بغداد – نجلاء الطائي
بغداد – نجلاء الطائي
ردد 91 خريجًا من المعهد القضائي (الدورة 34)، الخميس، اليمين القانونية للعمل كقضاة في ميادين المحاكم، في احتفالية حضرها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي مدحت المحمود، وعدد من رموز السلطة القضائية.
وقال المحمود في كلمته "أتطلع في وجوه الخريجين المضيئة، ويتضح أمامي مستقبل زاهر للقضاء العراقي،
الذي نفخر به، لما أداه هذا القضاء من دور في حفظ السلم الاجتماعي، وفي تحقيق العدالة"، مؤكدًا أنه "للقضاء دور لا أستطيع أن أسميه مهنة، وإنما هو رسالة سيحملها الخريجون الجدد، بكل أمانة، كما حملها الذين من قبلهم"، ومشيرًا إلى أن "القضاء العراقي مر بتجارب عديدة، كان أخرها استقلاله عن السلطة التنفيذية، وأن تجربتنا فريدة، ولربما سبق أن تمكنت دولة أو دولتين عربيتين من سلك هذا الطريق، لكن ليس بالاستقلالية التي جاءت بها التجربة العراقية، التي نفخر بها في كل المحافل الدولية"، لافتًا إلى أنها "مثار إعجاب، بالتزامن مع شكوك كان قد أطلقها البعض بالسؤال عن قدرة القضاء في إدارة نفسه بنفسه"، مُبينًا أنه "بداءنا المشوار من نقطة الصفر، بعد انفصال القضاء عن وزارة العدل، بموجب الأمر (35) في 17 أيلول/سبتمبر 2003، الذي تم تعديله بالمادة (45) من قانون إدارة الدولة العراقية، التي أصبحت جزءًا من القرار المذكور في حينه، حيث استبدلت تسمية مجلس القضاء بـ(مجلس القضاء الأعلى)، إضافة إلى المتغيرات في تركيبته، وضم رئيس الإدعاء العام، ورئاسة هيئة الإشراف القضائي إليه"، وأردف أن "المشككين تساءلوا عن مقدرة القاضي في إدارة الشؤون الإدارية، من موازنة وملاكات وغيرها من الأمور، وجاء الرد بالثقة في أننا سننجح في هذه التجربة، وهذا كان جواب جميع القضاة، وأعضاء الإدعاء العام، والكادر المساعد"، منوهًا إلى "وقفنا صفًا واحدًا في موقف النجاح"، مستدلاً بذلك في أن "عدد القضاة يوم انفصلنا عن وزارة العدل كان (573) قاض، أما الآن، وبانضمام الخريجين الجدد، سيصلون إلى أكثر من (1400) قاض"، مقدرًا أن "الزيادة في عدد القضاة تصل إلى 3 أضعاف ما كانت عليه، في مدة لا تزيد على تسعة أعوام".
ويرى رئيس مجلس القضاء الأعلى أن "هذه ليست المفخرة الوحيدة، لأن القضاء تمكن من أخذ مسؤوليته كاملة، على الرغم من تضاعف عدد الدعاوى إلى اكثر من (37) مرة، عما كانت عليه عام 2003"، مشددًا على أن "التحديات التي واجهها الشعب العراقي، بدءًا من تغيير النظام، وظهور الحركات الإرهابية، وغيرها من المستجدات، استطاع القضاء أن يأخذ دوره، ويثبت وجوده"، واصفًا الدورة (34) بـ"المباركة"، وزاد أن "هذه الإضافة للسلطة القضائية ستزيدها قوة"، مشددًا على أن "الحياد من الصفات الأولى للقاضي، والدقة في تطبيق القانون، والصلابة في مواجهة التحديات الموجودة على الأرض، وأن القاضي بدأ يشعر باستقلالية قراراته، ولا سلطان عليه لغير القانون، وأن أي قاض لن يشكو يومًا من تدخل مسؤول من السلطة القضائية في القرارات التي يصدرها".
وعرج المحمود، في جانب أخر من حديثه، إلى أهم ما تمخضت عنه قرارات مجلس القضاء الأعلى، في جلسته الأخيرة، وقال أن "هذه الجلسة جاءت استئنافًا للمسيرة القضائية، وأن النقطة الأولى، التي تم طرحها في الاجتماع الأخير، واتخذ المجلس قرارًا بشأنها تكمن في الإعداد (لمدونة السلطة القضائية)، التي تضم تشريعات مكونات هذه السلطة، وهي قوانين (المحكمة الاتحادية العليا، ومجلس القضاء الأعلى، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، ورئاسة هيئة الإشراف القضائي، وبقية المحاكم، والإدارة العامة للسلطة القضائية، التي تضم 5 مديريات)"، مؤكدًا أن "هذه المشاريع ستوضع بأيدٍ قضائية، لأن صاحب البيت أدرى بالذي فيه، وإذا لم تكن هذه المشاريع نابعة من القضاء، فسوف يفوت على واضعيها أشياء كثيرة"، واستطرد بأن "توجيهات صدرت بأن تتولى رئاسات محاكم الاستئناف، وأي مكون من مكونات السلطة القضائية الأخرى، إشاعة ثقافة وضع تشريعاتنا بأيدينا، لتنسجم فيما بينها، وتلبي ما يحتاج إليه القاضي وعضو الادعاء العام والموظف وشعبنا الكريم"، مطالبًا "القضاة بالمشاركة في هذه العملية، لأننا لازلنا نطبق قوانين وضعت عام 1979، ولولا إدراك القضاة للدور الملقى على عاتقهم، ومتطلبات المرحلة التي نمر بها، لما استجابت هذه القوانين التي شرعت سابقًا لمعطيات الوضع الراهن"، وأضاف أن "مرونة القاضي، ونظرته الواسعة، وإيمانه بالعدالة، مكنته من تطويع القوانين، لما يسعف مسيرة العدالة".
أما عن المحور الثاني، الذي تم طرحه في الجلسة الأخيرة، ذكر القاضي المحمود أنه "ملف الموقوفين، الذين هم أمانة الشعب لدينا، ويجب الحرص عليهم كما هو حال أي مواطن عراقي"، داعيًا إلى "الإسراع بالتحقيق فيما أسند إلى الموقوفين، بطريقة حيادية، والابتعاد عن كل الانتماءات، رغم الاعتزاز بها، وتطبيق القانون بحياد، بصورة تنسجم مع المصلحة العامة"، موضحًا أن "قضايا الموقوفين تزيد وتنخفض مع الحالة الأمنية العامة، واطلعت على احصاءات الموقوفين في بعض مراكز الشرطة، ومكاتب التحقيق القضائي، ووجدت أعدادًا كبيرة منهم، لازال التحقيق غير مكتمل في قضاياهم، وطرحت على رئاسة جهاز الادعاء العام زيادة نشاط منتسبيه، والنزول إلى الميدان، ومتابعة عمل المحققين، لمعرفة أسباب التأخير"، مؤكدًا أن "المجلس توجه إلى قضاة التحقيق بتدقيق الأدلة جيدًا، بغية الحسم والإفراج عن الموقوف، الذي يتبين أن الأدلة المتوفرة لا تصلح لبقاءه محتجزًا، وأن يتم إطلاق سراحه مباشرة، دون الإحالة إلى المحاكم الجزائية المختصة، علمًا أن قرارات قاضي التحقيق تخضع للطعن تمييزًا".
وكشف المحمود عن قرار اتخذه المجلس، لزيادة مكاتب التحقيق القضائي، بعد نجاح تجربتها، شارحًا أن "مكتب التحقيق يتكون من قاضي تحقيق، وعضو ادعاء عام، وعدد من المحققين القضائيين، ونستعين بالسلطة التنفيذية، التي لا نستطيع الاستغناء عنها"، مستطردًا أن "الدستور عندما نص على الفصل بين السلطات أكد على التكامل والتعاون فيما بينها".
والمحور الثالث، الذي تم طرحه في الجلسة، ركز على تطوير السلطة القضائية، حيث ذكر المحمود "ننظر إلى تجارب القـضاء في الدول المتقدمة، العربية والعالمية، التي ذهبت بعيدًا في مجال تطوير العمل في محاكمها"، لافتًا إلى أننا "سبق أن نجحنا في إرسال عدد من القضاة إلى محاكم دبي، في دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنها متطورة تكنولوجيًا، ووضعنا، بالتعاون مع المنظمات الدولية، محاكم نموذجية في رئاسة محاكم الرصافة، وفي البصرة، وكذلك الحال في إقليم كردستان، ونحاول تطوير هذه التجربة وتعميمها"، وأفاد بأن "التطوير التكنولوجي ليس بديلاً عن عدالة القاضي، لكنه يعاونه في التسريع بحسم الدعوى، وطباعة القرار، وإيصال الحق لذويه، وتنفيذه، وفي الحفظ والتوثيق".
أما على الصعيد العمراني، وجد المحمود "فرقًا شاسعًا في مباني المحاكم، عما كانت عليه في 2003، وما سيكون في المستقبل"، متابعًا أن "الجلسة وجهت بمسح ميداني لكل المحاكم، ومعرفة متطلبات المرحلة المقبلة، بالإنشاء والتطوير للمباني، ومستلزماتها وأن هذه الحملة تنطلق مطلع الأسبوع الجاري، واستملكنا خلال الفترة الماضية (86) قطعة أرض غير مشيدة، سنعمل على بنائها طبقا للموازنة".
وعن تطوير الطاقم الوظيفي للسلطة القضائية، قال المحمود "نملك معهدًا للتطوير القضائي، الذي استطاع خلال فترة قصيرة إثبات وجوده، عبر إعداده دورات عديدة، في وقت قياسي، ما شجعنا على إشراك السادة القضاة، لتطوير قدراتهم، وإطلاعهم على التجارب العربية والدولية، في مختلف الاختصاصات"، مبينًا أنه "تم الاستعانة بأساتذة من دول العالم، منها إيطاليا وإنجلترا، والولايات المتحدة الأميركية، وحصلت نقاشات عادت بالنفع على الطرفين، وكان لقضاتنا دور كبير في هذا الصعيد"، لافتًا إلى أننا "فتحنا دورات للمحققين القضائيين، ونعمل على زيادة أعدادهم في حسم القضايا الجزائية"، معلنًا عن "قرار صدر في الجلسة الأخيرة بأن أراضي السلطة القضائية، الفائضة عن الحاجة، لأنشاء قصور عدالة، تشيد عليها عمارات سكنية، وتوزع على جميع المنتسبين، بعد أن عرض علينا السيد وزير الإعمار والإسكان إمكان إعطائنا قرضًا للبناء، وذهبنا في طريق تطوير قدرات الحراس القضائيين، وجعلها بقدر المسؤولية والتحديات، وستكون لدينا وقفة لمدهم بكل ما يدعم عملهم".
وشدد المحمود على أنه "تم طرح موضوع رواتب القضاة، ولدينا ممثل في اللجنة المشكلة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وكان توجهنا بألا تمس رواتب القضاة، وكذلك التقاعد، لأن كرامة القاضي من كرامة الوطن، ولا نريد أن يغتال بسبب الحاجة للمال"، معربًا عن فخره بأن "رواتب القضاة بين 2003-2013 زادت لعشرة أضعاف".
وخلص المحمود أننا "في مسيرة صاعدة، ستعضد بانضمام الخريجين الجدد للسلطة القضائية، ونتمنى التوفيق لهم، والفخر بهم كما هو الحال للقضاة وأعضاء الادعاء العام القائمين".