مسقط - عمان اليوم
من مكتبه شاهدت كل الأوقاف في عُمان، حتى عصي العميان والنخيلات «الوقيعة» على سواقي الأفلاج .. كان يتحدث وأمامه شاشة، وبكبسة زر، ظهرت كل تفاصيل الأوقاف.. أنواعها، ومواقعها، ومساحاتها، بعد أن تم توثيقها وجمعها في منصة إلكترونية.. تنساق ضواحي النخيل بحدها وحدودها، والأصول الأخرى من عقارات وأراض بيضاء، كما لو كنا نتجول فيها..
لم يعد شيئًا مجهولًا من أموال وأصول الأوقاف، بعد أن تم رصدها عبر النظام الإلكتروني، وإنشاء السجل الوطني للأوقاف.. هذا ما أكده سعادة الدكتور محمد بن سعيد المعمري وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، في حوار مع «عمان» حول قطاع الأوقاف في السلطنة، وقد تلقت بعض إجاباته عبر الإيميل، موضحًا أنه يشهد تطورًا ملحوظًا في ظل النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -، من حيث إدارته، فقد تم حصره وتوثيقه إلكترونيا، وإرساء قواعد ونظام الحوكمة لإيجاد أصول وقفية مستدامة، من خلال منظور إسلامي معتدل ومعاصر، والمحافظة على أصول الأوقاف وبيت المال، ونشر الوعي والثقافة الوقفية في المجتمع.
وقال: إن توظيف التقنية هو الأسلوب الجديد في عمل الوزارة اتساقًا مع منظومة الحكومة الإلكترونية في «رؤية عُمان 2040».. مضيفًا إن المنصة الإلكترونية توفر العديد من الخدمات، لتبسيط الإجراءات وسرعة الإنجاز، كما تتيح الإشراف على آليات فاعلة، وإجراءات نظامية لتعزيز استثمارات الأوقاف، وحمايتها، مشددا على محاسبة أي فعل متعلِّق بالتعدِّي على أملاك الأوقاف أو التستُّر عليها، وعدم الإفصاح عنها. وأكد سعادته على الاهتمام ببناء وتطوير منظومة أعمال ذات مصداقية، ورفع عوائد ومنافع الأوقاف وبيت المال، باتباع منهجية استثمارية رائدة وفعّالة تحقق الخيرية الوقفية عبر وسائل آمنة، ورفد الاقتصاد الوطني، وإيجاد شراكات حقيقية مع قطاعات الاقتصاد والاستثمار في السلطنة.. وإلى تفاصيل الحوار:
بداية سألته عن وضع الأوقاف في السلطنة؟
فكان رده أن الأوقاف جزء من هوية السلطنة وحضارتها، وتكمن أهميتها في مساهمتها بالتنمية المعيشية وحاجات الناس الأساسية، ولم يقتصر نفعها على البشر وحدهم، بل وصل خيرها إلى غير البشر، من الزروع والدواب والطيور ونحوها. والأوقاف في تزايد مستمر، ففي عام 2020 بلغ عدد الأنشطة الوقفية 60761 نشاطًا و19 مؤسسة وقفية، و9 صناديق، كما تم تسجيل 55 وقفًا جديدًا في وزارة الإسكان والتخطيط العمراني.
* ما هي التغييرات التي طرأت على إدارة الأصول الوقفية لمواكبة المستجدات؟
- مع إصدار قانون الأوقاف ولائحته التنظيمية، والنظام الإلكتروني للأوقاف اكتمل الجانبان التشريعي والإجرائي للأوقاف، وبناءً عليهما تم تشكيل التقسيمات الإدارية لإدارة واستثمار الأوقاف، وإنشاء لجان الأوقاف وبيت المال، لتطوير وتنمية أموال الأوقاف وبيت المال في الولايات، والمحافظة عليها، وقد بلغ عدد اللجان ٦٢ لجنة فرعية موزعة في جميع الولايات، إضافة إلى إنشاء اللجنة الرئيسية للأوقاف وبيت المال.
وقد حرصت الوزارة على إشراك المجتمع في إدارة الأوقاف، كونهم على اطلاع ودراية بأوضاع أملاك الأوقاف والأعراف، وبذلك يكون لهم دور إيجابي نحو تطوير وتفعيل العمل الوقفي، إلى جانب الإدارات والمديريات المتخصصة بالوزارة، ومع وجود النظم الإلكترونية والأدوات القانونية في الحوكمة، وتسهيلًا للإجراءات والمعاملات الوقفية فإن الوزارة بصدد إعادة تنظيم هذا الجانب ومراجعة اللجان.
كما تسعى الوزارة حاليًا إلى وضع موارد مالية مناسبة، لتنفيذ خطة الاعتماد على موارد خيرية للمجتمع، وصناديق الأوقاف، وهذا يعطي قطاع الأوقاف وبيت المال مواطن قوة، من حيث إيجاد بيئة عمل مشجعة، وكادر مؤهل، ووجود برامج إلكترونية لقطاع الأوقاف، كما وضعت لائحة تنظيمية لقطاع الأوقاف وبيت المال، التي قامت بحوكمتها.
ونتطلع إلى استكمال الربط الإلكتروني في أنظمة الأوقاف والزكاة والمساجد، مع المؤسسات الحكومية، والتعجيل باستخراج سندات التملك للأوقاف وبيت المال.
وتكمن نقاط القوة في اكتمال الهيكل الإداري، واللائحة التنفيذية مع وجود الأصول الوقفية المستثمرة، والأصول الوقفية البيضاء القابلة للاستثمار.
كما نعكف حاليًا على نقل الاختصاصات المتداخلة مع المديريات الأخرى، والاستعانة بالمكاتب المتخصصة، لتقييم دراسات الجدوى، وتأهيل كوادر دينية متخصصة واعية لتغطي معظم الولايات، بما يمكّن الأوقاف من التكامل مع المنظومة التشريعية.
* يشاع الكثير عن استغلال أصول الأوقاف كيف يمكنكم تفادي ذلك؟
- نعوّل كثيرًا على ثقة المجتمع في العمل الوقفي وأهميته، كونه جانبًا مهمًا وتحتاج إليه جميع فئات المجتمع، وعملنا على استغلال الأصول الوقفية غير المستثمرة، حيث ركزنا على إيجاد بيئة استثمارية قابلة للتطبيق في الأسهم والودائع البنكية والقطاع الصناعي، وتمت مخاطبة البنوك من أجل تأطير إدارة الأسهم الوقفية، وقد قطعنا شوطًا ملحوظًا في هذا الجانب، ومن الأمور التي نسعى إلى تحقيقها في قابل الأيام بناء شراكات حقيقية مع قطاعات الاقتصاد والاستثمار في السلطنة.
* ولكن هل لديكم استراتيجية واضحة لإدارة الأصول؟
- نعم.. نعمل وفق استراتيجية لقطاع الأوقاف، بهدف تحقيق استدامة الأصول الوقفية، من خلال منظور إسلامي معتدل ومعاصر، وإيجاد رؤية ريادية وقفية مستدامة.
وقد وضعنا خطة خمسية 2021-2025، ونسعى من خلالها إلى مجموعة من الأهداف، أهمها تحقيق حكمة التشريع برفع إيرادات الزكاة، وعدالة التوزيع وفق ضوابط وقوانين الحوكمة، وإيجاد أصول وقفية جديدة مستدامة، والمحافظة على أصول الأوقاف وبيت المال، وتعزيز جودة العمل المؤسسي للأوقاف، باستثمار التقنية الحديثة وفق قواعد الحوكمة، والعمل على توثيق أصول الأوقاف وبيت المال، وإثباتها قانونيًا وإداريًا وإلكترونيًا.
تتجسد رؤيتنا في تنمية مستدامة للأوقاف وبيت المال بشراكة مجتمعية، من خلال مؤسسات وصناديق وقفية، وكوادر متخصصة وممارسات استثمارية متجددة، لتحقيق النفع، ولهذا فإن تركيزنا على بناء وتطوير منظومة أعمال ذات مصداقية، وتحظى بثقة المستثمرين والواقفين في مجالات الوقف، وبيت المال، ورفع عوائد ومنافع الأوقاف وبيت المال، باتباع منهجية استثمارية رائدة وفعّالة تحقق الخيرية الوقفية عبر وسائل آمنة، ورفد الاقتصاد الوطني، من خلال مساهمات المؤسسات والصناديق الوقفية وبيت المال، في الناتج المحلي الإجمالي، والتوجيه الأمثل والشفافية في صرف عوائد الأوقاف، بما يحقق منفعة الموقوف عليه وديمومة الأصول الوقفية، ووضع سياسات الإنفاق وآلية صرف العوائد.
* ما مدى الاهتمام بتطبيق قواعد ونظام الحوكمة في إدارة الأصول الوقفية؟
- إن إرساء قواعد ونظام الحوكمة مطلب مهم في إدارة الأصول الوقفية لتحقيق حكمة التشريع، وإيجاد أصول وقفية جديدة مستدامة، والمحافظة على أصول الأوقاف وبيت المال، ويتجسد ذلك في نشر الوعي والثقافة الوقفية في المجتمع، والتقييم الدوري لوكلاء الأوقاف، وتعزيز جودة العمل المؤسسي للأوقاف، باستثمار التقنية وفق الحوكمة، وإيجاد أصول وقفية مستدامة لخدمة الأغراض المجتمعية، والعمل على توثيق أصول الأوقاف وبيت المال، وإثباتها قانونيًا وإداريًا وإلكترونيًا، وذلك بحصر أموال الأوقاف وبيت المال عبر النظام الإلكتروني للأوقاف، وتوثيق أموال الأوقاف وبيت المال من ناحية قانونية.
* كيف يمكنكم تعظيم إيرادات المشروعات الوقفية؟
- الوزارة ماضية في بناء وتطوير منظومة أعمال ذات مصداقية، وتقوم بتطوير الأعمال، فيما يخص تجويد سبل إدارة الأصول العقارية وتقييمها والاستعانة بخبراء التقييم، وإطلاق مشروعات استثمارية وقفية، وتأسيس وتشغيل نظام متابعة، وحملات التوعية والإعلانات لزيادة الوعي بالأوقاف والمساهمة بها، وتشجيع المشاركة المجتمعية، وقمنا بإقامة دورات تدريبية في مجال دراسة الجدوى الاقتصادية والاستثمار وشؤون الأوقاف.
ويتم اتباع منهجية استثمارية رائدة وفعّالة لرفع عوائد ومنافع الأوقاف وبيت المال، وتحقيق الخيرية الوقفية عبر وسائل آمنة، بتطوير الأعمال، أي تطوير عمليات الاستثمار الوقفي وتنويعها، وبناء شراكة مع البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية.
وبالطبع نسعى إلى رفد الاقتصاد الوطني، من خلال رفع مساهمات المؤسسات والصناديق الوقفية وبيت المال في الناتج المحلي الإجمالي، بوضع آليات تسهل إجراءات استثمار الأوقاف، ولذلك أصدرت الوزارة أدلة استرشادية للمؤسسات الوقفية، والصناديق، وتدريب المؤسسات والأفراد عليها، وتفعيل نظام الرقابة على المؤسسات والصناديق الوقفية والإفصاح المالي، والتوجيه الأمثل والشفافية في صرف عوائد الأوقاف، بما يحقق منفعة الموقوف عليه وديمومة الأصول الوقفية، من خلال وضع سياسات الإنفاق وآلية صرف العوائد، وتوعية المؤسسات الوقفية والصناديق، والوكلاء، ووضع النظام المحاسبي على وكلاء الأوقاف، وتسهيل الشراكة بين المؤسسات الوقفية ووكلاء الأوقاف.
- ما هي الخطوات التي قمتم بها لحماية الأوقاف من التعدي وتعزيز الاستثمارات الوقفية؟
- هناك العديد من الخطوات التي قامت بها الوزارة في سبيل ذلك، فقد قامت بحصر شامل للجوامع والمساجد وأموال الأوقاف وبيت المال، وما يرتبط بها. كما استحدثت دائرة للمؤسسات والصناديق الوقفية، تزامنًا مع تطوير قطاع الأوقاف وتنمية استثماراتها.
ويمثل البرنامج الإلكتروني للأوقاف وبيت المال نقلة كبيرة، حيث يحتوي على 21 خدمة إلكترونية، منها خدمة حصر وتوثيق الأوقاف وبيت المال، وخدمات الوكلاء وإدارة الوكالات، والمزايدات، وخدمات الإشراف الإداري والمالي على الأوقاف، وإنشاء الأسهم والمشروعات الوقفية، والتصرف في الأوقاف كالاستثمار، والإيجار، والبيع، والمقايضة.
وتهدف الوزارة من هذه الخدمات إلى حماية الأوقاف، وتعزيز استثماراتها، من خلال حصر الأوقاف وبيت المال، بمعرفة حدها وحدودها، وجمع البيانات والأدلة التي تثبت بتعيين وتهيئة أراضي الأوقـاف وبيت المال، بالخدمات الأساسية، تسهيلًا وجذبًا لاستثمارها، وإيجاد الفرص المناسبة لاستثمار أراضي الأوقاف وبيت المال، والاستفادة من الكفاءات والخبرات في تنمية وإدارة أموال الأوقاف، وبشراكة المجتمع والمؤسسات الوقفية والصناديق الوقفية والوكلاء.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن البرنامج الإلكتروني يتيح الإشراف على آليات فاعلة، وإجراءات نظامية ضد التعدي على الأوقاف وبيت المال، وذلك بزيادة توعية المجتمع بأهمية الوقف وخطورة التعدي عليه، وحماية الأوقاف من حيث تثبيت بياناتها، وتفعيل الإجراءات المتخذة بشأنها إلكترونيًا، والإشراف الميداني الدوري على أموال الأوقاف وبيت المال، ومعالجة الإشكالات الناتجة، ومراجعة الأنظمة المتعلقة بإدارة الأوقاف، ورفع الحلول بما يضمن عدم التعدي.
وعلاوة إلى ذلك فإن المنصة الإلكترونية للأوقاف تساهم بشكل كبير في التسهيل على الناس وتبسيط الإجراءات، وسرعة الإنجاز والوزارة تعمل باستمرار على تطويرها وتحسينها.
وبالتنسيق مع الادعاء العام، صدر تعميم يقضي بمحاسبة أي فعل متعلِّق بالتعدِّي على أملاك الأوقاف أو التستُّر عليها، وعدم الإفصاح عنها في الوزارة.
ونسعى إلى مزيد من التطور، تماشيًا مع رؤية عُمان 2040، والرؤى السديدة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه.
قد يهمك ايضاً
وزير الخارجية العُمانية لليمن واليمنيين مكانة خاصة في قلوب العمانيين
وزير الخارجية العُماني يبحث الأوضاع التي شهدتها القدس مع نظيره الفلسطيني