التعليم


«الحياة قبل كورونا والحياة بعد كورونا» من أشهر ما سمعنا في عام 2020 وما قد نسمع أيضا في عام 2021. ومما لا شك فيه أن جائحة كورونا قد ألقت بظلالها على العالم أجمع وعلى مختلف مناحي الحياة سواءً الشخصية أو الدراسية أو المهنية أو الأسرية أو الاجتماعية وغيرها، بالإضافة إلى تأثيرها علينا كأفراد وبشكل خاص على مشاعرنا وانفعالاتنا بغض النظر عن أدوارنا في الحياة. بل وطالت ظلالها نظرتنا لبعض الأمور، واعتقاداتنا نحو بعض القضايا كالاعتماد على التقنية واستخدام الأجهزة الذكية في التعليم، تحديداً، والتي كانت حتى حقبة زمنية سابقة (ما قبل كورونا) من الأمور غير المحبذة والتي تدور حولها التحذيرات السلبية والشكوك. وكما تبرمجت أذهاننا أنها سلاح ذو حدين، فها نحن الآن نسلمها بإرادتنا لأبنائنا ونحن ممتنين لوجودها في حياتنا دون إنكار الجانب السلبي لها إن وظفت بطريقة خاطئة.

- شخصية الطفل المتزنة

تحدثت إلى «صحتك» الأستاذة ريم جميل عبد الرزاق اختصاصية نفسية وباحثة في تحليل السلوك التطبيقي ومؤلفة سلسلة كتب 50 فكرة للتعايش الإيجابي مع الأشخاص ذوي الإعاقة – فأوضحت أنها كمتخصصة في علم النفس سوف تبدأ حديثها بالتأكيد على أن طريقة تعامل الوالدين مع أبنائهما، والتي تتسم بالحب والاحترام والثقة والمدح وتشجيع الحوار واتباعهما استراتيجيات التنشئة الصحيحة المتزنة البعيدة عن الدلال المفرط أو الإهمال والقسوة، هي حجر الزاوية لتكوين شخصية تتسم بالاتزان الانفعالي، شخصية مشبعة عاطفياً تعتبر الوالدين هما مصدر أمانها الأساسي واللذان يتم اللجوء لهما بالأسئلة وبالحوار الواعي المنفتح في حال تعرضهم لأي تحديات ومشكلات مصدرها التقنية كالتنمر الإلكتروني وغيره.

وأضافت: قد تجول في خواطرنا علامات التعجب من التغيرات المتسارعة الناتجة عن هذه الجائحة والتي غيرت بوجودها نمط حياة بأكملها ولم تترك لنا حتى الخيار كي نتأقلم معها أو لا! الأمر ذاته ينطبق على الأسرة، التي اختلفت بوصلة حياتها كلياً أمام ضرورة تواجد أبنائها لساعات طويلة للتعليم عن بعد عن طريق الأجهزة الذكية، وربما تراودها بعض المشاعر والانفعالات السلبية كالخوف والقلق على أبنائها والتي قد تترجمه أذهانهم إلى أفكار وتساؤلات منطقية يتمحور جلها في كيفية الاستفادة القصوى للأبناء من هذا النمط من التعلم، وحمايتهم من الآثار السلبية المحتملة من التواجد لفترة طويلة على هذه الأجهزة، وكيفية توعيتهم بمخاطر العالم الافتراضي وغيرها من التساؤلات. وربما نضيف تساؤلا يميل للتفاؤل والإيجابية قليلاً وهو كيف نجعل هذه التجربة سعيدة وممتعة لأبنائنا تحقق لهم الرضا الذاتي.

- مهارات وممارسات

وأشارت الاختصاصية ريم عبد الرزاق إلى أن هناك مجموعة من المهارات، يجب ألا نغفل عنها، والتي يمكن أن تساهم الأسرة في تنميتها في أبنائها ليكونوا هم خط الدفاع الأول عن أنفسهم بوعيهم، بثقتهم بأنفسهم، بحكمتهم، وبشخصياتهم القوية المتزنة. ولا يتم ذلك عن طريق النصائح النظرية، فقط، بل بممارسات عملية ترسخ هذه المهارات في الأبناء. ولعل من أهمها ما يلي:

> مهارات الوعي الذاتي والإحساس بالمسؤولية الذاتية، فالأسرة تبني أولى لبنات هذا الوعي في أبنائها بتسليطها الضوء على نقاط قوتهم ومهاراتهم وتشجيعهم وتعزيزهم إيجابياً لتشكيل سلوكياتهم وإيضاح كيفية الاستفادة من نقاط قوتهم خلال شق طريقهم التعليمي عن بعد بأمن وأمان.

> مهارة حل المشكلات، وهي من المهارات الهامة والتي تعني القدرة على إيجاد الحلول الفعالة لمختلف المشكلات التي قد تواجه الفرد. حيث يقوم الوالدان بعرض وتحديد المشكلات المحتملة التي قد يتعرض لها الأبناء خلال التعليم عن بعد، ثم، وعن طريق الحوار والنقاش، يقترحون سوياً الحلول والخيارات والبدائل لتجاوز هذه المشكلات، وقد يفيد السرد القصصي للأبناء في جميع المراحل وخاصةً مرحلة الطفولة.

> مهارات التنظيم الذاتي والتقييم الذاتي، والتي تعتبر عملية توجيه ذاتي يتم من خلالها توظيف الفرد لقدراته العقلية، ولأفكاره، ومشاعره وسلوكياته وتصرفاته التي يقوم بها بناءً على دوافعه الداخلية ومن ثم يقوم الفرد بمراقبة سلوكه وتأمل ذاته وتقييمها. وهذه المهارة هي من المهارات الأساسية التي إن تم تنميتها في الأبناء قد تساهم لحد كبير في الراحة النفسية النسبية للأمهات والآباء لتيقنهم أن وجودهم أو عدمه ليس هو المحرك الأساسي لسلوك أبنائهم بل هو صادر من دافع داخلي. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن أدوات تعليم مهارة التقييم الذاتي تختلف بحسب المرحلة العمرية للفرد ولكن بشكل عام تنمية مهارة تقييم الطفل/ المراهق لذاته وتحديده «الصحيح من الخاطئ» وفقاً لما تم غرسه من الوالدين من مبادئ وقيم قد تعتبر الجوهرة العلمية والعملية الفريدة التي سيسطع بريقها على مدى المراحل العمرية المختلفة للفرد. وتلخص، الاختصاصية النفسية ريم عبد الرزاق، كل ما سبق بأن الشخصية السابقة المتسمة بالاتزان الانفعالي، المشبعة عاطفياً، الواعية بذاتها وبمهاراتها، قد تجد الطريق ممهداً لها أن تسلك طريق السعادة بتلقي العلم وتذوق حلاوة التعلم سواء كان مباشراً أو عن بُعد... هي شخصية مستمتعة باكتساب المعارف وتطبيق المهارات بأي أداة كانت بمشاركة أسرتها الداعمة، وسرعان ما تحدد أهدافها وتنتقي أجمل نقاط قوتها لتوظفها في تحقيق ازدهارها ورضاها الذاتي في الحياة التي أصبحت ذات معنى وهدف تعيش من أجله.
وبعبارة أخرى عندما ننجح في جعل التعلم ذا معنى لأبنائنا ويستمتعون بالاستغراق في تفاصيله التي تمسهم مباشرة في حياتهم، نكون هنا قد قطعنا شوطاً كبيراً في نجاح تنشئة أبنائنا وإكسابهم مهارات أساسية يستطيعون معها توجيه بوصلتهم بفعالية ونجاح ومرونة لتتوافق مع بوصلة الأسرة وبوصلة الحياة المتغيرة باستمرار سواء تلك الحياة التي قبل كورونا أو بعدها.
- تحديات التعليم الافتراضي
إن عودة الحياة تدريجيا للروتين اليومي أمر ليس بالبسيط ولا بالشكل الذي اعتدنا عليه، خصوصا ونحن نعود إلى التعلم في الفصل الثاني من العام الدراسي تعلما عن بعد بالمنزل بسبب كوفيد - 19 محافظةً من الدولة على سلامة أطفالنا. وهذا مما سيجعل كثيرا من الأهالي يواجهون خلال هذه الفترة بعض التحديات، فيصعب على الأهل التعامل مع عدة أمور في وقت واحد سواء إدارة الأعمال المنزلية أو التربية أو التدريس، خصوصا إذا كانت الأم عاملة. وتدور في أذهان الوالدين وخصوصا الأمهات كثير من الأسئلة:

> بعضها ما يختص بالطفل نفسه خلال التدريس الافتراضي؛ كيف سيكون تحصيله الدراسي؟ وهل يستطيع أن يتفاعل مع المعلم ويشارك في الفصل؟ وهل سيتمكن من المواد والمتطلبات التي تعطى له؟

> والبعض الآخر من الأسئلة يتعلق بالأم؛ هل سأتمكن من التعامل مع استمرار الوضع الجديد؟ هل أستطيع إدارة الوقت ومتابعة الأطفال وكل منهم في مرحلة دراسية مختلفة؟
> وجزء ثالث يدور حول عملية التدريس وكيفية التعليم وإلى متي سيستمر هذا الوضع؟
أجابت على هذه التساؤلات الأستاذة هيفاء عبد الوهاب الشامسي اختصاصية نفسية إكلينيكية في مجمع العناية النفسية بالرياض وفي مدينة الملك عبد العزيز الطبية سابقا – موضحة أن كل هذه التساؤلات والأفكار التي تدور في أذهان الأهالي تعتبر تلقائية ومتوقعة، وقد يصاحبها كثير من المشاعر المختلطة التي يشعر بها الأهل مثل الشعور بالغضب تجاه القرارات الدراسية أو طريقة التعليم أو الشعور بالإحباط والقلق والتوتر، والحيرة التي تخفي تحتها فكرة إلى متى؟! أو مشاعر تأنيب الضمير ولوم الذات لفكرة تراود الأم أنها بعيدة عن طفلها ولم تكن بجانبه لمساعدته أثناء الدرس الافتراضي، أو التشكيك في قدرة الطفل أو قدرة الأهل في التعامل مع كل هذه الضغوط.

وهنا، تطمئن الأستاذة هيفاء الشامسي أفراد الأسرة بعدم القلق أو التوتر فكل ما تمر به الأسرة في هذه الظروف أمر طبيعي لأننا نواجه وضعا جديدا تحاول فيه الأسرة أن تبحث عن طريقة تساعدها في التعايش مع هذه الحياة الجديدة بأقل الأضرار... ومن الملحوظ أنه مع انقضاء الفصل الأول من الدراسة وجدنا كثيرا من الأهالي قد تمكنوا من التأقلم والتعايش مع الوضع الجديد والتعليم الافتراضي في المنزل.

- خطوات للتكيف الدراسي
تقدم الاختصاصية النفسية هيفاء الشامسي عددا من الخطوات التي تجيب في مضمونها على معظم التساؤلات وتضع حلولا لها وقد تساعد الأسرة في التكيف مع الوضع الدراسي (المنزلي)، وهي:

> في البداية تذكر أنك المثل الأعلى والقدوة لأطفالك، وتعاملك مع هذه الضغوطات بشكل إيجابي سيساهم في خلق جو آمن يحقق احتياجات أطفالك.

> التزم بالروتين اليومي الخاص بك وبأطفالك، وكن مرنا في هذا الروتين بتحديد وقت محدد للنوم – وأن تتواجد معهم أثناء الوجبات الرئيسية أو على الأقل أن تكون متواجدا في إحداها، واتبع نمط حياة صحي مناسب للعائلة جميعا.

> كن نشطا ومارس الرياضة مع أطفالك وشاركهم أي نشاط حركي آخر على الأقل 3 أيام في الأسبوع سواء المشي، لعب الكرة، السباحة أو ممارسة اليوغا.

> اخلق جوا من المرح والمتعة في المنزل ولا تجعل علاقتك فقط تدريس أو مساعدة الطفل في حل الواجبات وتذكر أن طفلك يحتاج لأن يتواصل ويتفاعل معك بطرق مختلفة وأنت مصدر البهجة بالنسبة له.

> احم أطفالك من الوسائل الإلكترونية، فحاليا هي منصة للتعليم والتزود بالمعلومات واللعب، لكنها وفي نفس الوقت هي كذلك مصدر غير آمن وخطر على الأطفال، لذا عليك وضع بعض القوانين الواضحة المناسبة لعمر طفلك (متى – أين – كيف؟) يستخدم هذه الأجهزة، مع توضيح الأسباب الخاصة بهذه الأنظمة.

> تواصل مع المدرسة واسأل عن المهارات المطلوب إتقانها من طفلك خلال هذا العام، وركز على بناء المهارات التعليمية المناسبة لعمر الطفل ولا تجعل هدفك الحصول على علامات التفوق.

> قم بمراعاة مشاعر أطفالك، كن مستمعا جيدا لهم، استمع لأفكارهم ومخاوفهم واجعلهم يشعرون أن كل مشاعرهم طبيعية وأن من حقهم التعبير عما يجول في أذهانهم.

> وفي ظل هذه الظروف، احرص على بناء القيم لدى أطفالك، فعوضا عن أن تجلس مع أبنك أو ابنتك أثناء الحصص الدراسية دعه يعتمد على ذاته وردد أمامه أنك تثق به وأنه شخص مسؤول يستطيع أن يتابع دروسه لوحده، ووضح له أنه دائما يستطيع طلب المساعدة وأنك ستكون بجانبه إذا احتاج لذلك، تذكر أن هذه الطريقة تساعد في تعزيز ثقته بنفسه.

> آخرا وليس أخيرا، إذا وجدت أنك تواجه كثيرا من الصعوبات ولم تتمكن من التعامل مع هذه الضغوط، أو ظهرت بعض السلوكيات غير المرغوبة لدى طفلك بإمكانك التوجه للمختصين في الصحة النفسية لتحصل على الاستشارة اللازمة وتتلقى أنت وطفلك الدعم المطلوب.

في النهاية، نطمئن الجميع ونؤكد لهم أن التعليم عن بعد هو الحل الأمثل والآمن لنا ولأطفالنا خلال هذه الفترة، وبالتزامنا بقوانين العودة بحذر وتطبيقنا للقواعد والخطوات العلمية فإننا نقوم بدور أساسي وفعال نحو أبنائنا وأسرتنا ومجتمعنا ونتعاون لعدم نشر الفايروس، وهذه هي القيم التي سيتعلمها أطفالنا منا «الالتزام والحرص والمسؤولية» وهي جزء من واجبنا كأفراد في هذا المجتمع.


قد يهمك ايضًا:

تعرف على السن المناسب لتعليم الطفل لغة جديدة

 

تعرف على العلاقة بين التعليم الإلكتروني والفروق الفردية بين التلاميذ