تظاهرات المرأة المصرية في الميادين العامة
القاهرة ـ محمد الشناوي
أثار ارتفاع معدلات الاعتداءات الجنسية وعمليات التحرش بعد الثورة، في ضوء الغياب الأمني، حالة من الجدل بين القوى السياسية والأحزاب الإسلامية، التي تبادلت الاتهامات فيما بينها، لاسيما بعد تعرض الفتيات والسيدات للتحرش والاغتصاب في الميادين العامة، سيما ميدان الثورة "التحرير".
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تحقيقًا تناولت فيه هذه الاتهامات، واللوم المتبادل بشأن أسباب زيادة معدل الاعتداءات الجنسية، وذكرت الصحيفة أن "تعرض مجموعة من النساء للانتهاكات الجنسية والاغتصاب الجماعي في ميدان عام، بات مسألة لا يمكن تجاهلها".
وأشارت الصحيفة إلى قيام بعض الإسلاميين في النخبة السياسية الجديدة في مصر بصب غضبهم في هذا السياق على المرأة وإلقاء اللوم عليها، حيث يقول النائب الإسلامي المتشدد عادل عبد المقصود عفيفي أنه "في بعض الأحيان تكون الفتاة هي السبب بنسبة 100 % في تعرضها للاغتصاب، وذلك عندما تضع نفسها في الظروف التي تسمح بذلك".
وأضافت الصحيفة أن "زيادة معدل الاعتداءات الجنسية على مدار العامين الماضيين، كان سببًا في نشوب معركة بشأن من يقع عليه اللوم في تلك الاعتداءات الجنسية، وأصبح الجدل والنقاش حادًا وصارمًا ويرسم صورة مؤلمة لحالة الاضطراب العنيفة، التي تضرب مصر، في الوقت الذي تحاول فيه أن تجدد من نفسها".
وتؤكد الصحيفه أنه "في عهد الرئيس حسني مبارك، لم تكن تسمح الشرطة، التي كانت متواجدة في كل مكان، بوقوع اعتداءات جنسية في الميادين العامة وعلانية، إلا أنه ومنذ الإطاحة بنظام مبارك، العام 2011، انسحبت الشرطة، ما أدى إلى انتشار الاعتداءات الجنسية علانية، على نحو بات يثير رعب المرأة المصرية".
وتضيف الصحيفة "على الرغم من ذلك، فإن النساء في مصر قد انتهزن حالة الانهيار التي تعيشها السلطة، من خلال التحدث في صراحة وجرأة عبر وسائل الإعلام، التي أصبحت أكثر عدوانية وشراسة، ومن خلال تحدي كل التابوهات والمحظورات والمحرمات الاجتماعية ، لهدف المطالبة بالاهتمام بالمشكلة، التي كانت حكومة النظام السابق تنكرها، في الوقت الذي قام بعض المسؤولين الإسلاميين باستغلال الأوضاع الجديدة، للإعراب عن عداء دفين لمشاركة المرأة في العملية السياسية".
ويقول هؤلاء المسؤولون أن "النساء من ضحايا الاعتداءات الجنسية، هن من تسببن في تعرضهن لمثل هذه الاعتداءات، من خلال المشاركة في الاحتجاجات العامة".
ويتساءل النائب عن حزب "الحرية والعدالة" (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر) في مجلس الشعب رضا صالح الحفناوي، في إحدى جلسات البرلمان، بقوله "كيف يمكن لوزارة الداخلية أن تحمي امرأة تقف وسط شلة من الرجال؟".
لقد بشرت الثورة المصرية من حيث المبدأ بفتح مجال الحياة العامة أمام المرأة، إذ كان الرجال والنساء معًا في المظاهرات، التي شهدها ميدان التحرير طوال 18 يومًا، ليلاً ونهارًا، إلى أن سقط نظام مبارك، إلا أنه وبعد دقائق من رحيله، عاد التهديد من جديد، عندما قامت جماعة بالاعتداء على مراسلة شبكة "سي بي إس" لارا لوغان، ولا توجد إحصائيات رسمية تشير إلى عدد تلك الاعتداءات، والسبب في ذلك يعود جزئيًا إلى أن قلة من النساء، هن من يلجأن إلى الشرطة، إلا أن الجميع يعترفون بأن هذه الاعتداءات، قد زادت في الآونة الأخيرة، وباتت أكثر جرأة وأكثر عنفًا.
وخلال الذكرى السنوية الثانية للثورة، تحول ميدان التحرير إلى منطقة لا ينبغي للنساء أن تتوجه إليها، ولاسيما عندما يحل الظلام، وخلال مظاهرة احتجاجية في ذلك اليوم ضد حكومة "الإخوان"، حدثت موجة من الاعتداءات الجنسية، وصل عددها إلى ما لايقل عن 18 حالة، كما تقول منظمات حقوق الإنسان، بينما يرى المجلس القومي للمرأة أن "العدد يزيد عن ذلك بكثير، الأمر الذي أحدث صدمة في البلاد، شدت أنظار كل من الرئيس مرسي والدبلوماسيين الغربيين".
وتؤكد الصحيفة أن "الصحافية هنية مهيب (42 عامًا) كانت واحدة من أوائل الضحايا اللاتي تحدثن عن تجربة ذلك اليوم"، وقالت في مقابلة تلفزيونية أن "مجموعة من الرجال أحاطوا بها وجردوها من ملابسها، واعتدوا عليها ثلاث مرات لمدة ساعة إلا ربع، وكانت مجموعة الرجال تصيح في تلك الأثناء بأنهم يحاولون إنقاذها، وفي الوقت الذي وصلت فيه سيارة الإسعاف، لم تستطع الضحية هنية مهيب أن تميز بين من كانوا يعتدون عليها ومن كانوا يدافعون عنها، وقد قام زوجها الدكتور شريف الكرداني بدعمها في هذا الموقف وقال إن زوجته لم ترتكب أي خطأ".
ومن بين الضحايا الـ 18 تم علاج ستة منهن، وقالت منظمات حقوق الإنسان أن "إحداهن قد تعرضت لطعنة في عضوها الجنسي، بينما احتاجت أخرى إلى استئصال رحمها".
وتقول ياسمين البرماوي، في مقابلة تلفزيونية، عن تجربتها المريرة أنها "عندما ترى شارع محمد محمود على شاشة التلفزيون، وهو الشارع القريب من ميدان التحرير، والذي تعرضت فيه للاعتداء، تجد يديها تتحرك تلقائيًا، دون إرادتها لتمسك بسروالها"، وأضافت أن "مجموعتين من المعتدين أحاطوا بها، والبعض منهم كان يدَّعي أنه يحميها منهم، ولكنهم شاركوا في الاعتداء عليها، واستخدموا سكاكين لتمزيق ملابسها ووضعوها شبه عارية على مقدمة إحدى السيارات واستمروا في التحرش بها، وتحركوا بها في السيارة إلى منطقة مجاورة، ولكن سكان تلك المنطقة تطوعوا لإنقاذها".
وقالت ياسمين البرماوي أن "المعتدين كانوا يقولون للناس أنها تحمل قنبلة على بطنها، حتى يمنعوا أي أحد من القيام بإنقاذها".
وأوضحت الصحيفة أن "تلك الاعتداءات تؤكد فشل حكومة مرسي في استعادة الاستقرار الاجتماعي، كما أن تصريحات حلفاء الرئيس من الإسلاميين، التي تلقي باللوم على المرأة الضحية، تبعث على الحيرة والحرج، وهي تصريحات ترفضها تمامًا، مستشارة الرئيس للشؤون السياسية باكينام الشرقاوي، وتُرجع مثل تلك الاعتداءات إلى حالة الانهيار العام في الأمن، ولسبب رفض المتظاهرين السماح للشرطة الدخول إلى ميدان التحرير منذ الثورة"، وتقول أن "المتظاهرين يصرون على إبعاد الشرطة عن الميدان، بمن فيهم رجال شرطة المرور".
وعَقَدَ مرسي، السبت الماضي، اجتماعًا مع النساء، لمناقشة خطط من أجل تقدم أوضاع المرأة، ومع ذلك يبقى العلاج المطلوب لتلك المشكلة هو استصدار تشريع يجرم التحرش الجنسي.
ولكن أنصار حقوق المرأة يقولون أن "مثل هذا القانون لن يحمي المرأة من الاحتقار والإهمال الذي تواجهه الضحية داخل المستشفيات ومراكز الشرطة".
وفي ضوء إهمال الشرطة، وتقاعسها عن حماية المرأة، قامت بعض النساء بمسيرة رفعن فيها السكاكين، تعبيرًا منهن عن اعتزام المرأة حماية نفسها بنفسها"، وتقول عبير هريدي وهي محامية (40 عامًا) "لا تخافوا عليّ فأنا أحمل سلاحي معي".
أما عن النخبة السياسية فهي تبدو مشغولة في تبادل اللوم والاتهامات، فهناك من يقول أن "الاعتداءات الجنسية في ميدان التحرير كانت مؤامرة من الإخوان المسلمين لإرعاب المتظاهرين، وهذا ما يقوله رئيس الحزب الديموقراطي الاجتماعي المصري محمد أبو الغار".
وتقول جماعة "الإخوان المسلمين" أن "زعماء المعارضة تعمدوا تجاهل وحشية التحرش والاغتصاب في ميدان التحرير"، ويقول مقال على موقع "الإخوان" الإلكتروني أن "ما حدث يُعد بمثابة عار على رؤوس زعماء المعارضة".
ويلقي نواب "الإخوان" اللوم على منظمي المظاهرة، الذين فشلوا في الفصل بين المتظاهرين والمتظاهرات، كما اعتاد الإسلاميون أن يفعلوا"، ويدين بعض المتشددين "مجرد قيام المرأة بالتعبير عن رأيها، ومشاركتها في الاحتجاجات"، ويقول الداعية أحمد عبد الله المعروف باسم الشيخ أبو إسلام عبر التلفزيون أنه "يرى هؤلاء النساء يتحدثن كالغيلان، بلا أدنى خجل أو أدب أو خوف، وأن مثل هذه المرأة أشبه بالشيطان"، ويعرب عن دهشته من التعاطف مع مثل هذه النسوة "العاريات اللاتي ذهبن إلى ميدان التحرير من أجل أن يغتصبن".
وتعلق هنية على هذه التصريحات وتقول إنها "فضيحة" واتهمت "النواب الإسلاميين بالتورط في هذه الجريمة"، وأضافت أنه "عندما يصدر هذا الكلام عن الناس العاديين، فإنه يمكن التماس العذر لهم لسبب جهلهم، ولكن أن يصدر هذا الكلام عن نائب في البرلمان، فإنه يشجع بذلك على مثل هذا الاعتداءات".