الدوحة ـ العرب اليوم
تنذر تطورات الموقف في مالي بين القوات الحكومية، وقوات "الطوارق" وحركة "أزواد" الانفصالية بانهيار اتفاق السلام الهش بين الجانبين، والعودة من جديد إلى المربع الأول بحثاً عن مخرج للدولة الافريقية التي تعاني انهياراً أمنياً وصراعاً مسلحاً منذ عام 2012.
وقد أطاحت الحرب الدائرة في شمال شرقي مالي بوزير الدفاع سوميلو بوبايي مايغا الذي قدم استقالته أمس الثلاثاء بعد أسبوع على هزيمة قواته أمام المجموعات المتمردة، حسب ما أعلنت الرئاسة في مالي.
وتأتي استقالة وزير الدفاع بعد الهزيمة التي مني بها الجيش المالي في 21 مايو أمام الحركة الوطنية لتحرير ازواد "متمردو الطوارق" في كيدال بشمال شرق مالي، حيث تكبدت القوات المالية 50 قتيلا و48 جريحاً خلال هذه المعارك.
وسرعان ما تحولت الاشتباكات المسلحة والمعارك السياسية للسيطرة على مقاليد الأمور إلى مأساة إنسانية، حيث أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوشا" أن المعارك التي وقعت بين القوات الحكومية والمتمردين في منطقة "كيدال" على مدى الأيام العشرة الماضية أدت إلى نزوح آلاف الاسر من المنطقة ،وهو ما يعرض أرواحهم لخطر الموت جراء الجفاف الذي يضرب المناطق الصحراوية في هذا الوقت من العام.
ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بمصير وقف اطلاق النار الذي تم توقيعه مطلع الاسبوع الجاري برعاية الأمم المتحدة بين الحكومة المالية وثلاث جماعات مسلحة متمردة في شمال مالي، وذلك بفضل وساطة قام بها الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي رئيس موريتانيا محمد ولد عبد العزيز، وتضم تلك الحركات كلا من قوى "الحركة الوطنية لتحرير ازواد، والمجلس الأعلى لوحدة ازواد ، والحركة العربية الأزوادية".
وقال الرئيس الموريتاني، إن وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ فور توقيعه من جانب المجموعات المسلحة في كيدال، وفي العاصمة باماكو من قبل الحكومة المالية بواسطة وزير الداخلية المالي.
إلا أن الثابت على الأرض أن الخسارة التي مني بها الجيش المالي فتحت الطريق أمام القوى المسلحة من الطوارق الازواديين للسيطرة بالكامل على شمال البلاد، وأعلن ذلك مقاتلو الطوارق الانفصاليون بعد سيطرتهم على الجزء الشمالي الشرقي بالكامل من مالي، والذي يضم مدن كيدال وميناكا واجلهوك وانيفيس وتساليت واندرامبوكان، وباتت قوات الحركة الوطنية لتحرير ازواد على مقربة من مدينة "جاو" التي وضعت بها فرنسا نحو ألف جندي.
وكانت العمليات العسكرية قد تفجرت في كيدال في 18 من الشهر الجاري بين قوات الحكومة والطوارق، وذلك عقب الهجوم على مكتب حاكم كيدال واختطاف ما لا يقل عن 30 موظفاً حكوميا بعدها قال رئيس الوزراء المالي موسى مارا، "إن مالي من الآن فصاعداً في حرب وسنعد الرد المناسب لهذا الموقف".
وعلى الرغم من إعلان قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي الحياد والمراقبة دون التدخل لوقف العمليات العسكرية، إلا أنها اصدرت تقريراً أخيراً أكدت فيه جمود الوضع العسكري على الأرض، وأن وقف إطلاق النار المتفق عليه بين الحكومة وثلاث جماعات متمردة "مازال قائما".
وأعلن يانس لاركيه من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن وكالات الأمم المتحدة تخطط لإرسال المزيد من إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى المنطقة الشمالية، حيث هناك حاجة للغذاء ومعدات الإسعافات الأولية والمياه والصرف الصحي.
وأنشئت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لتحقيق الاستقرار في مالي بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2100 الصادر في العام الماضي(2013)، وبموجب أحكام هذا القرار، ستدعم البعثة العملية السياسية، وستقوم بعدد من مهام الأمن المتصلة بتحقيق الاستقرار، مع التركيز على المراكز السكانية وخطوط الاتصال الرئيسية، وحماية المدنيين، ورصد حقوق الإنسان، وتهيئة الظروف المواتية لتوفير المساعدة الإنسانية وعودة المشردين، وبسط سلطة الدولة، والتحضير لانتخابات حرة وشاملة للجميع وسلمية.
كما تم السماح للقوات الفرنسية المنشورة في مالي بالتدخل لدعم البعثة في حال تعرضها لتهديد وشيك ، وذلك بناء على طلب الأمين العام، وقد أعلنت فرنسا نيتها توسيع عملياتها العسكرية شمال مالي لتصل إلى مدينة كيدال، وذلك بهدف مطاردة المسؤولين عن مقتل صحفيين يعملان في إذاعة فرنسا الدولية نهاية العام الماضي أعلنت بعدها باريس نيتها نشر المزيد من القوات في الشمال.
وكانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وإلى جانبها جماعات مسلحة، منها حركة أنصار الدين، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، بالإضافة إلى عناصر منشقة عن القوات المسلحة المالية، قد شنوا سلسلة من الهجمات على القوات الحكومية في شمال البلد قبل عامين.
وفي 22 مارس 2012، قام جنود من المنتمين إلى الوحدات التي هزمتها الجماعات المسلحة في الشمال بتمرّد أفضى إلى انقلاب عسكري. وقام مجلس عسكري أُطلق عليه إسم اللجنة الوطنية لاستعادة الديمقراطية وإعادة بناء الدولة، بقيادة النقيب أمادو سانوغو، بالاستيلاء على السلطة ووقف العمل بالدستور وحلّ المؤسسات الحكومية.
وعجّل الانقلاب بانهيار الدولة في الشمال، مما مكّن الحركة الوطنية لتحرير أزواد من دحر القوات الحكومية بسهولة وإعلان دولة أزواد المستقلة، وأعقب ذلك بوقت قصير نشوء توترات في صفوف الجماعات المسلحة في الشمال، وبنهاية العام نفسه، كانت حركة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا قد طردتا الحركة الوطنية لتحرير أزواد من البلدات الرئيسية الثلاث غاو وتمبوكتو وكيدال.
وتقع مدينة كيدال في أقصى الشمال الشرقي لمالي في إقليم أزواد ذي الأغلبية من الطوارق والبدو، على الحدود من النيجر والجزائر، وكانت معقلا للتمرد والحركات الانفصالية على مدى عقود، وهي أولى المناطق الثلاث التي استولى عليها متمردو الطوارق سنة 2012م.
المصدر: قنا