ناشطون يطلقون وسم "أنقذوا البصرة"

أخيراً، تمكنت الحملة التي شنها ناشطون ومدونون في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، في غضون الأيام الأخيرة، للمطالبة بإنقاذ محافظة البصرة الجنوبية من أزمة التلوث والمياه الخطيرة، من أن تدق ناقوس الخطر، وتسمع صوتها عن ما يتعرض له السكان هناك إلى الدوائر والمؤسسات الدينية والرسمية في النجف وبغداد والبصرة.

وفي حين انتقد ممثل المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، الجهود الحكومية المبذولة في معالجة مشكلة المياه في النجف، نفت وزارة الصحة في بغداد تفشي وباء الكوليرا في البصرة، في وقت انتقد فيه محافظها أسعد العيداني حكومة حيدر العبادي، واتهمها بعدم تلبية مطالب المحافظة المتكررة.

كانت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة قد تناقلت في غضون الأيام الماضية أفلاماً وصوراً لعشرات المرضى الراقدين في مستشفيات البصرة نتيجة حالات تسمم تعرضوا لها بسبب تلوث مياه الشرب، مما دفع الناشطين إلى إطلاق وسم «أنقذوا البصرة»، الذي حقق نسب مشاركة مرتفعة. وتتزامن حملة الناشطون للمطالبة بإنقاذ البصرة وتوفير مياه الشرب الصالحة للاستهلاك مع موجة احتجاجات متواصلة في المحافظة منذ أسابيع، ويتوقع أن تتصاعد بعد نهاية عطلة العيد، لتتحول إلى عمليات اعتصام وعصيان مدني واسعة، كما أفاد بذلك ناشطون لـ«الشرق الأوسط». وأكدت دائرة صحة البصرة، أمس، أن «نسب التعقيم تبلغ صفراً في المائة في مياه الإسالة (الشرب) في أكثر من 70 في المائة من مناطق البصرة»، مما يعني أن المياه الواصلة للبيوت مالحة وملوثة وغير صالحة للاستهلاك البشري بكل أنواعه، فضلاً عن صلاحيته للشرب.

والتحقت مرجعية النجف الدينية، أمس، بالجهات المنددة بالإجراءات التي تتخذها السلطات الاتحادية والمحلية في البصرة، وبالمطالبات الشعبية المتواصلة بتوفير المياه العذبة للسكان، وقال ممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة إن «شكاوى المواطنين في البصرة، من معاناة النقص الحاد بمياه الشرب، وعدم صلاحية الإسالة للاستخدام البشري، ما زالت تتواصل، حتى نتج عنها إصابة مواطنين بالتسمم والأمراض الجلدية»، وأضاف أنه «على الرغم من المناشدات من المرجعية، فإن الجهود المبذولة في حل هذه المعضلة ما تزال دون حدها الأدنى»، واعتبر أن «اللجان المشرفة على أزمة المياه في المحافظة لا تحسن سوى لوم بعضها بعضاً».

من جانبها، أعلنت وزارة الصحة أنها «وجهت بإرسال فريق خبراء من العاصمة بغداد إلى البصرة، يضم متخصصين في التحري الوبائي والأمراض المعوية والسموم، برئاسة مدير المركز الوطني للسيطرة على الأمراض الانتقالية». وأكد المتحدث باسم الوزارة سيف البدر، في بيان أمس، إرسال وزارة الصحة فريقاً آخر مهمته «أخذ عينات من المصابين في مستشفيات البصرة، وفحصها في مختبر الصحة المركزي في بغداد». وفي حين تتحدث أنباء البصرة عن وقوع المئات من حالات التسمم بين المواطنين، وانتشار الأمراض الجلدية، يشير المتحدث باسم وزارة الصحة إلى «عدم وجود دليل على حالة تفشي وبائي خطير، كالكوليرا، وكل الحالات بسيطة أو متوسطة، وانتهت بعلاجات بسيطة، لم تستلزم الرقود في المستشفى حتى»، مؤكداً «عدم وجود نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية».

إلى ذلك، وجّه محافظ البصرة أسعد العيداني، أمس، انتقادات لاذعة لحكومة العبادي، متهماً إياها بعدم الاستجابة لمطالب أهل البصرة. 

وكان العبادي قد زار المدينة مطلع يوليو (تموز) الماضي، صحبة عدد كبير من الوزراء، لتلبية المطالب الاحتجاجية التي انطلقت في البصرة بداية الشهر نفسه، ووعد بتحقيق جميع المطالب المتعلقة بالماء والخدمات وفرص العمل، لكن المحافظ أسعد العيداني، اشتكى في بيان له أمس من أنه «منذ شهرين، ونحن نطالب الحكومة الاتحادية بتحويل مبالغ المنافذ لكي يتم إنشاء محطات خاصة بتحلية الماء في محافظة البصرة، ورغم كلامنا ومخاطباتنا لرئيس الوزراء حيدر العبادي، واللجنة الوزارية، ووكيل وزير المالية، فإنه للأسف إلى الآن لم نحصل على شيء»، معتبراً أن «الأمر في المحافظة أصبح خطيراً جداً على أرواح أهلنا وأبناء مدينتنا».

بدوره، طالب مدير بيئة البصرة أحمد حنون، أمس، الجهات المختصة بإيقاف تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى المصادر المائية، وزيادة الإطلاقات المائية الواردة إلى محافظة البصرة. وقال حنون في بيان إن «تغير مواصفات نوعية المياه مشخص من المديرية منذ سنوات، وهناك عوامل تسببت بذلك، وهي استمرار تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى المصادر المائية»، معتبراً ذلك «كارثة تضاف إلى الماء، وهي مشكلة كبيرة جداً، تؤدي إلى تلوث المياه الواصلة إلى مشاريع وخزانات مياه الإسالة»، ودعا الجهات الحكومية المختصة إلى «إيقاف تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى المصادر المائية، فضلاً عن ضرورة زيادة الإطلاقات المائية لدفع اللسان الملحي للقضاء على التلوث».

مفوضية حقوق الإنسان في البصرة أدلت هي الأخرى بدلوها في أزمة المياه والتلوث في البصرة، معتبرة أن أوضاع المحافظة «خطيرة» بسبب ارتفاع نسبة الملوحة وزيادة التلوث، متهمة الحكومة الاتحادية بـ«عدم القيام بأي فعل يوازي حجم الكارثة». وطالبت المفوضية، في بيان لها أمس، رئاسة الوزراء بـ«إعلان البصرة مدينة منكوبة بكل المقاييس الإنسانية»، موضحة: «نظراً للأوضاع الخطيرة والدقيقة التي تمر بها محافظة البصرة هذه الأيام، من ارتفاع اللسان الملحي وزيادة التلوث الذي أدى إلى إصابات لآلاف المواطنين».

تجدر الإشارة إلى أن محافظة البصرة تضم أكبر ثروة نفطية في العراق، إذ يشير خبراء نفطيون إلى أنها تملك 15 حقلاً من أصل 77 حقلاً معروفاً، منها 10 حقول منتجة ما زالت تنتظر التطوير، كما تحتوي هذه الحقول احتياطياً نفطياً يزيد على 65 مليار برميل، يشكّل نحو 59 في المائة من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي المثبت.