أثينا ـ سلوى عمر
تتميز اللغة اليونانية القديمة بنغمات مختلفة، الأمر الذي يجعلها موسيقية للغاية، كما أنها تضم مجموعة من روابط الجمل التي قد تؤدي إلى تغيير المعنى. كما أن الربط بين الشجاعة والخير لم يكن من قبيل الصدفة في اللغة ذاتها.
عُدت بذاكتي 25 عامًا إلى الماضي حين تذكرت أيام المدرسة، كنت أمشى في طريق Sacred Way in Ephesus وهي واحدة من أعظم المدن الكبرى في العالم القديم على الساحل الغربي لتركيا، حينها تذكرت تلك السنوات التي قضيتها في تعلم المفردات اليونانية في مدرسة Westminster، تذكرت أستاذ اللغة اليونانية القديمة وهو يخبرني أن كلمة "agathos" تعنى "good" وأن اسم Agatha يعنى "الفتاة الجيدة"، تذكرته أيضا وهو يعلمنا أن "agathos" تعنى " الشجاعة".
أتذكر أنني كنت أتعلم قوة الحظ في اليونانية القديمة، حيث يُرى الحظ باعتباره "قوة شبه إلهية"، في تلك اللحظة تذكرت كمية المعلومات في الدروس اليونانية، والأفكار في تلك الدروس والتى تبدو غير ذات صلة بحياتى في الثمانيات في سن المراهقة، بعد أن تشابكت تلك الأفكار في شبكة معقدة وانتشرت عبر آلاف السنين.
وعندما كنت أسافر إلى Odysseus وفي أنحاء اليونان على مدى السنوات الثلاث الأخيرة وأنا أجري بحثا لكتابي الجديد، كنت أشكر الآلهة على التعليم الدقيق لأساسيات لغة الحضارة الغربية لأوروبا، وتذكرت المعلم الملهم هيكتور الذي كان يتحدث عن قوة الكتب العظيمة حين تمتد يد الكاتب إلى الصفحات المختلفة لتقرأ أنت الكتاب، ويعد هوميروس هو الأقدم فهو يقدم لك الكتاب لتفكر أنت وتقول "نعم هكذا يبدو البحر، هذه هي الطريقة التي تشعرك برغبة في نوم عميق، هذا هو الرعب من الوحدة"، لم أكن أعرف أنني ستأذكر كل تلك الروابط الساحرة عندما كنت أذكر أيام الدراسة، لم أكن مخطئا عندما كنت أرى أن اللغة اليونانية صعبة، فكما يقول الناس "الأمر كله بالنسبة لي يوناني" في إشارة إلى مدى صعوبة اللغة، إنها لغة صعبة بسبب اختلاف نصوصها عن الإنكليزية عكس اللاتينية، كما أن اللغة اليونانية لديها الكثير من الالتواءات مثل تغيير نهايات الكلمات بشكل أكثر من اللاتينية، في المتوسط فالأخيرة لديها أكثر من 200 نهاية للأفعال، والإنكليزية بالكاد لديها أكثر من 5 نهايات، أما في اليونانية فالأمر يتعدى الآلاف.
ولدى اللغة اليونانية الكثير من الأشكال التي لا تستخدم في الإنكليزية مثل الفعل الدال على التمني أو الرغبة في شئ ما، وكذلك هناك كلمات مزدوجة بها أيضا وهذا غير موجود في اللغة الإنكليزية الحديثة، واللغة اليونانية لها الأصل الهندي الأوروبي مثل اللاتينية، ولكن على الرغم من أن اللغات Sanskrit وTeutonic وCeltic جاءت قبل اللاتينية إلا أنها لغات أكثر مرونة في التعبير والمعنى والصفات، كما أن لديها حزمة من روابط الجمل التى قد تؤدى إلى تغيير المعنى .
أما اللغة اليونانية القديمة فلديها نغمات مختلفة مما يجعلها لغة موسيقية للغاية، وكان لشعر Sappho في وقت مبكر من القرن السابع قبل الميلاد صوت تناغمي "ربع نغمة"، ولذلك كنت أجد اليونانية صعبة في مدرسة Westminster أكثر من مدرستى الاإدادية شمال لندن North" Bridge House" وفيها بدأت تعلم اليونانية وعمرى 11 عامًا ولكن في وقت لاحق سعدت كثيرا بتعلم اليونانية، ولكن كان الأمر صعبة، بما يشبه تراكم بذور المعرفة لعقود طويلة حتى تنمو النباتات وتتطور، ولكننى الآن ممتن لما تعلمته، بعد أن قضيت ساعات طويلة وبطيئة حتى تمكنت من اكتشاف الجمال الداخلي لليونانية، لكنه أمر مأساوي بالنسبة لي عندما أعلنت مدرسة Camden للفتيات وهي آخر مدرسة بريطانية كانت تعلم اليونانية حتى A-level، لكنها أعلنت أنها ستتوقف عن فعل ذلك.
مرة أخرى إلى مدينة Ephesus حيث كانت النقوش اللاتينية أكثر ندرة من تلك اليونانية، وذلك بالرغم من كون Ephesus أصبحت مدينة رومانية في 129 قبل الميلاد، وفي ظل الحكم الروماني كان سكان المدينة يتحدثون مزيجا من اللاتينية و Phrygian و Lydian ولغة الأناضول القديمة واليونانية، ولكن تسيطر اللغة اليونانية على النقوش في المنازل والتماثيل المختلفة والمعابد في Ephesus، بينما اقتصر وجود الللغة اللاتنية على المبانى الإمبراطورية الرسمية مثل grand gate of Mazeus و Mithridates والتي بنيت على يد اثنين من العبيد المحررين عام 40 ميلادية على شرف الإمبراطور Augustus، وكتبت نقوس على البوابة العظيمة جاء فيها " Mazeus و Mithridates يهدون هذا الصرح الكبير إلى الابن الإلهى يوليوس قيصر، وإلى الكاهن الأعظم أوغسطس، والذى كان قنصلا 12 مرة و tribune 20 مرة، وأيضا إلى Livia زوجة أوغسطس، وإلى Marcus Agrippa الذى كان قنصلا لثلاث مرات، و tribune 6 مرات، وإلى جوليا ابنة القيصر أوغسطس".
وحصلت على صورة بها نقوش باليونانية تحمل مجموعة رسائل عن الحظ، وإذا كنت تعلم اليونانية فإنك فقط لا تتعلم اللغة الأساسية للحضارة الأوروبية ولكنك تتعلم اللغة الأولى لكتابة أشياء عدة مثل الكوميديا الأولى والمأساة الأولى، وكما قال Milan Kundera إنها لغة كتابة الرواية الأولى " the Odyssey". فاللغة اليونانية هي الأولى التى صيغت بها الكثير من الأفكار والمشاعر، ولأنها أول لغة تصل هناك فإنك تحصل على توصيفات أصلية نقية خالية من المحفوظات أو التقليد.
وبعد انتهائى مي " odyssey" قرأت مقابلة مع Cardinal Gianfranco Ravasi وهو أفضل كلاسيكي في الفاتيكان، وقرأت النص التالى "أنت لا تدرس اللاتينية أو اليونانية حتى تتحدث بهما، ولكنك تدرسهما بهدف الاتصال المباشر مع حاضرة شعبين هما حجر الزاوية للمجتمع الحديث، أنت تدرسهما لتكون نفسك ولتعرف نفسك"، كنت أسخر من المزاعم التى تصفها بكونها لغة ميتة، ولكنى الآن أقدر حقيقة أن "اليونانيون خلقوا العالم الأوروبى الحديث والعقل الحديث أيضا"، لقد تهاوت اليونان الحديثة إلى الأسفل حاليا بعد أن كانت عجلة القيادة الأساسية للفن الغربى والعمارة والأدب والسياسة، ولكن في رحلاتي أرى آثارً من الحضارة العظيمة واللغة تقفز في الحقيقة والحياة المادية