خُمس طُلَّاب التَّخصصات الهندسيَّة في دبي إناث

تحجم الفتيات عن التخصصات الهندسية، مفضلات الالتحاق بتخصصات الأعمال والتعليم، في حين تعزف أخريات عن تخصصات الأرقام والنسب، تماشيًا مع صورة نمطية أطّرها المجتمع، وأسهمت فيها فلسفة مؤسسات تعليمية، وهو مؤشر لا تنفرد به الإمارات فحسب، بل يتجاوزها ليشمل العالم أجمع.
وتُظهر إحصاءات حديثة، أن "خُمس الملتحقين بالتخصصات الهندسية في مؤسسات التعليم العالي في دبي هم، من الإناث، وهو ما دفع الجامعات والكليات إلى الانتباه إلى ضرورة تشجيع نصف المجتمع على اقتحام ميدان الهندسة، عبر التفكير بفتح تخصصات أمام الفتيات ودمجهن في كليات هندسة قائمة".
وأوضحت نتائج دراسات وإحصاءات، "انخفاضًا ملحوظًا في نسبة انخراط الطالبات في التخصصات الهندسية والفيزيائية والتخصصات المرتبطة بالرياضيات، مقارنة بالطلبة الذكور، ما دفع بعض المؤسسات الدولية إلى التركيز على كيفية توزّع الطلبة على تلك التخصصات الجامعية وفي سوق العمل لاحقًا بناء على الجنوسة (الجندر)، ومدى تأثير ذلك اقتصاديًّا على الناتج المحلي أو القومي".
وأكَّدت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، أنه "مقابل كل ثلاثة من الطلبة الذكور في الاختصاصات الهندسية، تتخرج طالبة واحدة فقط، وتزيد تلك النسبة في علوم الحاسوب لتبلغ 1 إلى 5، إلا أن تلك الظاهرة لا تظهر بشكل مفاجئ في المرحلة الجامعية، إذ تُبين الاختبارات الدولية التي تشارك فيها المدارس من مختلف دول العالم، ومنها الإمارات، أنه في اختبار القراءة تتفوق الإناث في عمر الـ15 عامًا على الذكور في النتائج النهائية، والعكس تمامًا يحصل في اختبار الرياضيات، علمًا بأن الفروقات تتقلص بشكل كبير بين نتائج الذكور والإناث في نتائج العلوم، ففي القراءة، تبلغ نسبة الطلبة الذكور الذين سجلوا معدلات منخفضة في القراءة 24.9%، مقابل 12.5% للإناث، أما في الرياضيات، فتبلغ نسبة الذكور الذين سجلوا أعلى المعدلات 14.8%، مقابل 10.6% للإناث، بينما تصل تلك النسبة في العلوم إلى 9.3% مقابل 7.7%.
وتعتبر المنظمة، في تقاريرها الخاصة بـ"الجنوسة والتعليم"، أن "تلك الأرقام تعكس الصورة النمطية عن أداء العنصر النسائي في تلك التخصصات، وما يتوقعه المجتمع وسوق العمل منهن، أكثر من مجرد تفوق الذكور على الإناث في الأداء؛ إذ تظهر إحدى الدراسات أن 4.7% من الطالبات المتفوقات في عمر الـ15 عامًا يتوقعن أن يصبحن مهندسات أو عالمات مقابل 18% من الذكور الذين حققوا الأداء نفسه".
وينسحب الأمر كذلك على سوق العمل، فلا تظهر الإناث ميلًا إلى الاستفادة من دراسة تخصصات الهندسة والرياضيات والفيزياء للعمل بشكل احترافي، بعكس الذكور؛ إذ تسجّل إحصاءات المنظمة أن 71% من الذكور يعملون بشكل احترافي في التخصصات المذكورة بعد التخرج، مقابل 43% من الخريجات، بينما تفضل النسبة الكبيرة منهن العمل في مجال التعليم.

أما في دبي، فتُؤكِّد أرقام "هيئة المعرفة والتنمية البشرية"، أن "الطلبة الذكور يُشكِّلون 80%‪ من طلبة العلوم الهندسية في مؤسسات التعليم العالي في دبي، بما في ذلك الجامعات الاتحادية ‪ والمحلية، مقابل 20%، كما يُشكّل الطلبة الذكور 80% في اختصاص القانون، مقابل 20% للإناث".
في المقابل، تُشكِّل الطالبات حوالي 82% في تخصصات العلوم الإنسانية، و91% في تخصصات‪ العلوم الصحية والطب، بينما يدرس نحو 64% من الطلبة الذكور في تخصصات تكنولوجيا المعلومات، مقابل 36% للإناث، و42% في تخصصات السياحة والضيافة، مقابل 58% للإناث، و64% في الأعمال، مقابل 36% للإناث، ونسبة 16% في تخصصات العلوم الطبيعية والفيزيائية، مقابل 84% إناث، ونسبة 16% في التعليم، مقابل 84% إناث".
وتنبّهت بعض الجامعات في دبي، إلى تلك المسألة، وبدأت تحاول استقطاب الطالبات إلى تلك التخصصات، ففي كليات التقنية العليا في دبي، وبعد أن كانت الاختصاصات الهندسية محصورة على الذكور في كلية الطلاب، أخذت الطالبات تطرق باب الهندسة منذ حوالي سنتين، لتبدأ الكلية استقبال الإناث في كلية الطلاب، كون تلك الاختصاصات غير موجودة في حرم المبنى الجامعي الخاص بالطالبات في القصيص.
وهكذا، بدأت كليات التقنية العليا في دبي، تحصد نتائج أسلوب التدريس المعتمد فيها، وهو التعلّم بالممارسة، الذي أدى إلى جذب الطالبات إلى الاختصاصات الهندسية.
ويبلغ عدد الطالبات في قسم الهندسة خلال العام الدراسي الجاري 57 طالبة، مُوزَّعات على اختصاص هندسة الطيران، بواقع 12 طالبة، و7 طالبات في الهندسة الميكانيكية، و20 طالبة في الهندسة الإليكترونية، و18 طالبة في الهندسة المدنية.
وفي هذا الإطار، كشف مدير كليات التقنية العليا في دبي، الدكتور سعود الملا، عن "اعتزام الكليات بدءًا من التاسع من أيلول/سبتمبر المقبل، إطلاق أول تخصص للهندسة في كلية الطالبات، وهو الهندسة الإليكترونية، وذلك نظرًا إلى الإقبال اللافت على هذا التخصص من قبل الطالبات".
واعتبر الدكتور الملا، أن "هذا الإقبال جاء نتيجة عدد من الأسباب، أولها النجاح الكبير الذي حققته الكليات في تدريس تخصصات الهندسة من خلال التعلّم بالممارسة، والتميز الذي حققه الخريجون في سوق العمل، إضافةً إلى توافر تخصصات غير موجودة في الجامعات الوطنية أو الاتحادية الأخرى".
ولفتْ إلى أن "كل تلك الأسباب دفعت طالبات الثانوية العامة المتفوقات اللواتي لديهن ميول هندسية إلى التسجيل لدى الكليات، مع وجود توقعات بزيادة أعداد الطالبات المسجلات في تلك الاختصاصات خلال العام الدراسي المقبل 2014-2015".
وأشار إلى أن "هذه التوقعات يدعمها واقع يفيد بأن بعض الأهالي يتحفظون على إرسال بناتهم إلى كلية الطلاب، لذلك فالعام المقبل يشهد زيادة ملحوظة في نسبة الالتحاق بكلية الطالبات".
وقال، إن "إدارة الكلية ترصد في الوقت ذاته أي توجّه لدى الطالبات في دراسة أي اختصاص هندسي أو علمي آخر، ليتم النظر فيه تمهيدًا لإطلاق برامج أخرى في مراحل لاحقة".
وعن تجربة انخراط الطالبات في كلية دبي للطلاب، قال، إنهن "أبدين التزامًا واضحًا بالمقررات الدراسية في الفصول الدراسية، كما خلقن منافسة عالية في تحقيق المعدلات الأعلى والأداء الأفضل، الأمر الذي أشاع بيئة تعليمية محفزة لدى الطلاب والطالبات على حدّ سواء".
وبالنسبة للخطوات التي تقوم بها إدارة كليات التقنية في دبي، لتشجيع الطالبات على دراسة التخصصات الهندسية، قال الدكتور الملا، إن "الكليات ترتبط باتفاقات وشراكات مميزة مع المدارس الثانوية في القطاعين العام والخاص"، مشيرًا إلى أنه "من خلال تلك الشراكات يتم تنظيم لقاءات مع طلبة الثانوية للتعريف بالتخصصات الموجودة والمطلوبة في سوق العمل وطريقة تدريسها".
وأضاف أنه "يتم من خلال تلك اللقاءات استقطاب الطلبة المتميزين بصورة خاصة، مع استمرار رصد آرائهم لمعرفة ميولهم الدراسية والعلمية لتحقيق مبدأ الشراكة بين التخصص والطالب الذي تنتهجه كليات التقنية".