تسرب الطلبة من المدارس العراقية

انتشرت في الآونة الأخير ظاهرة تسرب الطلبة لدى العائلات العراقية والتي تعتبر من أصعب المشاكل التي تواجه المجتمع العراقي لـ"خطورة" الموقف وارتفاع معدلات الأمية التي قد يصل إليها الجيل المقبل، فضلا لما لهذه الظاهرة من آثار سلبية تؤثر في تقدم المجتمع الواحد وتطوره وتقف حجرًا صلبًا أمامه.

وتأتي ظاهرة التسرب بالتزامن مع انخفاض الاقتصاد العراقي وافتقار العائلات للعيش الطبيعي، مما اضطر الكثير من الطلبة إلى ترك الدراسة بحثا عن عمل يسد رمق الجوع والعطش الذي أصاب معظم العائلات العراقية، فضلا إلى انتشار البطالة بشكل كبير.

وأثارت هذه الظاهرة قلق الكثير من المربين والمثقفين والسياسيين ولقد أولى الكثير من التربويين هذه المشكلة اهتمامًا خاصًا من أجل دراسة هذه الظاهرة التي تؤثر سلبًا ليس على المتسربين فقط بل على المجتمع ككل لأن التسرب يؤدي إلى زيادة تكلفة التعليم ويزيد من معدل البطالة وانتشار الجهل والفقر وغير ذلك من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.

ويعزو عبد الحميد السلامي وهو مرشد تربوي هذا الأمر إلى الحالة الاقتصادية وسوء الأوضاع الأمنية ويقول: "لأن بعض الطلبة حينما يستمر بدراسته ويكبر يجد نفسه أمام أمرين لا ثالث لهما، هما إما الاستمرار وبذلك يكون عبئا على عائلته خصوصًا مع المتطلبات الجديدة من الملازم وموضة الملابس والإكسسوارات والأجهزة أو يترك كل ذلك ويذهب للعمل في أماكن لا تلائم أبسط حقوق الإنسان، كمهنة الحمالة أو دفع العربات لكي يعيل أهله ولا يكون عالة عليهم ،هذا إذا ما استثنينا البعض من الميسورين الذين يوفرون فرص الدراسة والنجاح لأبنائهم بكل الطرق ومساعدتهم على النجاح".

ويرى السلامي أن "أبسط الحلول هو تشريع قانون يتيح توزيع مبالغ ماليه على طلبة المدارس كي تكون عونا لأهالي الطلبة ، وما سمعته أخيرا من أن البرلمان خصص مبالغ للطلبة من الموازنة، فهذا أمر جيد ويحد من ظاهرة العزوف عن الدراسة".

أما يوسف حنطاوي (موظف) بخلاف ما يراه عبد الحميد، يعتقد أن الأوضاع المعشية الجيدة وانفتاح السوق على العالم ودخول بضائع من شتى بقاع الأرض، جعلت من الحياة عند هؤلاء الشباب سهلة جدا ،لأنهم لم يمروا بما مر به آباؤهم أو حتى قريبون منهم كبار في العمر.

ويؤكد حنطاوي بالقول: "في الماضي كنا نعاني وكان الوضع الاقتصادي صعبًا جدا بكل ما تصوره هذه الكلمة لكننا كنا نكافح من أجل الحصول على نتائج جيدة ، كانت الفرحة بالنجاح ترتسم أولًا على وجوه الآباء والأمهات  وكانوا يفرحون أكثر منا لأنهم كانوا يعانون في سبيل هذا النجاح ، كان أمامنا هدف واحد لا غير هو الحصول على الشهادة والتعين بها وإعانة العائلة ، حتى العطلة الصيفية كنا نستغلها بكل قسوتها من الحر لنذهب نبيع الماء أو المثلجات كي نأتي بنقود إلى أهالينا ، أما اليوم فالشباب يجدون بأن لاشيء يخسرونه إذا ما رسبوا أو حتى عزفوا عن الدوام، فلا جبهة حرب تنتظرهم ولا جوع".

وأبرز أنَّ "الأسرة التعليمية في السابق حينما كانت تعاقب واحدا منا، فمن المستحيل أن يذهب أحد أولياء الأمور إلى المدرسة ومعاتبة المعلم لأن آباءنا كانوا يجلّونه ويثقفونه باستمرار بأنه مربٍّ فاضل، لاشك أن مكانة المعلم في المجتمع العراقي تحظى بالاحترام والتقدير، وهي مكانه اكتسبت احترامها بسبب دورها المؤثر والكبير في خلق جيل متعلم كما يقول الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وسلم: من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معًا فعليه بالعلم".

ويذكر مدرس الرياضيات قصي العبيدي: "لا يمكن المقارنة بين المعلم في السابق والوقت الحالي من كل النواحي، فمن الناحية العلمية إمكانات المعلم في السابق غيرها في الوقت الحالي والسبب يعود إلى طريقة الانتقاء والتعليم، والسبب الرئيسي الذي أعزوه لتدهور العملية التربوية هو غياب الرقابة والمحاسبة للمقصرين ورفع يد المعلم عن الطالب جعلت الطالب يتمادى على معلمه، والجيل السابق من المعلمين يؤكد على أهمية الضرب ،لأنه يفيد في التعليم والتأسيس يجب أن يتم في المراحل الأولى لأن العملية التربوية باتجاه خط الصفر".

ويورد الأستاذ محمد الخفاجي في تصريح إلى " العرب اليوم"، أمثلة كثيرة على عدم قدرة المعلم على أن يكون سبيلا لنجاح الطالب حيث يقول: "هناك أسباب كثيرة أدت إلى تباطؤ العملية التربوية وانحدارها، ولهذا عدة أسباب، أهمها أن شخصية المعلم في الصف لم تعد كما في السابق، فالمعلم اليوم الذي يوبخ الطالب يتعرض إلى المساءلة، إما من إدارة المدرسة أو أهل الطالب ،حيث صار الطالب بإمكانه التغيب أو الخروج من الصف من دون استئذان، وللأسف الشديد نجد أن التعليمات التي تردنا بخصوص معاملة الطلبة تقيدنا وتجعلنا في واجهة المسؤولية، حيث صار للطالب الآن أكثر من جهة تدافع عنه حتى وإن كان على خطأ".

حسن الزيدي طالب في الصف الثالث المتوسط وصل إلى هذا الصف بشق الأنفس والتعب، فهو مجتهد جدا ودرجاته التي اطلعت عليها تقارب التسعينات والثمانينات، وحينما سألته عن سبب ضجره وعقدته من المدرسة أطرق رأسه بخجل ثم قال: "ليس فيها شيء يجعلك تحبها من الدرس الأول وحتى الدرس الأخير كلها دروس وواجبات، وما أن ينتهي درس لنحصل على فرصة خمس دقائق حتى يفاجئنا الدرس الثاني من دون حتى أن نشتري شيئا من الحانوت أو نلتقي أصدقاءنا في الصفوف الأخرى".

وعن دروس الرياضة والرسم التي يستطيع الطالب من خلالهما ممارسة هوايته، ضحك قائلًا: "كل من حولي وكأنهم يصفوني بصفة ذميمة"، وأضاف أخوه علي الزيدي الذي يدرس معه في نفس المدرسة، متسائلًا: "أين هذه الدروس هي موجودة فقط في الجدول وحينما يأتي درس الرياضة تأتي إما مدرّسة الإنجليزي أو معلم الرياضيات ليكمل الدرس كذلك مع درس الرسم ، فقلت لهم وماذا عن الحاسبات؟ فقالوا لي بين مدرسة ومدرسة وحسب المزاج ،وكل شعبة لها حاسبة واحدة ،والشعبة مكونة من أربعين طالبًا ،وحينما يصله الدور يكون الدرس قد انتهى".

وكشفت الباحثة الاجتماعية سجى عبد اللطيف: "هم يشاهدون أناسًا ميسورين ويطرحون سؤالهم المثير للجدل دوما (لماذا) ويعني به لماذا هو هكذا ،ولماذا أنا بتلك الحالة حتى يصل الأمر إلى مصاحبة أصدقاء يتطور الأمر معهم شيئا فشيئا باللجوء إلى الجريمة/ وليس بالضرورة أن تكون  الجريمة المنظمة ولكن ربما تكون أول الطريق للسير بها نحو الجريمة المنظمة".

وتابعت: "بينما نرى طلبة آخرين يمارسون دورهم في التألق والنجاح وتستمر مسيرتهم في الدراسة يدفعهم بذلك التطلع إلى المستقبل وعدم استراق فرص ليست لهم ،وهؤلاء هم من يتمكنون في النهاية من الوصول إلى الهدف وبلوغ الغاية بعيدا عن كلمات الإحباط وتجارب ممن يحملون شهادات ولم يتعينوا لأنهم لو استمعوا إلى هذا الكلام سيقفون في صفوف طويلة عريضة بانتظار أن تأتي الفرص إلى أحضانهم دون جهد أو مثابرة في البحث عن فرصة عمل تكبر مع الأيام".

ويكمل المشرف التربوي ناصر غانم، أن "ضعف المناهج التدريسية وقلة الخبرة التربوية الرصينة والسذاجة في بعض المناهج التي يشعر معها الطالب بأنها لا تضيف له شيئا هي سبب مهم من أسباب عزوف الطالب عن الدراسة ،أضف إلى هذا أن العلاقة بين الأستاذ والطالب لم تعد علاقة تبادل احترام  ومهابة ،بل صارت بفعل ما حل بالمنطقة أسرها من ديمقراطيات قلبت بنية المجتمع على عقب صار الطالب  لا يهاب الأستاذ ولا يجده كما كنا نراه في السابق طودا شامخا ونبراسا نحاول نيل رضاه بالدرجات العالية والتحضير المسبق للدروس".

الدروس الخصوصية

وأرجع الطالب أيمن محمود، هروب الطلبة من المدارس إلى عدة أسباب، منها انعدام وغياب الصدق لدى الكثير من المعلمين في شرح الدروس، لإجبار الطالب على الدروس الخصوصية، وعدم الاهتمام بالأنشطة المدرسية، وأيضا اضطهاد المدرسين للطلبة، إضافة إلى استياء الطلبة من المناهج الدراسية، لأنها تحتوي   صفحات حشو لا تهم الطالب في شيء.

وترجع هديل عبد الحميد (موظفة)، عزوف الطلاب عن إكمال تعليمهم إلى البيت والمدرسة في آن واحد، ففي المدرسة قد يتعرض ذلك الطالب إلى التعسف في التعامل من قبل إدارة المدرسة أو من بعض الأساتذة مما يؤثر على حبه للدراسة وإكمال تعليمه.

وأكملت هديل بقولها إنَّ "المدرسة لم تعد ملاذ الطالب ولم يعد هناك  وجود للسفرات الترفيهية التي كنا نقوم بها سابقا وهم بذلك قد يراعون الوضع الأمني وخوفهم على المجاميع التي لا يمكن السيطرة على تصرفاتها".

وتختتم بأن "الحلول متاحة ومتوفرة وسهلة جدا وهو نقل كل ما يحبه الطالب إلى المدرسة ،كالكومبيوتر والأجهزة الأخرى التي يستمتع بها  وإعادة دروس الرياضة لأنها تشجع روح المنافسة وتنشط عقل وجسم الطالب الخامل من الدروس الثقيلة".