مسقط - عمان اليوم
في ظل الجائحة التي تهز العالم يبرز دور البحارة الصعب ومكانتهم الراقية في مواجهة وباء كورونا، باعتبار أنهم من واجهوا أشد المواقف خطورة وتابعوا مهامهم رغم العديد من التحديات الصحية والنفسية الصعبة، ومع حلول الخامس والعشرين من يونيو هذا العام، يأتي (يوم البحار العالمي) بنكهة خاصة، حيث يحتفل العالم بالأبطال البحريين ويسلط الضوء على العديد من قصصهم وقضاياهم بهدف نشر الوعي حول دورهم المهم والإشادة بإنجازاتهم، وهذا العام تنادي المنظمة البحرية الدولية في يوم البحار العالمي الدول الأعضاء بالاعتراف بدور البحارة كعاملين أساسسين في الخطوط الأمامية في مواجهة فيروس كورونا، وتؤكد على ضرورة توفير الدعم والمساندة اللازمة لهم وتسهيل إجراءات السفر.
وبهذه المناسبة، تنقل كلية عمان البحرية الدولية (IMCO) تجارب عدد من بحارة السلطنة من خريجي الكلية الذين كغيرهم من البحارة حول العالم عملوا بجد وواجهوا تحديات الإبحار في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا.
توفير الإمدادات
وقد أصدر كيتاك ليم (الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية) بيانًا بمناسبة (يوم البحار العالمي)، أكد فيه دعمه للبحارة وأشاد بدورهم الأساسي في هذه الجائحة على وجه الخصوص، حيث يعود الفضل لهم في انسيابية توفر السلع الحيوية والإمدادات الطبية من السلع والبضائع على الرغم من الإجراءات الاحترازية التي تتخذها دول العالم للحد من انتشار الوباء وإغلاق المطارات وعدم السماح للبحارة بالنزول في موانئ العديد من الدول، ما أدى لزيادة مدة وجودهم في البحر وعدم معرفة وقت عودتهم إلى ديارهم.
مدربون لمواجهة التحديات
محمد بن جاسم البلوشي (مهندس بحري)، متواجد حاليًّا على متن السفينة في المحيط الهندي عن عمل البحارة الذي دائمًا ما يواجه العديد من التحديات، حيث إنهم مدربون على تخطيها؛ كونها جزءًا من هذه المهنة التي يفتخر بها، ولكنه يشير إلى الوضع الحالي على أنه غريب وتحدياته نفسية بقوله: خطورة انتقال العدوى من خلال الموانئ وعدم القدرة على النزول فيها شكلت نوعًا من التوتر، بالإضافة إلى القلق على الأهل ونحن بعيدون عنهم، ففي كل مرة كنا نبحر مطمئنين على أهلنا وأقاربنا، ولكن نسمع من خلال الإعلام بأن الفيروس ينتشر بسرعة والأعداد في تزايد، ولكن كان يجب علينا كبحارة أن نسيطر على هذه التحديات والاستمرار بالعمل على أكمل وجه. فنحن نؤدي عملًا مهمًّا تعول عليه جميع الدول، خصوصًا في الوقت الحالي.
تعاون أفراد الطاقم
أما مساعد القبطان جاسم بن محمد العبري فيشير إلى عدة قوانين أصدرتها الشركة الوطنية للعبارات اتباعا لتعليمات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، وتم تغيير نظام العمل ليكون لمدة شهر للطاقم على متن العبارة لتقليل التنقل بين الموظفين، مشيرًا إلى أنه تم تعاون جميع أفراد الطاقم لضمان مواصلة سير العبارات لخدمة المواطنين وتم اتخاذ العديد من الإجراءات الوقائية بين أفراد الطاقم والركاب.
ويضيف قائلًا: تغيير نظام العمل لا يعتبر تحدِّيًا بالنسبة للبحار، فهو مُهيأ للعمل في أصعب الظروف ولفترات طويلة جدًّا، ولكن تكمن الخطورة بالنسبة لنا في تعاملنا مع عدد كبير من الركاب بشكل مباشر يوميًّا، ولا نعلم من قد يكون مصابًا وإن كنا نقوم بفحص الركاب لمعرفة من تبدو عليه الأعراض.
إجراءات احترازية
ومن الصين، تروي بسمة الهاشمية (ضابط سطح ثانٍ) عن تجربتها في ظل هذه الأزمة العالمية وتتوافق مع زملائها من البحارة حول الضغط النفسي الذي شكله الوباء عليهم والتخوف المستمر من التقاط العدوى، حيث قالت: علمنا بموضوع إغلاق المطارات والعديد من الدول بعد أسبوع واحد فقط من التحاقي بهذه الرحلة وقد كنا حينها في الشارقة، حيث كان يبدأ خط الرحلة من الفجيرة مرورًا بالشارقة وبعدها إندونيسيا وماليزيا وعدد من موانئ الصين، وقد بدأنا بأخذ الإجراءات الاحترازية مثل فحص درجة حرارة الطاقم يوميًّا وأي شخص يزور السفينة في الموانئ وتعقيم جميع الأدوات بعد الخروج من أي ميناء، ولكن ومثل حال جميع الناس حول العالم وبسبب سماع الأخبار والانتشار السريع للوباء تعرضنا لضغوطات نفسية خوفًا من التعرض للمرض، خصوصًا أننا مررنا بعدد من الموانئ الصينية.
نحافظ على معنوياتنا
فيصل بن نصر الرئيسي ـ أحد البحارة الذين كانوا على رأس عملهم خلال فترة الجائحة، بدأت رحلته من الإمارات على أن تنتهي في جزيرة موريشيوس بعد ثلاثة أشهر من الإبحار في نهاية شهر مارس، ولكن كغيره من البحارة اضطر إلى الاستمرار في العمل بسبب الإجراءات التي اتخذتها جميع الدول، ويقول: التحديات التي واجهناها نفسية وليست عملية، فهذا الوضع غريب على الجميع وغير متوقع ولا أحد يعلم كيف ستؤول الأمور، فكيف ونحن في عرض البحر لا نعلم ماذا سيحدث؟ ومتى وأين سيتسنى لنا أن نغادر السفينة؟ ولكن على الرغم من الأوضاع المضطربة في العالم استطعنا أن نحافظ على معنوياتنا، كما تلقينا تعليمات لتغيير مسار الرحلة استجابة لمتطلبات الوضع الراهن.
استقبال السفن
من جهته، يقول المهندس البحري حسن بن خليل البلوشي ـ والذي عاد في الشهر الماضي من رحلته، حيث خضع للحجر لمدة 14 يومًا في أحد الفنادق: بدأت رحلتي من سنغافورة في نهاية شهر ديسمبر وتوجهت من خلالها لعدة موانئ في كل من أستراليا وفيتنام وصحار، وقد استمرت لمدة 4 أشهر، وحين تلقينا خبر إغلاق المطارات في أستراليا في ميناء جلادستون لم تتغير طبيعة العمل اليومي على متن السفينة خلال الجائحة، ولكن التغيير كان جليًّا في طريقة استقبال الموانئ للسفن حيث كانت الإجراءات صارمة مع عدم القدرة على النزول في الميناء والصعوبة في التزود بالمؤن والمستلزمات الأساسية للرحلة البحرية القادمة.
إغلاق المطارات صدمة
أما محمد بن راشد العيسائي، ضابط ثانٍ ملاحة بحرية، فقد التحق بالسفينة بتاريخ الـ8 من ديسمبر على أن يعود إلى الوطن في بداية شهر مارس، ولكن بسبب جائحة كورنا لم يتمكن من ذلك، واستمر في العمل على متن السفينة حتى منتصف مايو الماضي، وهنا يقول: الإجراءات كانت معقدة في معظم موانئ العالم، لا سيما أن السفينة كانت قادمة من موانئ الصين، وكان خبر إغلاق المطارات بمثابة الصدمة لمعظم أفراد الطاقم، حيث كانوا على وشك إكمال مهمة العمل والعودة إلى أوطانهم.
ويلفت العيسائي إلى محاولة التعامل مع القلق الذي صاحب سرعة انتشار الفيروس من خلال الأنشطة المشجعة بانتظار مرور هذه الأزمة ويقول: لم تكن هناك أية مشاكل قد أثرت على طبيعة العمل، بل كان يجري على نحو سلس ومتكامل كما هو في السابق، ولكن سرعة انتشار الفيروس في العالم أدى إلى توترنا وازدادت التساؤلات متى وأين وما هي الطريقة الأمثل للنزول؟ ولكن على الرغم من ذلك كان الجميع متفهمًا للوضع الصعب الذي تمر فيه دول العالم، وكنا نسعى إلى إيصال وبث رسائل تشجيعية لجميع أفراد الطاقم حول كيفية التعامل مع هذا الوضع والالتزام بالإرشادات المتبعة للحد من انتشار الفيروس بشكل عام عندما تكون السفينة في الميناء بشكل خاص، كما عمدنا إلى إيجاد برنامج صحي للبحارة كالتقيد بتناول غذاء صحي متكامل وفحص يومي لدرجة الحرارة، وتوفير جو مناسب للعمل من خلال إقامة بعض الأنشطة الترفيهية أسبوعيًّا إلى جانب ممارسة الرياضة وألعاب الفيديو بشكل شبه يومي للحد من زيادة الضغوطات النفسية بسبب التوتر الذي يشهده العالم.
قد يهمك أيضا: