تدخل الأصدقاء في الحياة الزوجية قد يكون مفيد لها أو يهددها
القاهرة ـ شيماء مكاوي
يقع الزوجان في كثير من الأحيان، في فخ استشارة أصدقائهم في تفاصيل حياتهم الزوجية، وأحيانًا في الأمور الخاصة جدًا، مما يحدث الكثير من الخلافات بسبب استماعهم لنصائح أصدقائهم وتجاربهم.. فهل إفشاء الأسرار الزوجية للأصدقاء مفيد للحياة الزوجية أم يهدد بانهيارها؟ وماهي الحدود التي يُسمح فيها بتدخل
الأصدقاء؟ "العرب اليوم" يطرح هذا التساؤل على متخصصي علم النفس والاجتماع وعلى أهل الدين في هذا التحقيق ...
يقول أحمد سامي : عندما تزوجت كنت أحكي أسرار حياتي وتفاصيلها إلى أصدقائي، من بداية يوم زفافي حتى انتهت هذه الحياة بالفشل، ولا أعرف هل لأصدقائي شأن أم لا، ولكني كنت أُنفذ ما ينصحوني به بالتفصيل مع زوجتي ، فهم دائمًا كانوا ينصحوني بأن أربي زوجتي وأن أُظهر لها "العين الحمراء" من اليوم الأول، وأرفض ما تطلبه مني مرارًا وتكرارًا، وأفعل عكس ما تريده، حتى أنها في النهاية رفضت أن تعيش معي وطلبت الانفصال وانفصلنا.
وتحكي زينب محمد "لي صديقتين هما أقرب الناس لي، حتى أنهما أقرب من أهلي لي، وأحكي لهم أمورًا لا أستطيع أن أحكيها لأهلي، كنت أسمع دائمًا أن أسرار غرفة النوم لا يمكن أن أحكيها لمخلوق، ولكني كنت أحكيها لصديقاتي لأنني كنت لا أعرف شيئًا عن الزوجات، وصديقاتي متزوجات لذا كنت استشيرهم في الأمور الخاصة، ولكن للأسف شعرت بالندم لأن صديقاتي كن يتعمدن معاملة زوجي معاملة سخيفة، لانهم يعرفون عنه أموره الخاصة مني، لذا ومن وقتها بدأت أخفي عنهن أموري ولا أحكي ما بيني وبين وزوجي لهن، لأنه اتضح لي أنني لا أعرف شيئًا عن حياتهن الخاصة ولا عن أزواجهن".
ويقول أستاذ علم النفس الدكتور عبد المنعم شحاته، "تذكرني قصة تتعلق بتدخل الأصدقاء في الحياة الزوجية، سأرويها في البداية حتى نتعرف على خطورة إفشاء أسرارنا للأصدقاء، وهذه القصة قصة واقعية، وهي عن زوجة كانت تعيش مع زوجها وأولادها في سعادة وفي استقرار، إلى أن انتقلت الأسرة إلى مسكن جديد، وتعرفت الزوجة على جارة لها تعيش بمفردها، وهي أكبر منها سنًا، لذا فتحت لها بيتها ووثقت بها ثقة عمياء، على الرغم من تحذير الجيران لها من التعامل مع تلك السيدة لسمعتها السيئة، إلا أن الزوجة كانت حسنة النية لدرجة السذاجة، وكانت تحكي لها عن مميزات زوجها وما يحبه ومالا يحبه، ولكن الجارة اللعوب لم يمنعها سنها المتقدم من الاهتمام بمظهرها والتزين كأي فتاة في عمر الزهور، وبدأت تنصب شباكها حول زوج جارتها، وتنتهز غياب زوجته وتذهب للجلوس معه في غياب صاحبة البيت، ولاحظت الزوجة المسكينة أن معاملة زوجها لها بدأت تتغير وأصبح دائم النفور منها، وينتقد مظهرها وملابسها ويقارن بينها وبين الجارة، وعلى الرغم من ذلك لم تدرك الزوجة أن حياتها تنهار بفضل الجارة، التي اعتبرتها صديقة لها وحكت لها أسرار حياتها الأسرية، واستيقظت الزوجة من النوم في ساعة متأخرة من الليل ولم تجد زوجها بجانبها، بحثت عنه في الشقة ولم تجده، شعرت بالقلق وفتحت باب الشقة فوجئت به يخرج من شقة الجارة، مما أصابها الذهول وثارت في وجهه، سبها وصفعها على وجهها ورمى عليها يمين الطلاق، وبلغت به الوقاحة أن طردها وأولادها من البيت.
ويضيف الدكتور شحاته، "لذلك من الأفضل أولاً أن نحسن اختيار الأصدقاء حتى لا ندفع الثمن غاليًا، وعلاقات الصداقة مطلوبة ومهمة نفسيًا في حياة أي إنسان، فهذا أمر فطرت عليه النفس البشرية، أن تأنس إلى صديق وتلجأ إليه وقت الشدة وتستنير برأيه، ويختلف الناس في اختيار الصديق باختلاف أفكارهم وأرائهم وطبائعهم وعاداتهم وميولهم، ونظرًا لخطورة الصديق وتأثيره البالغ على الإنسان، فإنه لابد أن تكون هناك ضوابط وقواعد لاختياره، وإلا أُصيب الإنسان بالضرر، فمسموح للزوج والزوجة أن يكون لهما أصدقاء، ولكن هناك حدود وضوابط لتدخل الأصدقاء في الحياة الزوجية، فلا يُسمح لهم بتحريك مشاعرنا بالسلب تجاه أزواجنا، ولكن مسموح لهم أن يتدخلوا بالإيجاب لتقربة المسافات بين الزوجين، وغير مسموح لهم التعرف على أسرار الزوجين الخاصة.
من جانبها، تؤكد أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح، أن "القرآن الكريم يحذر من صديق السوء، ويشير إلى ضرورة اختيار الصديق وفق مواصفات معينة، والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى في الحديث الذي نقله أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حيث: الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما يجذبك وأن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة، ومن هنا فلابد أن نحسن اختيار أصدقاؤنا، أما عن إفشاء الزوجين لأسرارهم الزوجية لأصدقائهم، فقد نهى الله ورسوله عن هذا الأمر بل اعتبره من الكبائر وبخاصة إفشاء أسرار حجرة النوم، وكان يحدث هذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أسماء بنت زيد رضي الله عنها، أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجال والنساء قعود, فقال : لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله, ولعل امرأة تُخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأَرِم القوم (أي سكتوا ولم يجيبوا), فقالت: أي والله يا رسول الله, إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلونه. قال : فلا تفعلوا, إنما ذلك الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون.
وتوضح د.سعاد أنه "بالنظر إلى هذا التشبيه العجيب من الرسول صلى الله عليه وسلم، عمن يحكي للناس عما فعله مع أهله، ومن تحكي ما تفعل مع زوجها من أسرار الفراش، لقد شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما مثل شيطان لقي شيطانة في الطريق، فقضى حاجته منها والناس ينظرون، فهذا الأمر منهي، والزوجة أو الزوج الذين يفعلون ذلك يقضون على حياتهم الزوجية سريعًا، فالصديق لا يحق له التعرف على تفاصيل الحياة الزوجية لأصدقائه، حتى لو حدث بينهما أي مشكلة فلا يحق لهم استشارة هؤلاء الأصدقاء في هذه المشكلة، فعليهم أن يحلوا أمورهم في ما بينهما، ولا أحد يعرف عنهما شيئًا حتى الأهل".
ويرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور أحمد زايد، أن "وجود الأصدقاء في حياتنا أمر مقبول اجتماعيًا، حيث أن الانطواء الاجتماعي غير صحيح، وعدم وجود أصدقاء للزوج والزوج يشعرهما بالملل الشديد من حياتهما، فيجب أن يكون لهما أصدقاء، ولكن حدود تدخل هؤلاء الأصدقاء في حياتهما هم من يحددونها وليس غيرهما، فمن الممكن أن نحكي الأمور الحياتية العادية ولكن ماهو غير مقبول أن نحكي أسرار أزواجنا، أي أن الزوجة تحكي أسرار زوجها وتفشي سره أمام صديقاتها، فهي بذلك تقوم بتعريته أمامهن، ومنهن من يستغل ذلك بالسلب مما يشكل ضررًا على حياة تلك الزوجة، والعكس صحيح فغير مقبول للزوج أن يحكي أسرار زوجته الخاصة أمام اصدقائه حتى في سبيل الدردشة والتهكم على السيدات، لأن هذا النموذج متكرر للأسف، ومن هنا لابد أن يكون لنا أصدقاء، ولكن هناك حدود لهؤلاء الأصدقاء يجب أن يعرفونها جيدًا، وألا يقوموا بتخطيها مهما تطلب منهم ذلك".