معلمة تقوم بالتدريس لمجموعة من التلاميذ مستخدمة طريقة مجموعات القدرات
نيويورك ـ العرب اليوم
كان من الشائع سابقا بالنسبة للمعلمين في المدارس الابتدائية تصنيف الطلاب في فصولهم الدراسية بحسب قدراتهم، واضعين أكثر الطلاب تقدما دراسيا في مجموعة وأكثرهم تأخرا دراسيا في مجموعة أخرى. غير أن التصنيف على أساس القدرات وأسلوب «التتبع» المصاحب له، الذي تتباين فيه الفصول الدراسية
التي يلحق بها الأطفال حسب مستويات المهارات، لم يلقَ التأييد في فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، إذ وصفه المعارضون بأنه يعزز عدم التكافؤ بإدراج الطلاب الفقراء والمنتمين لأقليات في مجموعات منخفضة المستوى. الآن، عاد التصنيف على أساس القدرات للظهور مرة أخرى في الفصول الدراسية بمختلف أنحاء الدولة - وهو اتجاه أدهش خبراء التعليم الذين ظنوا أن الاحتجاج قد أدى لوقف انتهاج هذا الأسلوب.
ويشير تحليل جديد من قبل هيئة التقييم الوطني للتقدم التعليمي، وهي هيئة على شاكلة هيئات إحصاء تعدادات السكان متخصصة في الإحصاءات المدرسية، إلى أنه من بين معلمي الصف الرابع الذين تم استطلاع آراؤهم، أشار 71 في المائة إلى أنهم قد قاموا بتصنيف الطلاب حسب قدرات القراءة في عام 2009، وهو ارتفاع عن نسبة 28 في المائة في عام 1998. وفي الرياضيات، أوضح 61 في المائة من معلمي الصف الرابع قيامهم بتصنيف الطلاب على أساس القدرات، وهو ارتفاع عن نسبة 40 في المائة في عام 1996.
يقول توم لافليس، وهو زميل رفيع المستوى بمعهد «بروكينغز» كان أول من أشار إلى الاتجاه العائد في تقرير صادر في مارس (آذار)، ودرس الجدل المثار حول التصنيف: «تلك الأساليب كانت معيبة في البداية. وقد ولت تلك النظرة. لقد أصبح الأمر أقل إثارة للجدل».
يأتي إعادة ظهور التصنيف على أساس القدرات في الوقت الذي تنظر فيه نيويورك سيتي في حالة برامجها الخاصة بالموهوبين وأصحاب المهارات، وهو نوع من المتابعة في بعض المدارس الحكومية، الذي فيه يتم إلحاق طلاب بعينهم، تم انتقاؤهم من خلال الاختبارات، بفصول دراسية سريعة.
ويهيمن على هذه الفصول، التي تضم نحو 3 في المائة من طلاب المدارس الابتدائية، الطلاب البيض والآسيويون. وقد اقترحت كريستين كوين، المتحدثة باسم مجلس المدينة التي تخوض سباق الترشح لمنصب العمدة، زيادة عدد فصول الموهوبين، مع توسيع معايير القبول على أمل زيادة التنوع. (عارضت وزارة التعليم بالمدينة الاقتراح، مشيرة إلى أن استخدام المعايير - بدلا من الاختبارات - من شأنه أن يقلل من جودة الفصول الدراسية).
يقول المعلمون والمديرون الذين يستخدمون نظام التصنيف إن هذا الأسلوب قد بات ضروريا، إذ إنه يساعدهم في مواكبة مستويات القدرات والإنجازات المتباينة على نطاق واسع. حينما بدأت جيل سيرز التدريس بالمدارس الابتدائية في نيو هامبشاير قبل 17 عاما، أظهر طلاب الصف الثاني في فصلها في اليوم الأول مزيجا محيرا من مواطن القوة والضعف. فقد أنهى بعض الطلاب حل صفحات بكتاب التدريبات في مادة الرياضيات خلال دقائق قليلة، على حد قولها، بينما لاقى آخرون صعوبات في الانتهاء من نصف صفحة من الكتاب. قد يسبب الطلاب الأسرع فهما - والأسرع ضجرا - مشكلات، بينما قد يصاب الطلاب الأبطأ فهما في الإحباط ويعتريهم اليأس ويسيئون التصرف.
تقول سيرز، المعلمة بالصف الرابع في مدرسة «وودمان بارك» الابتدائية في دوفر بولاية نيو هامبشاير: «كانت تعليماتي موجهة للجزء الأوسط من فصلي، وكنت أتجنب نحو ثلثي طلاب الفصل. لم يرق لي هذا الأسلوب».
ومن ثم، فقد أعادت تنظيم فصولها الدراسية بالكامل. وقبل نحو عقد، بدلا من التدريس لجميع طلابها كمجموعة واحدة، بدأت تصنيفهم على أساس قدراتهم، وتدريس المادة نفسها لكل المجموعات، مع إعداد الأنشطة والواجبات المدرسية خصيصا بما يتوافق وكل مجموعة. وقالت: «أدركت فقط أنه بالنسبة لي لكي أتمتع برجاحة عقل في نهاية اليوم، بإمكاني فقط أن أقوم بهذه التغييرات».
ومع الاعتراف بأن البون الشاسع في الفصول الدراسية يشكل تحديا، أشار معارضو أسلوب التصنيف - بمن فيهم باحثون في مجال التعليم ومنظمات حقوق مدنية - في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين إلى أن هذا الأسلوب قد قسم الطلاب بشكل حتمي بحسب سمات تتوافق وإنجازاتهم، مثل العرق والمكانة. وبدأت بعض الولايات التوصية بأن تنهي المدارس أسلوب التصنيف في التسعينات من القرن الـ20، وسط مخاوف من أن تكون توقعات المعلمين للطلاب قد تشكلت بفعل التصنيفات الأولية، على نحو يقيد الطلاب بمسارات صارمة ويؤدي بالمعلمين إلى تخصيص مصادر أقل للطلاب الأقل مستوى.
«ينتهي الحال بالطلاب، الذين ينظر إليهم باعتبارهم أصحاب أقل القدرات، بأقل قدر من الفرص والموارد وبيئات التعلم الإيجابي»، هذا ما قالته جيني أوكس، مؤلفة «المتابعة: كيف تهيكل المدارس عدم المساواة»، وهي دراسة نقدية شائعة للتصنيف. وأضافت: «تفوق المخاطر الموثقة المعروفة حجم المكاسب المحتملة بدرجة هائلة».
وعلى الرغم من أن الموضوع يعتبر واحدا من بين أكثر المواضيع التي تمت دراستها من قبل الباحثين في مجال التعليم، فإن ثمة إجماعا محدودا حول تأثيرات التصنيف.
تشير بعض الدراسات إلى أن أسلوب التصنيف يمكن أن يدمر الاعتزاز بالنفس لدى الطلاب بضمهم لمجموعات أدنى مستوى؛ بينما يرى آخرون أنه يولد التأثير العكسي بضمان أن الطلاب الأكثر تقدما لا يجعلون نظراءهم الأقل تقدما يشعرون بأنهم غير مؤهلين. وتخلص بعض الدراسات إلى أن التصنيف يحسن من مجموع الدرجات في الاختبارات لدى الطلاب في جميع المستويات، بينما ترى دراسات أخرى أنها تفيد الطلاب المتقدمين دراسيا، بينما تضر الطلاب المتأخرين دراسيا، وما زالت دراسات أخرى ترى أنها لا تحمل تأثيرا يُذكر.
يرى مؤيدو أسلوب التصنيف أنه من دون هذا الأسلوب، يجبر المعلمون على التدريس للجزء المتوسط من الفصل الدراسي، تاركين كلا من الطلاب المكافحين والدارسين الموهوبين.. كما يشيرون أيضا إلى أن هناك «تأثيرا من جانب الأقران»، الذي فيه يبلي الطلاب المتقدمون دراسيا بلاء حسنا، إذا ما تم ربطهم بطلاب آخرين متقدمين دراسيا.
ويقولون إنه إذا ما تم انتهاج أسلوب التصنيف بحصافة ومرونة، فإنه يمكن أن يساعد جميع الطلاب. إن أسباب عودة هذا الأسلوب مبهمة. ينسبها بعض الخبراء إلى قانون «لا طفل يتخلف»، الصادر عام 2001، الذي عزز معايير المساءلة للمدارس. وبإجبار المعلمين على التركيز على الطلاب الذين لم يصلوا إلى حد الأدنى المطلوب للكفاءات والمهارات بفارق ضئيل، ربما يكون هذا القانون قد شجع المعلمين على تصنيف الطلاب المكافحين معا لإعدادهم لاختبارات قياسية.
وربما تكون التكنولوجيا أيضا قد لعبت دورا، على حد قول لافليس، حيث أصبح المعلمون يشعرون بقدر أكبر من الراحة في استخدام أجهزة الكومبيوتر في السماح للطلاب بالتعلم بسرعات مختلفة.
وفي مقابلات، قال كثير من المعلمين إنهم يرون أن أسلوب التصنيف الحديث لم يكن متحيزا، نظرا لأن المجموعات كانت في حالة تغير دائم. لكنهم اعترفوا بالتحدي الإضافي الممثل في إعداد التعليمات خصيصا لكل مجموعة، بحيث تثمر خطط دروس متعددة ومتابعة تقدم الطلاب عن كثب.
في 156 مدرسة حكومية في برونسفيل ببروكلين، التي تقوم بتسجيل أطفال معظمهم أميركيون من أصول أفريقية ومن أصول إسبانية، وكثير منها يقيم في ملاجئ للمشردين، تصنف كاثي فيل طلاب الصف الخامس لديها بشكل عشوائي في بداية العام مستخدمة عصيا منقوشة بأحرف. وبعد ستة أسابيع من إجراء الاختبارات للطلاب وملاحظتهم، تحولهم إلى «فرق» مؤلفة من سبعة أو ثمانية أفراد.
ربما يلحق الأطفال بمجموعات مختلفة للقراءة والرياضيات، ويمكنهم التنقل بين المجموعات في حالة إظهارهم تقدما، ويكافحون من أجل التكيف مع الطلاب الآخرين في إحدى المجموعات أو يكونون بحاجة لمساعدة إضافية في التعامل مع درس معين. تستخدم فيل تقييمات القراءة التي تجري ثلاث مرات سنويا واختبارا كل شهر في التأكد من عدم بقاء الأطفال في مجموعات تعتبر على درجة بالغة من التقدم أو البطء، بحيث لا تتوافق معهم، على حد قولها. على سبيل المثال، ترقى طالب هذا العام مجموعتين في كل من القراءة والرياضيات.
تقوم فيل بتدريس الدرس نفسه، سواء أكان مفهوما في الرياضيات أم كتابا، للفصل بأكمله، ولكنها تعطي كل مجموعة واجبا مختلفا. ومن خلال العمل على مجموعة من المفردات الجديدة أسبوعيا، ترسم المجموعات الأربع رسوما توضيحية وتكتب تعليقات باستخدام المفردات المنتقاة، ولكنها تشجع الفريق C، أكثر المجموعات تقدما، على كتابة عبارات أكثر تعقيدا، ربما باستخدام مفردتين جديدتين في العبارة نفسها. وهي تطلب أيضا من الأطفال في فريق C التدريس لأقرانهم من الطلاب في المجموعات الأخرى.
وقالت: «بنهاية اليوم، يتعلمون الكلمات نفسها، ولكن بمستويات مختلفة من التعقيد وبفروق طفيفة. وعندما تنقل الطلاب إلى مجموعات جديدة، تخبرهم بأن ذلك يرجع إلى أن بإمكانها تقديم المساعدة المثلى لهم هناك، وأنها تعتقد أنهم ينظرون للتصنيف بشكل إيجابي. يجب أن يتبع الأسلوب على النحو الملائم - لا يمكنك أن تجعل طفلا يشعر بأنه ضئيل نظرا لأنه في مجموعة A، أكثر مجموعاتها المتأخرة دراسيا»، على حد قولها. وأضافت: «إذا لم يكن لديك وصمة عار منسوبة للمجموعة، فإنني لا أرى أي مشكلة».
في فصل سيرز الدراسي في مدرسة وودمان الابتدائية في دوفر، تتنقل ثلاث أو أربع مجموعات من الطلاب على مدار اليوم، البعض يتعلم وهو يجلس على سجادة، بين يعمل آخرون في مكاتب. وقبل كل وحدة، تقوم بتصنيف الطلاب الـ26 على أساس تقييمات أولية، وتأخذ بضعة أيام لملاحظتهم في المجموعات الأصغر وتراجع المجموعات مجددا، في المعتاد يوميا.
في الوحدة العشرية، ربما تتعلم مجموعة إضافة أرقام عشرية باستخدام قوالب يمكنهم معالجتها بأيديهم، بينما ربما يستطيع طلاب مجموعة أخرى رسم النماذج من تلقاء أنفسهم. غير أنه ربما تقوم مجموعة أخرى بالممارسة باستخدام نظام العد العشري في الإضافة. ربما يطلب من آخر مجموعة تحليل مشكلة خاصة بالمفردات وتطبيق العملية الحسابية.
تقول سيرز، التي تشير إلى الأسلوب بوصفه تصنيفا ديناميكيا: «يمكنني بحق أن أعتمد على أدائهم، وأرى ما إذا كانوا بحاجة للترقي إلى المجموعة التي ستساعدهم في تقييم المحتوى نفسه بطريقة صالحة بالنسبة لهم أم لا». وتتساءل: «هل يعتبرون بمثابة متعلم متجرد؟ هل هم بحاجة لرسم صورة، أم تحريك أجسامهم؟ أم يروق لهم العمل بمفردهم؟».
وقالت إن الأطفال الأقلية في فصلها كانوا موزعين بالتساوي بين المجموعات. ويمثل الأطفال الأميركيون ذوو الأصول الأفريقية وذوو الأصول الإسبانية نحو 15 في المائة من عدد الأطفال بمدرسة «وودمان» الابتدائية، حسبما أشار إليه مدير المدرسة، باتريك بودي. ويسمح لأكثر من نصف طلاب المدرسة بتناول غداء مجاني أو بتكلفة مخفضة. وتمثل عوامل اجتماعية اقتصادية مؤشرا قويا على الموضع الذي سينتهي إليه الطلاب بخلاف العرق، على حد قوله، مع انتشار الأقليات بين المجموعات، ولكن مع اندماج كثير من الأطفال الأفقر في مجموعات الفئات الأدنى والبرامج العلاجية.
وقال إن التصنيف على أساس القدرات طالما كان أسلوبا شائعا في المدارس لمدة عقد على الأقل، وبدأ المزيد من المعلمين يصنفون الطلاب في مادة الرياضيات بالمثل. لقد انتهجت المدرسة هذا الأسلوب، إلى حد أن سيرز سوف تذهب إلى ولاية ماين هذا الصيف لتدريب المعلمين في منطقتين في مجال التصنيف.
وقال بودي: «التصنيف الديناميكي هو النمط المعتاد، وسوف يظل على هذا النحو».