دمشق - جورج الشامي
على بعد أمتار قليلة من حي المزة الدمشقي أحد أرقى الأحياء في العاصمة السورية والذي يعج بالمطاعم والمقاهي والحياة مستمرة فيه بشكل طبيعي، تبقع مدينة داريا، التي تتعرض يومياً لهجمات الجيش السوري براً وجواً، والتي تشهد اشتباكات مستمرة بين الجيش الحر والقوات الحكومية. عندما تنتقل من حي المزة المفعم بالحياة، والمليء بالسوريين، وتقطع المتحلق لتدخل مدينة درايا، ستجد فرقاً هائلاً، فالمدينة السورية المشهورة بـ"العنب" والتي كانت قبلة أهل الشام تظهر شاحبة مليئة بالحزن والأسى، خاوية من السكان مدمرة. ويؤكّد "خليل" السوري الذي نزح منذ أكثر من عام من داريا أن المدينة تعاني على المستويات كافة، فلا كهرباء ولا ماء ولا اتصالات. ويتابع في حديثه مع "العرب اليوم" ذهبت أخيراً لتفقد منزلي، وبعد محاولات عديدة استطعت الدخول، بعد أن حذرني عناصر الجيش السوري من الدخول، وأجبروني على توقيع ورقة تخلي مسؤوليتهم عن حياتي وحمايتي، لم أتعرف على معالم المدينة، فأحياء بأكملها سويت بالأرض، ولم يبق منها شيء، الحي الذي أقطن فيه دمر جزء منه، ومنزلي الذي يقع في بناء يحوي أكثر من 30 شقة سكنية، لا يتضرر كثيراً، لدى دخولي المنزل، وجدته فارغاً وقد نهب كل ما بداخله، حتى قبضات الأبواب ومفاتيح الكهرباء. وتقول أم سعيد إن المدينة خاوية، وتضيف "لم أغادر منزلي فليس لدي مكان أذهب إليه، ولكن المدينة في المجمل خالية، ومعظم السكان نزحوا، وحالياً فيها عدد من مقاتلي الجيش الحر، الذي يتصدى لهجمات الجيش السوري، الذي لم يتمكن حتى الآن من الدخول إلى المدينة، وعن الأوضاع المعيشية وكيف تُؤمِّن حاجاتها تتابع "أم سعيد" في حديثها مع "العرب اليوم"في ظل الغياب الكامل لكل وسائل الحياة، يصعب تأمين الحاجيات، ولكن بعض الشبان الذين مازالوا في المدينة يمرون عليّ بشكل يومي، ويأتون بما تيسر لهم من ماء وغذاء. ويقف محمد الداراني على المدخل الشرقي للمدينة بصحبة عدد من المقاتلين، لمنع القوات الحكومية من الدخول، ويقول "منذ بدء العملية العسكرية ضد المدينة، لم يتوان النظام من ضرب داريا بأنواع السلاح الممكنة كافة، بداية من الهاون والصواريخ، مروراً بالقنابل العنقودية والفراغية، وانتهاءً بالسلاح الكيماوي والغازات السامة، وهذا ما أدى لدمار شامل في المدينة أبنية بأكملها سقطت، وأحياء اختفت عن بكرة أبيها"، ويتابع "بسبب الأوضاع الداخلية والحصار المفروض نضطر أحياناً للمبيت في منازل المدنيين، ولكننا نحاول أن لا نتسبب في الإساءة لهذه المنازل المتبقية على حالها، ولكن في كل مرة يحاول الجيش السوري والميليشا التابعة له الدخول، ويقتحمون أحد الأحياء في المدينة، يقومون بسرقة الممتلكات وتخريب المرافق، وحرق الأثاث". أما مصطفى حاول الدخول إلى المدينة وبعد محاولات عدة دخل، لكن لم يستطع الوصول إلى منزله وقال عن هذه المحاولة لـ"العرب اليوم" "حاولت الدخول لإخراج ما تبقى من ممتلكات أسرتي، ولكني لم أستطع الدخول وعدت أدراجي، فخلافاً للدمار والخطر المحدق بوجود القناصة في كل مكان، فإن رائحة الجثث المتفسخة لا تحتمل، ورأيت العديد من الجثث في الشوارع". أم حسين دخلت مع ابنها المدينة، لإخراج البراد والغسالة، فالمكان الذين يعيشون فيه بعد نزوحهم لا يوجد به أي مقومات الحياة، ولكن أم حسين لم تستطع أن تخرج حاجياتها، وعادت من دون ابنها حسين الذي لقي مصرعه برصاص قناص. عضو تنسيقية داريا قال إلى "العرب اليوم" المدينة عانت على مدى عامين، حيث تعرضت لهجمات كثيرة من قبل القوات الحكومية، وسقط فيه عدد كبير من القتلى، ولكن الأشهر الأخيرة كانت الأعنف، فلم يبق من السكان إلى القليل، ومعظمه نزح إلى دمشق، وبعض مناطق الريف الآمنة، فالوضع المعيشي مزري، ولا يحتمل، وغارات القوات الحكومية الجوية تحدث بشكل يومي، وقذائف الهاون لا تهدئ صباحاً مساءً، والكثير من جثث القتلى في الشوارع، وفي أكثر الأيام لا نستطيع إزالتها ودفنها بسبب القصف ورصاص القناص، ولكن رغم ذلك مازال الجيش الحر يسيطر على المدينة، ولم تستطع القوات الحكومية حتى اللحظة من دخولها. وتابع عضو التسيقية "إعلام النظام يقول إنه يستهدف عناصر مسلحة في درايا، ولكن الحقيقة تقول أن على مدى أكثر من عام كانت داريا منطقة سليمة، تشهد مظاهرات يومية، ولكن مع اشتداد القبضة الأمنية، ومع القتل الذي بدأ يتسلل إلى المدينة والذي قام به الشبيحة والجيش، دفع أهل داريا لحمل السلاح لحماية أعراضهم وأبنائهم، لتلحق فيما بعد بالمدينة كتائب مقاتلة عدة، وتتحول إلى ساحة للمعركة بين القوات الحكومية والجيش الحر، وهنا تجدر الإشارة إلى أن النظام هو من حولها إلى ساحة معركة، في حلة الأمني، فلم يترك لأهل المدينة سوى خيار الدفاع عن النفس. يشار إلى أن مدينة داريا شاركت بشكل ملحوظ في الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد في أوائل عام 2011، وكانت أولى مظاهراتها ضده يوم الجمعة 25 آذار/مارس 2011، ومنذ ذلك الوقت تمددت المُظاهرات فيها وأصبحت تخرج بشكل مُنتظم، كما أصدر شبابها جريدة باسم "عنب بلدي"، وهي جريدة أسبوعية سياسية ثقافية توعوية تُوزع بشكل سري خوفاً من الشبيحة. وفي يوم "الجمعة العظيمة" سقط أول القتلى فيها، حيث فتحت قوَّات الأمن النار على المُتظاهرين متسببة في سُقوط 7 قتلى، وبعدها انتشرت الحواجز الأمنية بشكل كثيف في المدينة. ثم في الأول من أيار/مايو قُطعت الاتصالات عن المدينة وتعرَّضت للحصار، وخلال اليوم ذاته توفيَّ الشاب "المعتز بالله الشعار" برصاص قوات الأمن على أحد الحواجز، وأثار نشر فيديو على الإنترنت يُظهر والده وهو يَحكي قصة مقتله ضجَّة إعلامية. في 6 سبتمبر/أيلول اعتقلَ في المدينة الناشط السياسي غياث مطر بعد أن نصبت له قوات الأمن كميناً، والذي كان ضليعاً بتنظيم المُظاهرات منذ اندلاع الاحتجاجات قبل أكثر من خمسة شهور من ذلك. وبعد أربعة أيام من اعتقاله سُلم جثمانه إلى أهله، بعد أن قضى تحتَ التعذيب. كان يوم "جمعة عذراً حماة" بتاريخ 3 شباط/فبراير من عام 2012 يوماً دامياً في المدينة، إذ سقطَ فيه 6 قتلى برصاص الأمن، وخرجَ الأهالي لتشييع هؤلاء في مظاهرات مناهضة للنظام في اليوم التالي فتحت عليهم قوات الأمن النار مجدداً، مما أدى إلى سُقوط 12 قتيلاً وأكثر من 30 جريحاً آخرين. في المُجمل، سقطَ 360 قتيلاً من المدنيين برصاص الأمن في مدينة داريا منذ اندلاع الاحتجاجات وحتى 3 آذار/مارس عام 2012. كما تمَّ توثيق ما لا يَقل عن 780 حالة اعتقال فيها خلال تلك الفترة، حسبَ "مركز توثيق الانتهاكات في سوريا". وقد جرت مجزرة كبيرة بالمدينة السبت 25 آب /أغسطس 2012 فيما سمي يوم السبت الأسود - راح ضحيتها أكثر من 300 قتيل. ودخل إثرها التلفزيون السوري ليقدم واحد من أسوء التقارير التلفزيونية عن المدينة، والذي لقي استهجان عالمي، على حجم الاستخفاف بالدم والقتلى الذي قدمه التلفزيون في ذلك التقرير. وبدأ ظهور الجيش السوري الحر في داريا ببضع أفراد يحملون بعض الأسلحة القديمة كلاشينكوفات ومسدسات ولكن بعدد محدود ويمكن القول أن العمل المسلح في مدينة داريا بدأ في بداية عام 2012 ولكن سرعان ما تطور هذا العمل المسلح مع تزايد أعداد المنشقين والمتطوعين ولكن مع ذلك اقتصر تسليح الجيش الحر على أسلحة خفيفية وبعض الأسلحة المتوسطة .. مع تزايد عدد الجيش الحر أدى ذلك إلى تنسيق الجهود مع المناطق المجاورة ومنها الميدان المعضمية المزة القدم كفرسوسة جديدة وتشكيل كتائب الصحابة بقيادة العقيد خالد حبوس أخيراً وبعد بدء المعارك تداعت كتائب دمشق وريفها للتوحد وتم تشكيل لواء أنصار الإسلام الذي يضم كتائب الصحابة ولواء الحبيب المصطفى وكتائب أخرى في مختلف مناطق دمشق وريفها اسم الكتيبة العاملة في منطقة داريا كتبية سعد بن أبي وقاص.