تظاهرة ضد العنف في الرباط
الدار البيضاء ـ يسري مصطفى
لم يمر تخليد اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في المغرب هذا العام كحدث عابر ومناسباتي، بل كان له أكبر الأثر، إذ اتخذ شكلًا جديدًا أمام قبة البرلمان في الرباط، إذ التأمت سلسلة بشرية تضامنية مع النساء المعنفات، قاصدة مقر وزارة العدل. وطالب المشاركون والمشاركات بقانون يحمي النساء من العنف
والتمييز. وضمت السلسلة البشرية نساء المغرب من الجهات كلها، ومن مختلف الأعمار، والمستويات التعليمية، والمهنية، يجمعهن الإصرار على كسر الصمت ليقلن لا للعنف، ولإسماع صوت النساء الناجيات من العنف، والتعبير عن مطالب النساء اللواتي عانين ومازلن يعانين حيف نصوص فقدت دلالتها وأصبحت تتعارض مع مقتضيات أخرى شملها الإصلاح، ليعززن بذلك مطلب الحركة الحقوقية والنسائية من أجل التغيير الجذري والشامل للقانون الجنائي، فلسفة وبنية ولغة ومقتضيات، وهو المطلب الذي كان وراء العمل الترافعي للتحالف منذ العام2008، الذي اتخذه "ربيع الكرامة".
ولقد شاركت في السلسلة البشرية أكثر من 350 ألف امرأة وجرى من خلالها التنديد بالفصول التمييزية، التي جنت على طفلات وسمحت بتزويجهن لمغتصبيهن، ورسخت منطق القصور الأبدي، وقيدت الحريات الفردية، وغيبت أدنى حماية جنائية للنساء، فهي دعوة للتغيير الفوري والجذري والشامل لمنظومة العدالة الجنائية، لاسيما وأن إصلاح منظومة العدالة والحوار حولها بين مختلف الفاعلين، ليلامس عددًا من المحاور الإستراتيجية، ما يجعل الفرصة سانحة لاحتلال موضوع العدالة الجنائية النسائية موقعه ضمن مسارات الإصلاحات الجارية. كما نادت بتشريع جنائي يحمي النساء من العنف ويناهض التمييز، وتقييم السياسات العمومية والبرامج الموضوعة من طرف الدولة لتنفيذ التزاماتها بالمواثيق الدولية والاتفاقيات، التي صادقت عليها، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على أشكال التمييز كلها ضد النساء والبروتوكول الاختياري الملحق بها.
ولقد سجل التقرير الذي عرضت تفاصيله خلال ندوة صحافية في الدارالبيضاء، أن "الأميات أكثر النساء عرضة للعنف، إذ أن 32 %من ضحايا العنف أميات و25 %مستواهن التعليمي الابتدائي، و24 %تركن الدراسة في مرحلة الإعدادي، وتقل النسبة إلى 13 %بالنسبة للتعليم الثانوي و6 %بالنسبة للتعليم الجامعي. واهتم تقرير المرصد المغربي للعنف ضد النساء لمؤشر السكن"، إذ لاحظ التقرير أن 42 %من النساء ضحايا العنف يقطن في منازل عادية و32 %في شقق، و10%في دور الصفيح، و13 %في غرفة واحدة، فيما لا تتجاوز نسبة المعنفات القاطنات في الفيلات 1 %، وهو ما يعني حسب التقرير أن الميسورات اللواتي يقطن في الأحياء الراقية ويقمن في فيلات يتعرضن بدورهن للعنف.
ومن جانبها، قالت رئيس مرصد "عيون نسائية"، نجاة الرازي إن "هذا التقرير يتزامن والاحتفال بالأيام العالمية لمناهضة العنف، التي امتدت من 25 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 5 كانون الأول/ديسمبر العام 2012، والحملة الترافعية، التي يقوم بها "ربيع الكرامة" المكون من 22 جمعية، الذي نظم تظاهرة ترافعية هي السلسلة البشرية التضامنية مع النساء ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكاله كلها"، مشيرة إلى "حدته وخطورته على السلامة النفسية والجسدية للنساء وإلى ارتفاع أرقامه وتزايدها المستمر".
ولقد أشار التقرير إلى مقتل ست نساء ونجاة أربع أخريات من محاولات قتل عبر الذبح والضرب بآلة حادة من مجموع 5245 وافدة على مراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف التابعة للمرصد المغربي للعنف ضد النساء "عيون نسائية"، خلال العام الجاري، وصرحت 234 امرأة بالتفكير في الانتحار نتيجة معاناتهن من العنف، كما تعرضت 42 حالة للحرق و69 حالة للعنف، ما خلف لهن عاهات مستديمة وتعرضت 34 حالة للإجهاض نتيجة العنف، فضلا عن 37 حالة عنف نتجت عنها الإصابة بأمراض خطيرة. فهي أرقام صادمة ومهولة كشفها تقرير للمرصد المغربي للعنف ضد النساء "عيون نسائية"، صدر، أخيرًا، إذ سجل47587 فعل عنف مقارنة مع العام الماضي، كما أن 74 %من النساء ضحايا العنف شابات تتراوح أعمارهن مابين 15 و38 عامًا. كما تعاني المتقدمات في السن بدورهن من العنف، إذ أن 7 نساء من ضحايا العنف اللواتي زرن مراكز المرصد يبلغن من العمر 70 عامًا، وأن 83 %منهن يبلغن من العمر69عامًا.
واحتل العنف النفسي المرتبة الأولى، مسجلا نسبة 47 %بما مجموعه 21870 فعل عنف نفسي، يليه الجسدي بنسبة 32 %ويشمل 15070 حالة، ثم العنف الاقتصادي بنسبة 14 %أي 6778 حالة. أما العنف القانوني فيحتل نسبة 5 %بمجموع 2324 فعل عنف، فيما سجل العنف الجنسي أدنى نسبة 3 %بمجموع 1536 فعل جنسي مصرح به.
وهناك نماذج تدل على العنف تجاه المرأة المغربية، وخير مثال ما تعرضت له فاطمة لأشد التعنيف من قبل زوجها، الذي هشم بعض أسنانها واقتلع الأخرى "بالكلاب"، وعذبها حتى الموت. فهو مشهد درامي وقصة صادمة جاءت على لسان مناضلة جمعوية. ولم تكن تتصور فاطمة، الشابة في مقتبل العمر، أن تنقلب حياتها رأسًا على عقب، فلقد أنكر الزوج في البداية أن "يكون تعنيفه سببًا في هذه المأساة"، فيما أكد الطبيب الشرعي أثناء تشريحه الجثة أن "الوفاة كانت بسبب العنف"، كما أكد التقرير الطبي أن "الضحية جرى احتجازها في بيت الزوجية وتجويعها لفترة، إذ كانت تقتات على التبن فقط".
وتأتي قصة خديجة التي ضربت وتجرعت الآلام كلها، وحاولت الانتحار مرات عدة من فرط معاناتها وآلامها وعيشها في الجحيم، أما سعاد فتعرضت للتحرش الجنسي منذ سنوات من قبل رئيسها في العمل قبل وبعد زواجها. ولم تترك بابًا من دون أن تطرقه، فتسمع الجواب نفسه "ليس بإمكاننا عمل شيء له.. فسلطته قوية".وسئمت سعاد سماع هذا الجواب في كل مرة تتقدم فيها بشكايتها لعدم توافرها على إثباتات تؤكد تحرش رئيسها بها، فيما هذا الأخير لم يكف عن مضايقتها، ما جعلها تفكر في خوض إضراب عن الطعام احتجاجًا على هذا الوضع المؤلم.
وفي ندوة أخرى نظمتها جمعية "أمل حركة نسائية من أجل حياة أفضل" تحت شعار"عنف من دون عقاب وتطليق بلا متعة"، وعرفت مشاركة الأستاذة الجامعية فاطنة سرحان، والقاضي في المحكمة الابتدائية في الدارالبيضاء، مصطفى جعفري، والمحامية زهرة مرابط، ورئيسة الجمعية السعدية السعدي، جرى التنبيه إلى أهمية اتخاذ المرونة وتمتيع النساء بحقهن في المتعة، وبضرورة تطبيق القانون مع استحضار عنصري الاجتهاد والتعامل مع كل قضية والأخذ في الاعتبار الزوجة والأبناء والواقع الاجتماعي. كما نبهت المتدخلات إلى وجوب إعادة النظر في قضية المتعة، التي ترتكز أساسًا على السلطة التقديرية للقاضي، إذ يجب أن يلزم بالحيلولة من دون التشتت والحفاظ على التوازن والتماسك الأسري.
وسجلت الجمعية أن" الأسباب التي تكون وراء اللجوء إلى مسطرة التطليق للشقاق، تكمن في التعرض للعنف بأشكاله كافة، فالنساء اللواتي يسلكن هذه المسطرة يعتبرنها مكسبًا ويأملن في إنصاف القضاء، لكنهن يفاجأن بخذلان القضاء لهن بإصدار أعلى هيئة قضائية في البلاد لقرار يقضي بحرمان طالبات التطليق للشقاق من حقهن في التعويض عن المتعة. فإصدار محكمة النقض لقرار يقضي بعدم أحقية طالبة الشقاق للمتعة ومسايرته من طرف باقي المحاكم يعد بالنسبة للجمعية ضربًا لأبسط الحقوق المقررة للنساء ضمن مدونة الأسرة، ذلك أن المتعة هي حق شرعي مقرر للمرأة المطلقة وفقًا للشريعة الإسلامية، ووفقًا لمقتضيات مدونة الأسرة كيفما كان نوع الطلاق، الذي يظل مرتبطًا بواقعة الطلاق وليس بطالب الطلاق. ومن هنا يظل من واجب الجمعيات مساءلة هذا القرار من خلال وجهة نظر أصحابها في إطار مقتضيات مواد مدونة الأسرة الواضحة وغير القابلة للتأويل، ولاسيما منها المواد من 94 إلى 97 و83 و85 و99 و41، وكلها مواد تحيل على التطليق للشقاق والتعويض المترتب عليه من دون أدنى إشارة إلى استبعاد المتعة في حال كانت الزوجة هي طالبة التطليق للشقاق.