زواج المصلحة بدأ يسيطر على الزواج المستند إلى الحب
الدار البيضاء- يسري مصطفى
بدأ زواج المصلحة يدق أبواب المغاربة، ليصبح واقعًا جديدًا يطبع المقبلين والمقبلات على زواج تطبعه المصلحة الشخصية بدل الحب والقدرة على احتواء كل طرف للطرف الآخر، وغيرهما من الأمور الأخرى التي ظلت منذ زمن بعيد أساس العلاقة الزوجية، فهذا الزواج أصبح ظاهرة ملفتة للانتباه،
وتنتشر يوما بعد الآخر، وتتأسس على تحقيق منفعة شخصية، ويستمر ارتباط الشخصين إلى أن تنتهي مصلحتهما حتى ولو بعد سنين. والطريف أن المتورطين في هذا الزواج لقضاء مآربهم يشيرون إلى أن اختيارهم هذا الزواج كان "عقليًا"، وهو ما يجعلنا نتساءل هل الاختيار العقلي هو الاسم الضمني لزواج المصلحة؟ وما الفواصل بين النجاح والإخفاق بعد أن تبحر سفينة الزواج في خضم معترك الحياة؟ وما هي أسباب ونتائج زواج المصلحة على المجتمع المغربي؟ وهل يعتبر وجوده وتفشيه علامة على بطلان مصداقية الزواج والأسس والمبادئ التي وجد من أجلها؟ وهل نصبح بالتالي إزاء شركة باسم الزواج أساسها الطمع وتحقيق المصلحة الشخصية بدل والتواد والتراحم والمحبة التي تعتبر من أهم مقاصد الزواج؟.
هذا الزواج صفقة تجارية
في البداية تعارض ليلى، 40 عامًا، موظفة، هذا الزواج بشدة، وتقول "أنا ضد هذا الزواج، لأنه يُبنى على المصلحة بدل العواطف، ويصبح الزواج صفقة تجارية، ويفرغه من القيمة التي وجد من أجلها، ولا أتصور كيف يرضى الرجل على نفسه أن يأخذ راتب زوجته أو يرغمها على أن تتحمل مصاريف البيت والأولاد، فهذه مسؤوليته، ويجب أن يتحملها كاملة، وإذا أرادت الزوجة أن تمنحه راتبها أو بعضًا منه، فيجب أن يكون هذا الأمر بإرادتها وحسب رغبتها"، كما أنني "أستغرب من هذا النوع من الرجال ومن تصرفهم هذا"، وأتساءل "كيف ستقضي المرأة سنوات عمرها مع شخص يستولي على راتبها ومالها؟ وشخصيًا أرفض أي شخص يتقدم لخطبتي ويشترط علي أخذ راتبي حتى لو كان آخر رجل في العالم".
المصلحة وحب الذات سمة غالبة
ومن جهته، يقول محمد،" 47 عامًا"، مقاول، "يبدو من الصعب تقبل زواج كهذا من الطرفين معًا، فلا أتصور أن يركز أحدهما على المصلحة وحب الذات وعلى المال بدل نية الاستمرار وحب الآخر، فهذا الزواج سرعان ما ينهار بعد أن يحصل أحد الطرفين على ما يرغب فيه ويخطط له. فالزواج بامرأة تملك المال والثراء تكون بالنسبة للرجل الزوجة والحساب البنكي الوفير أو البطاقة الذهبية، وغالبًا ما ينتهي هذا النوع من الزواج بالطلاق".
منفعة متبادلة
وترى الباحثة المتخصصة في القضايا السوسيو ثقافية، هدى حارثي، أن "ما يعانيه جيل اليوم من صعوبة نتيجة الظروف الاقتصادية، وعدم القدرة على الاعتماد على الذات، وبناء عش الزوجية وتحمل الأعباء، هو ما يولد زواج المصلحة ويجعله وضعًا قائمًا بذاته. فالكثير من الشباب يخططون لهذا الارتباط، ويشترطون أن تكون زوجة المستقبل صاحبة راتب شهري مغرٍ، ويعتمد عليها في كل الأمور المادية". وتقول هدى "أعرف الكثير من الحالات التي يعتمد فيها الزوج على راتب زوجته، ولا يحق للزوجة التصرف ولو بجزء بسيط من هذا الراتب، وفي حالات أخرى تتزوج الفتاة برجل يكبرها سنا فقط لأنه ثري، وهو زواج يبنى بدوره على المصلحة، فهي لا تحبه بقدر ما تحب أمواله. وهناك من تتزوج برجل أصغر منها سنا وتكون غايتها فقط أنه "يستر عليها، فتقنع نفسها ومن حولها بأنها تزوجت، لكنها في العمق رضيت باستغلاله واتكاله، فهو لا يقدر المسؤولية وينتظر كل شيء من زوجته".
اختارني لمالي وليس لسواد عيوني
وتتناول أطراف الحديث إلهام، "34 عامًا"،إنه"انطلاقًا من التجربة التي عشتها "انفصلت لأنني لا أقبل بزواج المصلحة، كان زوجي يتظاهر بأنه يحبني، وبمرور الوقت اكتشفت أنه لم يخترني مثلًا لجمالي وأخلاقي وتعليمي، بل اختار راتبي الشهري فكيف سأستمر إذن مع شخص كهذا طيلة حياتي، استعمل أساليب ملتوية حتى يسلب مالي، وكان في كل مرة يختلق الأعذار لأمنحه المال، كأن يشير إلى أن أحد أصدقائه يحتاج المساعدة لإجراء عملية جراحية. واكتشفت مع مرور الوقت أنه إنسان مخادع، وتزوجني فقط لمالي وليس لسواد عيوني، وأنصح جميع الفتيات بعدم الموافقة على الزواج بأي شخص يشترط عليهن إعطاءه راتبهن قبل الزواج، بل يجب على الفتاة أن تبحث عن الرجل المناسب".
زواج محكوم عليه بالفشل ويثير القلق في أوساط المجتمع
وبشأن رأي العلم في هذه الظاهرة، يقول أستاذ باحث في علمي الاجتماع والنفس، الدكتور عبد الجبار شكري إن "فواصل النجاح في زواج المصلحة ضعيفة جدًا، وتظل النهاية الحتمية لهذا الرباط، الذي يبنى على أسس هشة، هي انهيار العلاقة الزوجية"، ويرى شكري أن "علاقة الرجل والمرأة في الزواج يجب أن تقوم على الاختيار والحب والتفاهم والاحترام المتبادل، أما بناؤها على أساس العقل والمنطق، فيدل على وجود مصالح مادية تغيب تمامًا المقاييس والمقاصد الأخرى للزواج".
ويربط شكري "زواج المصلحة في المغرب بأسباب سوسيولوجية واقتصاديةأدت إلى وجوده وانتشاره، ومن أبرزها ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن المغربي، ما يجعله عاجزًا عن إنشاء بيت الزوجية، فضلًا عن ارتفاع الأسعار بشكل لافت للنظر، وطغيان حب الذات والاستهتار بالمسؤولية وبالقيم".
ويشير الباحث إلى أن "هذا النوع من الزواج المحكوم عليه بالفشل يثير القلق في أوساط المجتمع، إذ تطغى من خلاله المصلحة الشخصية، ويؤدي إلى بطلان أهداف الزواج بين المرأة والرجل التي ترتكز على قيم نبيلة وأهداف سامية، أهمها المودة والرحمة والتفاهموالتعايش والاحترام وتكوين ذرية مواطنة صالحة للمجتمع. فمع تنامي الأنانية والحرص على المصلحة الشخصية أصبح أساس زواج المصلحة هو شركة اقتصادية تقوم على أساس توفير رأسمال مادي، وإلغاء كل المبادئ والأسس الخاصة بالزواج".