الجزائر:عمّـــار قـــردود
طالب ن0 السلطات الجزائرية بحقيقة اغتيال والده بتاريخ 29 حزيران/يونيو في دار الثقافة في مدينة عنابة شرق الجزائر 1992، وإعادة فتح ملف الاغتيال، موضحًا أنه طيلة ربع قرن من الزمن، وهو يبحث عن الحقيقة في كل مكان إلا أنه فشل في الإمساك بخيط و لو كان رفيعًا، من أجل كشف الملابسات الحقيقية وراء تصفية والده جسديًا، بتلك الطريقة المأساوية والعلنية.
والجدير بالذكر أن حادث اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف، يُعتبر من ضمن عمليات الاغتيال القليلة في العالم، التي تمت مشاهدتها على الهواء مباشرة مثل حادث اغتيال الرئيس المصري أنور السادات سنة 1981، وقد شاهدها آنذاك الكثير من الجزائريين، الذين كانوا متسمرين أمام أجهزة التلفاز لمشاهدته وهو يُخاطبهم، وأعلن بالمناسبة ناصر بوضياف عن إعادة بعث حزب والده الرئيس الراحل محمد بوضياف "التجمع الوطني"، وتعهد بأنه سيضم كل الأشخاص والمواطنين، الذين يتبنون أفكار والده ويحبون الجزائر قبل كل شيء.
ورغم أن كثير من المسؤولين و الشخصيات التي كانت شاهدة على حقيقة اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف، أو كانوا يعرفون بعض الحقيقة قد غادروا الحياة و البقية يرفضون الحديث في هذا الموضوع، الذين يعتبرونه سرًا من أسرار الدولة الجزائرية بحجة واجب التحفظ، إلا أن ناصر بوضياف لم يفقد الأمل و بقي متشبثًا و لو ببصيص منه، و تحذوه إرادة قوية لأجل كشف حقيقة مقتل والده، حتى يرتاح ضميره الذي سيبقى يأنبه طالما لم يتوصل إلى حقيقة اغتيال والده.
وكان رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر ووزير الشؤون الدينية والأوقاف، بوعبد الله غلام الله"، قد أدلى بتصريحات إعلامية خطيرة في شهر يناير/أيار الماضي حيث قال: "إن الذين جاؤوا بالرئيس محمد بوضياف هم الذين اغتالوه"، و كشف رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، آنذاك، "إن الذين قالوا له – بوضياف – أن المدرسة الجزائرية منكوبة، هم الذين نكبوه أسبوعًا بعد ذلك"، ومن ذلك اليوم والمدرسة منكوبة، مضيفًا: "أين هم الذين حصلوا على البكالوريا عام 1988 و1989، كلهم نجحوا لأن المدرسة لم تكن منكوبة كما يدعون وكانت المدرسة فعلاً وطنية وتعمل وتشغل وتنير البناء الوطني، لم تجد طريقها بعد إلى اليوم".ليطالب نجل الرئيس الجزائري المغتال محمد بوضياف، وزير العدل الجزائري،الطيب لوح،بالسماح للعدالة بالإخطار الذاتي، بعد تصريحات رئيس المجلس الأعلى للمجلس الإسلامي الجزائري غلام الله بوعبد الله.ووجه ناصر بوضياف، 24 يناير/أيار الماضي، رسالة إلى وزير العدل الجزائري، بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري السابق، بخصوص الجهة التي اغتالت الرئيس الجزائري الأسبق في 29 حزيران/يونيو 1992.
وقال ناصر بوضياف في رسالته، "إن تصريحات غلام الله تتطابق تماما مع التصريحات التي أدلى بها للتلفزيون الجزائري في 2 تموز/يوليو 1992"، وأضاف مخاطبًا وزير العدل الجزائري، إنه يطالب إما السماح للعدالة بالإخطار الذاتي أو السماح له، بإيداع شكوى بعد ظهور معطيات جديدة (تصريحات رئيس المجلس الإسلامي الجزائري الأعلى).
وشدّد نجل بوضياف، أنه يعتزم اللجوء إلى العدالة الدولية، في ظل غياب إجابة من وزير العدل، مضيفًا أن العدالة الجزائرية أصدرت حكمها "باسم الشعب الجزائري"، وأنا أيضًا باسم الشعب الجزائري أريد فتح الملف مجدداً"، وقبل ذلك ناشد ناصر بوضياف، نجل الرئيس الراحل الجزائري محمد بوضياف الذي تم اغتياله يوم 29 حزيران/يونيو 1992 بعنابة، الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ، بإعادة فتح ملف التحقيق في قضية اغتيال والده، وذلك "من أجل تأكيد النية الحقيقية للنظام في إحقاق العدالة، و للعالم أننا لسنا بحاجة إلى عدالة تأتي من الخارج لإنهاء الإفلات من عقاب الاغتيال الجبان".
وقال ناصر بوضياف في الرسالة الموجهة إلى الرئيس الجزائري سنة 2016، بمناسبة الذكري الـ24 لاغتيال والده من قبل أحد العسكريين الذي كان مكلف بحمايته، إن الرئيس محمد بوضياف أغتيل بطريقة جبانة، فيما اعتبرت العدالة الجزائرية الجريمة بالفعل المعزول، وخاطب ناصر بوضياف الرئيس بوتفليقة، قائلاً :"اليوم أنا أتحدث إليكم في نواح كثيرة، أنا أخاطبكم بصفتكم القاضي الأول في البلاد، لأن اغتيال بوضياف ليس لغزًا، إنها فقط مسألة ظلم، لأنه كما قال إدموند بيرك، أين يبدأ الغموض، تنتهي العدالة، أنا ما زلت ساذجًا بما يكفي لنؤمن بالعدالة هنا، العدالة التي من شأنها وضع حد للغموض؟".
وأضاف ناصر بوضياف في الرسالة الموجهة إلى الرئيس الجزائري "أخاطبكم أيضًا، لأنكم لم تكن في السلطة في وقت اغتياله الجبان، ولكن الحقيقة هي أن الغالبية العظمى من الجزائريين قد فهم من لحظة الاغتيال، رهانات هذه الجريمة لأولئك الذين يعتقدون أنهم يستفيدون منها، وللأسف، منذ منح صفة "العمل المعزول" ساد الصمت، لأنه كما قال شكسبير: "حقًا، الدور الذي يتناسب بسرعة مع الذهن هو الصمت، وعندها نستطيع استئجار الببغاوات للحديث ".
واستطرد بوضياف، "أخاطبكم في سياق التعديلات الأخيرة على الدستور، التي تشير إلى منح اعتبار أفضل للعدالة في الجزائر، هل لي أن آمل أن يعاد الاعتبار لـ محمد بوضياف، الذي ضحى بحياته من أجل الجزائر. إن إعادة الاعتبار لمحمد بوضياف لن يتم إلا من خلال تصحيح الخطأ الذي استمر لمدة طويلة والذي أحاط ظروف اغتيال الذي لبى نداء الوطن من منفاه- المريح – لإنقاذ الجزائر".
وخلص بوضياف في رسالته إلى الرئيس بوتفليقة بالقول: "فقط إعادة التحقيق في قضية اغتياله، تعطي للشعب النية الحقيقية للنظام في إحقاق العدالة، وتثبت للعالم أننا لسنا بحاجة إلى عدالة تأتي من الخارج لإنهاء الإفلات من عقاب الاغتيال الجبان للرئيس محمد بوضياف"، وبعد استقالة الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد في 11 يناير/كانون ثان 1992، بدأ القائمون على تسيير شؤون الجزائر، ومعظمهم عسكريون تقريبًا، آنذاك يبحثون عن رئيس يحل مكانه، فوقع الاختيار على المجاهد و الثوري الكبير محمد بوضياف، الذي كان قد ابتعد عن السياسة منذ زمن بعيد ليتفرغ كلية لأعماله الخاصة وأسرته في مدينة "القنيطرة" المغربية.
وكان مسؤولو الجزائر، آنذاك، يعوّلون على صديق قديم لصاحب مقولة "الجزائر قبل كل شيء"، و هو الحقوقي علي هارون، لإبلاغه بالأمر، فوافق "سي الطيب الوطني"-الاسم الحركي له أثناء الثورة الجزائرية 1954-1962- الذي كان عمره آنذاك 72 عامًا، وأّعلن بذلك الخبر للجزائريين، لتبدأ التحضيرات استعدادًا لاستقباله في الجزائر بعد حوالي 30 سنة من الغياب، ليرأس ما سُمِي بالمجلس الأعلى للدولة الذي خلف الرئيس بن جديد.
بدأ سيناريو عملية اغتيال الرئيس بوضياف، عندما قرر هذا الأخير القيام بزيارة عمل وتفقد لولاية عنابة في 29 حزيران/يونيو 1992، أي بعد ستة أشهر تقريبًا من إلغاء نتائج الدور الأول من الانتخابات النيابية لسنة 1991، التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وحلّ المجاهد محمد بوضياف، صباح ذلك اليوم في عنابة، مرفوقًا بوفد من أعضاء الحكومة الجزائرية، وكان في استقباله والي الولاية آنذاك أوصديق محمد لحسن، حيث بدأت الزيارة مثل ما كان مبرمجًا و مخططًا لها بتفقد عدد من المشاريع والنقاط، من بينها معرض لإبداعات الشباب تم تنظيمه بقصر الثقافة، و مصنع الحجار للحديد و الصلب.
وتوجّه بعدها الرئيس الجزائري محمد بوضياف إلى دار الثقافة، وسط مدينة عنابة، وهو فوق المنصة يلقي خطابًا تم بثه مباشره، أمام قاعة مليئة بإطارات الدولة وممثلي المجتمع المدني، وكاميرات التلفزيون الجزائري، كان محاطًا في الجهة الخلفية من وراء الستار بعدد من عناصر الحراسة الشخصية، الذين يرتدي معظمهم لباسًا أزرق.
وفي لحظة، وبالضبط عندما بلغ الرئيس في خطابه عبارة "... الدول التي سبقتنا.. بماذا سبقتنا.. بالعلم.. والإسلام....."، فإذا بصوت قنبلة يدوية ينبعث من الجهة الشمالية للمنصة، تلتها طلقات رشاش خرجت من سلاح الملازم الأول "لمبارك بومعرافي"، وكانت موجهة لرأس الرئيس بوضياف الذي لفظ أنفاسه الأخيرة وهو على متن طائرة هليكوبتر اتجهت به إلى مستشفى "عين النعجة" العسكري، في العاصمة الجزائرية.
حينها لاذ الجاني بالفرار، تاركًا الضحية مسجى على الأرض، والعلم الوطني يغطيه، وسط دهشة كبيرة لدى الجزائريين الذين كانوا شهودًا على اغتيال رئيسهم على المباشر و على الهواء، وتباينت الروايات آنذاك حول ظروف مقتله، بعد إعلان القبض على أحد حراسه، الملازم الأول "لمبارك بومعرافي" الذي ينتمي لفرقة التدخل الخاص الجزائرية "جيس".
من هو الرئيس الجزائري محمد بوضياف
وُلد الرئيس الخامس للجزائر محمد بوضياف في 23 حزيران/يونيو 1919 بـــ"أولاد ماضي" في ولاية المسيلة وسط الجزائر، لقب بــــــ"السي الطيب الوطني"، وهو اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية، درس محمد بوضياف تعليمه الابتدائي في مدرسة "شالون" ببوسعادة، ثم اشتغل بمصالح تحصيل الضرائب في مدينة جيجل شرق الجزائر، وخلال الحرب العالمية الثانية-1939-1945- قاتل في صفوف القوات الفرنسية.
وانضم إلى صفوف حزب "الشعب الجزائري"، وبعدها أصبح عضوًا في "المنظمة السرية"، وفي أواخر عام 1947 كلف بتكوين خلية تابعة للمنظمة الخاصة في قسنطينة شرق الجزائر، وفي 1950 حوكم غيابيا مرتين وصدر عليه حكم بثماني سنوات سجنًا، وسُجن في فرنسا مع عدد من رفاقه، وفي عام 1953 أصبح عضوًا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وبعد عودته إلى الجزائر، ساهم محمد بوضياف في تنظيم اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي ترأسها وكانت تضم 22 عضوًا، وهي التي قامت بتفجير ثورة التحرير الجزائرية غرة نوفمبر/تشرين ثان 1954.
وبعد حصول الجزائر على استقلالها، انتُخب في سبتمبر/أيلول 1962 في انتخابات المجلس التأسيسي عن دائرة سطيف شرق الجزائر، وفي السنة نفسها، أسس محمد بوضياف حزب الثورة الاشتراكية،وفي تموز/يوليو 1963، تم توقيفه وحُكم عليه بالإعدام بتهمة التآمر على أمن الدولة، ولكن لم ينفذ فيه الحكم نظراً لتدخل عدد من الوسطاء ونظرًا لسجله الوطني، فتم إطلاق سراحه بعد 3 شهور قضاها في أحد السجون بجنوب الجزائر، انتقل بعد ذلك إلى باريس وسويسرا، ومنها إلى المغرب.
ومنذ عام 1972 عاش متنقلاً بين فرنسا والمغرب في إطار نشاطه السياسي، إضافة إلى تنشيط مجلة "الجريدة".وبعد وفاة الرئيس الجزائري هواري بومدين سنة 1979، قام بحل حزب الثورة الاشتراكية، وتفرغ لأعماله الصناعية، إذ كان يدير مصنعا للآجر في مدينة القنيطرة في المملكة المغربية.وبعد إيقاف المسار الانتخابي في الجزائر وإجبار الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد على الاستقالة في 11 يناير/كانون ثان 1992، استدعى إلى الجزائر، ليعود بعد 27 عامًا من الغياب عن الساحة الجزائرية، ثم وقع تنصيبه رئيسًا للمجلس الأعلى للدولة في 16 يناير/كانون ثان 1992 حتى اغتياله في 29 حزيران/يونيو 1992.