نساء يحتفلن بمرحلة الطلاق
الدار البيضاء - يسرى مصطفى
تتداول نساء مغربيات خطابًا جديدًا، يفضلن فيه توديع الحياة الزوجية على إيقاع الاحتفال بمرحلة جديدة بعد الطلاق، فلم يكن معهودًا أن تفرح وتحتفل المرأة عمومًا والمرأة العربية خصوصًا بالطلاق، إذ كان السائد أن تيأس وتخجل من طلاقها خوفًا من العيون الشزراء الحاقدة، ومن اللوم والعتاب ونظرة العار التي تلحقها من طرف المجتمع
، فما الذي يجري ليتحول الطلاق إلى مناسبة للاحتفال؟ وهل يمكن اعتبارها ظاهرة محدودة أم أنها معولمة تتجاوز الحدود؟ وهل هي طريقة لرد الاعتبار للمرأة بعد حياة صعبة في السابق وهل يمكن اعتبارها عادية وطبيعية؟ وكيف ينظر إليها المختصون في الشأن الاجتماعي؟
قالت فنانة مغربية فضلت عدم ذكر اسمها لـ "العرب اليوم" إن طلاقها من زوجها شكل ميلادًا جديدًا في حياتها عمومًا والفنية والمهنية خصوصًا، وبررت احتفالها بطلاقها بكونه انتصارًا ونهاية من الآلام، التي واجهتها مع زوجها، وأضافت أن الاحتفال بالطلاق أصبح أمرا عاديا، وبأنها تعرف نساء أخريات احتفلن بطلاقهن، حتى من خارج الوسط الفني، وأقمن احتفالات مماثلة لهذه المناسبة أعلن بها نهاية فترة طويلة من المعاناة النفسية، وبداية حياة أخرى جديدة.
وأشارت إحدى المطلقات اللواتي احتفلن بطلاقهن إلى أنها فعلت ذلك لأنها أمضت سنوات من العذاب مع زوج غير متفهم، ولقيت صعوبة في حصولها على ورقة الطلاق، وبالتالي شكل الاحتفال مكسبًا مهمًا في حياتها الشخصية، استرجعت معه حريتها وثقتها في نفسها، وسمح لها ببدء صفحة جديدة، بعيدًا عن الضغوطات والمشاكل، والآلام والعرقلة التي لا تنتهي، وذكرت أنها تحتفل سنويًا بيوم طلاقها أو خلاصها من ثقل كبير كانت تعيشه مع زوجها السابق، ففي الوقت الذي يحتفل الناس بعيد الزواج أصبحت هي تحتفي بعيد الطلاق.
وتعارض فاطمة، 39 سنة، موظفة، الاحتفال بالطلاق، وتقول إنه سلوك غريب ناتج عن استلاب وغزو فكري اجتاح عقول النساء، وجعلهن يقلدن كل شيء من الغرب بلا إدراك ولا مسؤولية، بدل التحسر على التشتت وهدم التماسك الأسري الذي يعقب الطلاق.
ويؤيدها عبد الله، 25 سنة، مهندس إعلاميات، موضحًا أن هذه الممارسات لا تصدر إلا عن أشخاص لا يقدرون قدسية العلاقة الزوجية، كما يمكن أن تربي الحقد في نفوس الأطفال والشابات الناشئات والمقبلات على الزواج، كما أنه توجه يمكن أن يضعف حظوظ المطلقات في الزواج ثانية، فقط لاحتفالهن بالطلاق، وضربهن عرض الحائط لقوة ومحتوى العادات والتقاليد والدين.
وكانت الصحف الوطنية، قد فاجأت القراء، حين نشرت خبر احتفال أول سيدة مغربية بطلاقها، اسمها آمال، وتحمل الجنسية الهولندية، فأقامت حفلاً باذخًا في فندق نجوم قريب من برج تاريخي يطل مباشرة على المدينة العتيقة فاس، واستدعت للحفل شخصيات عدة، وقريبات ومعارف لها يقيم غالبهم خارج أرض الوطن، وخاصة في هولندا. فقامت بإنفاق أكثر من 200 ألف درهم في ليلة واحدة، حجزت فيها الكثير من المرافق التابعة للفندق، كما بدت سخية مع ضيوفها الذين وفرت لهم كل الظروف المناسبة للاحتفال، ولم تبخل عليهم بتوفير كل طلباتهم ورغباتهم، كما عبرت المحتفية في الحفل بكونها ليست نادمة، وأنها كانت تعتبر زواجها مرحلة سوداء في حياتها.
وفي المملكة العربية السعودية، أقامت فتاة في العشرينات من عمرها في محافظة عنيزة، احتفالاً في إحدى القاعات الفاخرة في المحافظة، ودعت إليها صديقاتها دون إخبارهن أن الحفل لمناسبة طلاقها من زوجها. وقامت الفتاة وفقًا لموقع إخباري بتوزيع رقائع الدعوة على صديقتها وقريباتها للمشاركة في الاحتفال دون ذكر السبب الحقيقي لهذه الدعوة، وفوجئت جميع الحاضرات في مكان الاحتفال أن صديقتهن المتزوجة قبل سنتين تحتفل بطلاقها من زوجها، بعد معاناة طويلة للحصول على الطلاق، بعد دعوة خلع أقامتها ضد زوجها في محكمة عنيزة.
ويبدو أن الاحتفال بالطلاق موضة انتشرت في عالمنا العربي بعد أن ابتدعتها بعض الفنانات الغربيات، ولعل أشهر الاحتفالات بالطلاق، هو ما قامت به الممثلة شانا موكليير، التي اشتهرت بصورة لها بجانب تورتة الطلاق، وزميلتها سكارليت يوهانسون، وتبعهما كثيرات، الموضة انتشرت في عالمنا العربي، ونقلتها الفنانة هالة صدقي للعالم العربي، إذ أقامت احتفالاً ضخمًا بعد طلاقها من زوجها مجدي وليم، بعد قضية تداولتها المحاكم المصرية لسنوات طويلة.. وهي اليوم سعيدة مع زوجها الثاني، وتعيش أمومتها للمرة الأولى. ولعل الغريب أن هذا النوع من الاحتفال يحييه نجوم الطرب، وتُطبع له دعوات، كما لو كان حفل زفاف ينقصه فقط العريس.
ويشير خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس إلى أن حفلات الطلاق ظاهرة جديدة ناتجة عن معاناة النساء في حياتهن الزوجية. فالمرأة التي تحتفل بطلاقها في حفل تدعو إليه المعارف والأصدقاء، تكون مقهورة بسبب قضائها سنوات من العذاب والمعاناة في حياة زوجية غير مستقرة، بعد خوضها الكثير من المعارك للحصول على الطلاق، ما يجعلها تشعر بالانتصار بعد الحصول عليه، فتحتفي بهذه المناسبة. لهذا يبدو من المستحب حسب هؤلاء الخبراء أن تقيم المرأة مثل هذا الاحتفال، الذي يفضي إلى التخلص من نظرة الشفقة والدونية التي تصاحب المطلقات عادة، فباحتفالها بطلاقها تطالب المرأة بتغيير هذه النظرات الظالمة من المجتمع من جهة، وتقنع نفسها بأنها تسلك المسار الصحيح لحياتها بعد مأساتها مع الزوج.
وخصصت قناة أمريكية، إحدى برامجها للحديث عن تزايد ظاهرة الحفلات الصاخبة، التي أصبحت تقام لمناسبة الحصول على الطلاق، وارتباطًا بهذا الموضوع، استعرض الروبورتاج أن معدل الطلاق في الولايات المتحدة وصل إلى ما يقارب نصف الزيجات، وأنه ومع تزايد الاحتفال بالطلاق ظهرت شركات متخصصة لمساعدتهم على إحياء هذا النوع من الاحتفالات، التي بات يطلق عليه اسم "Divorce Party" حتى إنه بدا أن هذه الظاهرة أصبحت أمرًا عاديًا ومقبولاً جدًا. وبدا الأمر مثيرًا أكثر حين أدرج المغرب ضمن التقرير المصاحب للروبورتاج، وتحدث عن منطقة بعينها، يُحتفى فيها بالطلاق، وهي المناطق الجنوبية، وبالضبط المناطق الصحراوية.
قالت الباحثة في المجال الثقافي والاجتماعي الدكتورة العالية ماء العينين، إن المجتمع الصحراوي عرف بالفعل ومنذ فترة طويلة ظاهرة الاحتفال بالطلاق، فعندما يشاع خبر الطلاق يشار للخادمات بإطلاق الزغاريد، ولا يكون الاحتفال حتى تخرج المرأة من فترة العدة، فتتزين المرأة وتتأنق وتلبس أحلى الثياب، وتحضر معها عائلتها وصديقاتها، ويعرف الحفل أهازيج ورقصات وتنظيم مأدبة، وأفادت ماء العينين أن انتشار هذه الظاهرة من الناحية الاجتماعية يؤكد أن العلاقات الأسرية والقبلية متينة جدًا، فالقبيلة تشير إلى أنها مسرورة برجوع ابنتها إليها بعد طلاقها، كما أنها تحتفظ بمكانتها السابقة قبل زواجها، إلى جانب استمرار العلاقة الطيبة بين عائلتي الزوجين بعد إقامة الطلاق.
وتضيف العالية ماء العينين أن الاحتفال بالطلاق لدى المرأة الصحراوية يعبر عن تعويض نفسي عن خطوة صعبة مرت منها في حياتها، وبأنها رغم طلاقها تظل غير مرفوضة، ولديها قيمة اعتبارية كبيرة في مجتمعها، ما يجعلها مرغوبًا فيها للزواج من جديد، فترسل إليها هدية، أو ما يسمى "لحريش"، فيعمد الرجل الراغب فيها إلى زيارتها مع أهله حاملاً إليها الهدية، منتظرًا مرور فترة العدة التي لا تقبل فيها الخطبة شرعًا، آنذاك يشاع أن تلك المرأة "تحرشت"، أي أن أحدهم سيخطبها قريبًا. وإذ لم تحرش المرأة قبل انتهاء العدة يكون حفل الطلاق فرصة لتجربة ثانية، ويكون حظها في الزواج أحيانًا أفضل من البنت البكر، وقد تتزوج بعد طلاقها مرة واثنين وأكثر، وهي مسألة عادية عند أهل الصحراء.
وتقول ماء العينين: إن مظاهر الطقوس الاحتفالية بالطلاق في تراجع بسبب ظروف الحياة، وميل المجتمع إلى المدنية أكثر فأكثر، هذا إلى جانب كونه أصبح يتم في المحكمة، كما أن حضانة الأطفال بدورها تتطلب وقتًا أكبر، وقد لا تتم بشكل ودي عكس ما كان يحدث في الماضي، إذ كان الأطفال يتربون من لدن أخوالهم بعد الطلاق. لكن يظل الإيجابي، في نظر الباحثة ماء العينين أن المرأة المطلقة الصحراوية، لا تزال تحتفظ بقيمة كبيرة، وينظر إليها بشكل إيجابي.