غزة ـ محمد حبيب
بات الخريجون في قطاع غزة يشعرون بالإحباط الشديد مع تزايد أعدادهم وانضمام الآلاف منهم إلى جيش البطالة، فلا تظهر في الأفق أية بوادر لتحسن أوضاعهم وانفراج أزمتهم، التي تتفاقم يومًا بعد يوم في ظل ضيق مساحات التوظيف المتاحة والزيادة الهائلة في أعداد الخريجين كل عام. ولا تُشجِّع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة على الأمل والتفاؤل،
بعد فشل الغلاف من الخريجين في الحصول على وظيفة رغم محاولاتهم المتكررة.
وتوقَّع الخريج إبراهيم عماد أن يكون العام المنقضي 2013 أفضل من العام الجديد 2014، الذي سيشهد تقليصًا في عمل المؤسسات الدولية والأممية وبرامج تشغيل الخريجين، حسب ما سمعه من أصدقاء له وعاملين في هذه المؤسسات.
وأوضح نصر الذي عمل لفترة محدودة في برامج التشغيل الموقت أن فرص الخريجين الأكثر في العمل كانت من خلال عمل المؤسسات الأهلية والدولية التي بدأت بتقليص عملها منذ فترة، لافتًا إلى أنه علم بنية هذه المؤسسات في تقليص عملها في برامج التشغيل المؤقت للخريجين.
ولا تُعوِّل الخريجة أماني الدقاق كثيراً على الوظائف الحكومية نظراً إلى محدوديتها، خصوصاً إذا ما قررت الحكومة المقالة استيعاب الموظفين الذين توقفوا عن العمل بعد الانقسام.
وتحدثت الدقاق خريجة اللغة الانجليزية منذ سنتين بمرارة عن قسوة البحث عن الوظيفة وشروط المؤسسات للعمل فيها، مبينة أن برامج التشغيل المؤقت للخريجين كانت النافذة الوحيدة أمامها للعمل بعد تخرجها.
ولا ترى أن العام الجديد منقذ للخريجين أو الحد الأدنى منهم، ما لم تفتح الأسواق الخارجية أمامهم بشكل كبير.
أما الخريج أمجد السويركي فيستعد لخوض عام آخر من التطوع في المؤسسات حتى تحين الوظيفة، سواء الرسمية أو في مؤسسات أهلية وشركات، مشيراً إلى أن التطوع أكثر رحمة من الجلوس في المنزل والابتعاد عن سوق العمل.
وعلى الرغم من نيته في العمل متطوعا إلا أن السويركي بدأ يشعر بالملل بعد دخوله هذا المجال منذ ثلاثة أعوام دون بوادر أمل أو وعود جدية في وظيفة تنقذه من براثن الفقر والعوز.
وانتقد بشدَّة طرق التوظيف التي تتم على كافة الصعد وفي مختلف المؤسسات، وكذلك الرواتب الضخمة التي يتقاضها بعض الموظفين بينما يوجد آلاف الخريجين الأكفاء من دون عمل.
ولم يخف خشيته من تأثير الخريجين الجدد على حظوظ الخريجين القدامى في الوظيفة، مشيراً إلى أن العديد من الموظفين الجدد يشغلون وظائف من حق الخريجين القدامى لا سيما في المؤسسات.
وبالنسبة إلى الخريج عبد الكريم فريد فإنه لا يرى فرقًا بين العام المنصرم والعام الجديد، إلا إذا حصل على وظيفة، وهو أمل ضعيف، كما يقول.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة نيتها تشغيل 5 آلاف من خريجي قطاع غزة العاطلين عن العمل حسب معايير محددة ولمدة عام كامل؛ توافد آلاف الخريجين القابعين في "مستنقع" البطالة إلى مكاتب وزارة العمل في جميع محافظات قطاع غزة للتسجيل وتحديث بياناتهم أملاً في فرصة عمل تحميهم من جحيم البطالة.
ويَعتبِر خريجو غزة إعلان الحكومة عن توفير فرص عمل لهم - ولو أنها مؤقتة- فرصة ذهبية ستنتشلهم من البطالة والجلوس في المنازل وعلى قارعات الطريق من دون عمل، خاصة بعد إعلان الحكومة دراسة مشروع زيادة فرص العمل من 5 آلاف إلى 15 ألف فرصة.
وأبدى الشاب محمد الطويل سعادته وارتياحه إزاء قرار الحكومة الأخير،وقال: "الإعلان عن توفير فرص عمل للخريجين خطوة مُرحب بها وتأتي في الوقت المناسب، إذ من شأنها تخفيف نسبة البطالة المستشرية في قطاع غزة.. كخريج سعيد جداً بهذا القرار، وأتمنى أن أحظى بفرصة مناسبة من بين تلك الوظائف التي سجلنا لها في مكاتب العمل".
وأوضح الطويل- وهو خريج قسم أشعة طبية- أنه مستعد للعمل في أي زمان ومكان، من أجل توفير لقمة عيشه والاعتماد على نفسه بعدما تخرج من الجامعة، مضيفاً: "أدعو الله أن تُمنح لي هذه الفرصة في العمل، فأنا أتابع يومياً مواقع الإنترنت منتظرًا قائمة الأسماء التي ستعلنها الحكومة للعمل". أما هديل بركات 27عاماً، فأكَّدت: "تخرجت منذ 4 سنوات، ومنذ ذلك الحين وأنا أسجل هنا وهناك، لعلي أجد فرصة عمل، ولكن دون جدوى، فأنا لدي 3 من الأبناء وزوجي يعاني من ضائقة مالية خانقة، وأسأل الله أن أحصل على فرصة العمل هذه، كي يتسنى لي مساعدة زوجي وأولادي في المصاريف والعيش بكرامة".
ولم تختلف قصة الخريج محمد لبد 25 عاماً عن سابقيه، فمحمد طالب تخرج من جامعة الأزهر من كلية الزراعة منذ 3 سنوات، أعلن: "لم تُمنح لي فرصة العمل في المجال الزراعي، وأسعى من خلال الحصول على هذه الوظيفة المؤقتة إلى مسح بعض الهموم والأحزان التي ألمت بي طيلة الفترة السابقة بسبب عدم توفر فرصة عمل كريمة".
ورغم إعلان حكومة غزة عن آلاف الوظائف للخريجين العاطلين عن العمل، إلا أن كثيرا من الخريجين لم يتفاءلوا كثيراً بهذه الوظائف، وأبدوا تخوفهم من أن يقوموا بالتسجيل والانتظار دون فائدة أو نتيجة.
وأوضح الشاب سليمان عثمان: "شبح البطالة يطاردنا في كل وقت، ومنذ تخرجي من الجامعة وأنا أبحث عن فرصة عمل، وغالباً ما تتدخل الواسطة والمحسوبية في اختيار الموظفين". وبيَّن أنه قام بالتسجيل للوظائف المُعلن عنها، إلا أنه غير متفائل كثيراً بالنتائج. منوهًا: "مشكلة البطالة في ازدياد ولا حلول جذرية من قبل الحكومة أو المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة.. أخشى ألا أحظى بفرصة عمل ضمن مشروع تشغيل الخريجين".
ودعت الخريجة دعاء إبراهيم الحكومة في غزة إلى: "استغلال أموال الدعم الدولي في مشاريع مثمرة تشغل الخريجين وتنهي معاناتهم، في كل عام يزداد عدد الخريجين بالآلاف في قطاع غزة وكافة محافظات الوطن، وكثيراً ما نسمع عن دعم لقطاع غزة سواء من دولة قطر أو غيرها، أين تذهب تلك الأموال؟، أليس من الأولى أن تنهي معاناة آلاف الخريجين العاطلين عن العمل؟".
ولا شك أن الحكومة الفلسطينية في غزة تقف عاجزة أمام عشرات الآلاف من الخريجين الغزيين بسبب الحصار المفروض عليها؛ مما يمنع المانحين والدول من تقديم الدعم اللازم لتشغيل الخريجين والعاطلين عن العمل. وكان نائب رئيس الوزراء بحكومة غزة زياد الظاظا أعلن أنه تم تشكيل لجنة لترشيح الأسماء المستفيدة من برنامج البطالة فور الإعلان عن صدور القرار، موضحاً أنه ستتم المطابقة بين قوائم الناجحين في ديوان الموظفين العام والمسجلين في برنامج سوق العمل الفلسطيني للوصول إلى الفئة المستهدفة وترشيحهم للعمل منذ بدء شهر شباط/ فبراير 2013 حتى نهاية الشهر ذاته 2014 وقيمة الراتب 1000 شيكل شهرياً (تقريباً 270 دولارا).
وأكَّدت وزارة العمل أن معايير قبولها للمسجلين في برنامج "سوق العمل الفلسطيني" الذي أعلنت عنه مؤخراً والذي يتمثل في توظيف مؤقت لأكثر من 5 آلاف خريج من خريجي قطاع غزة "من المستحيل أن تكون مرتبطة بلون أو طيف أو توجه سياسي"، مبينة أنها حق للجميع. فيما أكدت وزارة الاقتصاد الوطني في الحكومة الفلسطينية بغزة أنها عاكفة على تقديم دراسة من أجل رفع عدد المستفيدين من نظام التشغيل المؤقت من 5 آلاف فرصة عمل إلى 15 ألف فرصة، مبينة أن ذلك هو عبارة عن "دارسات واقتراحات ستقدمها الوزارة للحكومة من أجل النهوض بالمستوى الاقتصادي والاستثماري في قطاع غزة".
وأكَّد الناطق باسم الوزارة طارق لبد أن وزارته تسعى بكل ما تملك من قوة من أجل توفير فرص عمل للخريجين من خلال كافة الوسائل المتاحة بهدف تعزيز قدراتهم من خلال العمل، ضمن مشاريع تقام داخل الوطن.
من ناحيته، يرى خبير ومحلل اقتصادي الدكتور ماهر الطباع أن معالجة مشكلة الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل تتطلب أولاً معالجة ضعف الارتباط بين التعليم ومتطلبات سوق العمل، حيث يؤكد أن النظام التعليمي الفلسطيني لا يستطيع أن يخرج العمالة المناسبة لحاجات سوق العمل وفق دراسات وخطط معدة.
وأكَّدَ الطباع أنه يتوجب تطوير برامج تدريبية لتحقيق مرونة للعمالة لتكون قادرة على التجاوب مع التغيرات التكنولوجية، التي قد تتطلب الانتقال بين القطاعات الإنتاجية المختلفة.
وأوضح أنه "يتوجب توفير المعلومات والبيانات عن طبيعة الأنشطة الاقتصادية وتطورها وأساليب الإنتاج المستخدمة، ومعرفة حجم وطبيعة المعروض من قوة العمل وتقدير الطلب عليها، مما يمكِّن من تقدير احتياجات الأنشطة الاقتصادية المختلفة من مختلف فئات المهن والمهارات".