لم تعلق على حجب الصحف، بل نشرت خبرًا أنه "نظرًا لنفاذ أعداد جريدة الحرية والعدالة، الثلاثاء، من الأسواق بعد نشرها ملحق خاص بالمسودة النهائية للدستور الجديد، تعلن الجريدة عن صدور ملحق آخر بمسودة الدستور في عدد الأربعاء؛ تلبية لرغبة العديد من القراء"، ولم تصدر الصحيفة تعليق عن احتجاب الصحف المستقلة، واعتبرت أنه موقف يعبر عن الصحف المستقلة المحتجبة فقط.
من جهتها، قررت المحطات التلفزيونية، تسويد شاشتها الأربعاء ليوم كامل، احتجاجًا على تقييد حرية الرأي والتعبير في الدستور الجديد، واعتراضًا على الإعلان الدستوري، فيما هدد رؤساء التحرير ورؤساء القنوات بالتصعيد، وأعلنوا تضامنهم مع القضاة في إجراءاتهم ضد الإعلان الدستوري.
في سياق متصل، قررت الإدارة المركزية للشؤون القانونية في اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو"، وقف المذيعتين بثينة كامل وهالة فهمي موقتًا عن العمل، إلى حين الانتهاء من التحقيقات بشأن "مخالفات مهنية" التي حدثت يومي السبت والأحد الماضيين في برنامجي "أحداث 24 ساعة" و"الضمير".
ووصفت الإعلامية بثينة كامل، أثناء تقديمها النشرة الإخبارية في التلفزيون المصري، بعنوان "أحداث 24 ساعة"، ما تقدمه من أخبار عن مليونية "الشرعية والشريعة" بقولها "وما زلنا مع النشرة الإخوانية، حيث نفت جماعة الإخوان المسلمين....."، وهو ما دفع العديد من القائمين على إدارة عدد من صفحات "فيسبوك" و"تويتر" إلى تسجيل مقطع فيديو من تلك النشرة التي أذيعت، وعرضه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انهالت التعليقات الساخرة والتي أبدى أصحابها إعجابًا بـ"ذكاء المذيعة المعارضة التي سبق وأعلنت ترشحها لانتخابات رئاسة الجمهورية، ودقتها في استخدام وصف ذي دلالة، وفي الوقت نفسه لا يعرضها للمساءلة القانونية"، فيما خرجت المذيعة "هالة فهمي" على شاشة القناة الثانية المصرية، لتهاجم الرئيس مرسي وجماعة "الإخوان" المسلمين.
وطالب وزير الإعلام صلاح عبد المقصود، بتشكيل لجنة للتحقيق الفوري، فيما قال مصدر مسؤول في وزارة الإعلام إنه تم تشكيل اللجنة من أساتذة كلية الإعلام تضم أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور صفوت العالم، ووكيل كلية الإعلام في جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور محمود يوسف، لمشاهدة برنامج "أحداث 24 ساعة" حلقة السبت الأول من كانون الأول/ديسمبر الجاري، وحلقة برنامج "الضمير" ليوم الأحد الموافق 2 من الشهر نفسه، وأن اللجنة شاهدت البرنامجين موضوع المراجعة وقدمت تقريرًا مهنيًا، جاء فيه أن اللجنة أبدت 7 ملاحظات على حلقة برنامج "أحداث 24 ساعة"، حيث لاحظت أن المذيعة السيدة بثينة كامل قد أضافت من عندها عددًا من الإضافات الغير موجودة في نص النشرة، بشكل يعبر عن وجهة نظرها، وأن هناك نوعًا من عدم الالتزام العمدي بالدقة والقواعد المهنية، فضلاً عن إضافة كلمات وجمل إلى النص الخاص بنشرة الأخبار.
وأضاف المصدر أن "التقرير أوضح أنه في ختام النشرة وصفت المذيعة النشرة بأنها (نشرة الصوت الواحد)، ورددت أحد أبيات الشعر أعقبه جملة حماسية، مما يمثل إضافة دعائية إلى النص الخاص بالنشرة وعدم التزام بالمهنية وبواجباتها كمذيعة بضرورة الالتزام بقراءة النص الخاص بالنشرة"، فيما أشادت اللجنة في ختام التقرير بالالتزام المهني الدقيق لزميلها المذيع مصطفى عرفة، لالتزامه بالنص والمحتوى، مما يوضح ويبرز "حالة التعمد والتحيز والتوظيف الدعائي غير اللائق" في قراءة النشرة من جانب زميلته المذيعة بثينة كامل، وأنه عقب الانتهاء من التقرير، قدمت اللجنة تقريرها إلى رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون.
كما شاهدت اللجنة برنامج "الضمير" للمذيعة هالة فهمي، الذي أُذيع مساء الأحد، وقدمت تقريرًا بشأنه إلى رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون أكدت فيه اللجنة "خروج مقدمة البرنامج على الأداء المهني وعدم الحياد وأن القضية المطروحة في اتجاه واحد"، ولاحظت في تقديم البرنامج عدم ترابط الأفكار والجمل وتداخل الكلمات وافتقارها إلى التركيز والاتزان النفسي وقد ظهر ذلك من ملامح وجه مقدمة البرنامج.
وجاء في التقرير أن مقدمة البرنامج "حرصت على الإثارة والاستعداء باستخدام جمل وألفاظ غير لائقة، ووجهت اتهامات للجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية، ولاحظت اللجنة التحيز والانتقائية في اختيار الضيوف بما يدعم وجهة نظر مقدمة البرنامج التي تقوم بإعداده من دون النظر إلى الرأي الآخر"، فيما رأت اللجنة حرص مقدمة البرنامج على "السخرية والاستهزاء بالمسؤولين"، واستضافة ثلاثة من الضيوف إحداهم قام بالتطاول على شيوخ الأزهر ومخاطبة رئيس الجمهورية، قائلة "يا حاج مرسي" أكثر من مرة وتوجيه الاتهامات بالسب والقذف للمسؤولين بمن فيهم شخص الرئيس، وكذلك ذكرت اللجنة في تقريرها أن مقدمة البرنامج روجت "لأخبار ومعلومات كاذبة" على غرار ادعائها أن نسبة الإلحاد في مصر قد زادت.
كما أكدت اللجنة في ختام التقرير، أن المذيعة "استخدمت ألفاظًا معيبة غير لائقة، وافتقدت المهنية، وبالغت في توظيف الجمل وتحميل الموقف العديد من الدلالات، مما يعكس افتقارًا إلى الثقة والمصداقية، فضلاً عن التحيز والانتقائية في اختيار الضيوف"، في حين رفعت اللجنة التقريرين إلى رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون لاتخاذ الإجراءات المناسبة حيال ما هو مذكور في التقريرين، فقام رئيس الاتحاد بتوجيه التقريرين والتقارير المرفوعة من قطاعي الأخبار والتلفزيون إلى الإدارة المركزية للشؤون القانونية، والتي رأت وقفهما موقتا عن العمل إلى حين الانتهاء من التحقيقات.
من جانبه، علق الخبير الإعلامي الدكتور هشام عطية، "إن الإعلاميين المستقلين داخل التلفزيون المصري يخوضون معركتهم الأخيرة، للحفاظ على استقلاليته"، لافتًا إلى أنه بذلك يتحول إلى "أداة دعائية وبوق لجماعة الإخوان بشكل أكثر سوء مما كان في عهد مبارك".
وأضاف عطية لـ"العرب اليوم"، أنه "في كل يوم تبرز حادثة أو واقعة جديدة عن انتهاك لاستقلالية الإعلام، كما تظل محاولة الإعلاميين المستقلين للحفاظ على الاستقلالية"، لافتًا إلى أن الإدارة لديها عدد من الوسائل التي تستخدمها لقتل الانتفاضة الإعلامية".
فيما قال مدير تحرير جريدة "المصري اليوم" رضوان السيسي، إن الجريدة قررت الاحتجاب مع 10 جرائد أخرى، اعتراضًا على محاولة تمرير الإعلان الدستوري ومن بعده الدستور الجديد، وعدم رغبة الرئيس في التنازل أو حتى التفاوض مع معارضيه، فضلاً عن الهجمة الشرسة على وسائل الإعلام التي ظهرت واضحة في مليونية "الشرعية والشريعة" والتي نعتت بعض الإعلاميين بصفات سيئة.
وحول مدى جدوى القرار أضاف صالح، "بالطبع سيؤثر القرار على المستوى المحلي والدولي، فالقارئ المصري سيتساءل لماذا احتجبت الجريدة التي أعتدت على الذهاب لشرائها، وأن القرار سيكون سابقة سيئة للحريات في عهد الرئيس محمد مرسي، وستتابعه الأوساط العالمية المعنية بالحريات جيدًا".
بدورها، رأت أستاذ الصحافة في كلية الإعلام الدكتورة نجوى كامل، أن "حجب الصحف معاقبة للقارئ، وتعدي على حقه في المعرفة، وليس للمسؤول لأن المسؤول أحب إلى قلبه أن تحجب الصحف".
يُذكر أن سياسية "حجب الصحف" ليست بالجديدة على المجتمع المصري ، فقامت بها الصحف المصرية منذ التاريخ البعيد دفاعًا عن حقها في التعبير عن آرائها بحرية ، ففي العام 1920احتجبت الصحف المصرية لثلاث أيام متتالية احتجاجًا على عودة الرقابة ممارسة القمع الفكري عليها إبان الاحتلال البريطاني .