بغداد – نجلاء الطائي
يعاني المجتمع العراقي من ظاهرة التسول التي يبررها البعض بسبب أرتفاع حالات الطلاق والجهل والبطالة والفقر وسوء الوضع المعاشي للأسرة في البلد، ولكن يبدو أن التسول هي مشكلة أجتماعية تزداد يوماً بعد يوم وتحولت الى مهنة يقتات منها البعض ويتخذ المتسولون أساليب وأفكاراً جديدة لاستعطاف المارة، فمنهم من يدعي بأنهُ لديه مريض ومنهم من يدعي بأنهُ لديه أيتاماً أو أحد أفراد عائلته يحتاج الى عملية ولايستطيع أن يتحمل نفقات العملية وغيرها من فنون التسول. إن ظاهرة التسول في المجتمع العراقي لم تكن بالشيء الجديد رغم أن البلد يعتبر من أغنى دول العالم بالبترول وأنه يمتلك أكبر مخزون نفطي في العالم فيحتل المرتبة الثانية من حيث المخزون، ولكن تعاقب الحروب على هذا البلد بدءاً بالحصار ومن ثم الاحتلال الامريكي الذي زاد من تفاقم وأزدياد حجم تلك الظاهرة في المجتمع العراقي، وصارت منتشرة بشكل مجموعات مخيفة ولهم مسؤول يقوم بالتحكم بمجموعة من المتسولين البنات والاولاد ومن مختلف الأعمار. وأستفحلت ظاهرة التسول بشكل خطير داخل المجتمع العراقي كما قلنا آنفاً بسبب الفقر والبؤس والبطالة والانحراف والجهل والطلاق والمشكلة الأهم ألا وهي الاحتلال الامريكي للعراق فقد وصل عدد العاطلين عن العمل والفقراء والايتام والاميين في العراق الى أرقام مخيفة أضافة الى الاوضاع الامنية والارهاب وهذا يؤدي الى تدهور أقتصاد البلد. فهنا نلاحظ أن أخر أحصائيات لوزارة التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية إن مابين 20 - 25% يعيشون تحت خط الفقر وأن عدد العاطلين عن العمل تجاوز أكثر من مليون ونصف شخص، أما نسبة الأمية وصلت في بعض المحافظات 40% ونسبة تسرب الطلاب من المدارس وصل الى 25%. وأذا قمنا بتعريف مختصر عن التسول فأنه ((ظاهرة يقوم بها شخص أو مجموعة أشخاص في الاماكن العامة الذي لم له وسيلة للعيش يقتاد منها أو لم يكن له مهنة يعيش منها)). وأكثرهم من النساء والاطفال وكبار السن والمعاقين لاستمالة عطف الأخرين. ففد أجرينا بعض الحوارات مع بعض الاطفال الذين يمارسون مهنة التسول بطريقة بيع العلك أو بيع قناني الماء تحت ستار التسول وكانوا أعمارهم تتجاوز (5 - 11) سنة، فالطفل " مازن " كان يقتاد في منطقة الشعب قرب سوق شلال فقمت بملاطفته وكان في عمر (9) سنوات فقد كان يتسول من المارة والسيارات فسألته ألا تخاف من الوضع الامني الراهن الذي نعيشه وأنت طفل صغير فأجابني قائلاً كلا، فالشارع والظروف التي أعيشها علمتني عدم الخوف من شيء فأذا أراد القدر أن يصيبني فأن ذلك أرادة الله سبحانه وتعالى، ومن ثم سألته هل أنت طالب مدرسة وفي أي مرحلة أنت؟ قال لي كنت طالباً في الصف الرابع الابتدائي ولكني تركت الدراسة فسألتهُ عن سبب ذلك؟ فأجابني قائلاً بأن والده توفي في حادث سيارة فلم يجد من يصرف عليه وعلى أمهِ وأخوتهِ الأربعة فلجأت الى هذه المهنة لاعيش منها فأستغربت من جوابه لانه يعتبر التسول مهنة يقتاد منها. ((لمياء)) طفلة بريئة بعمر الزهور تبلغ من العمر (11) سنة، جميلة جداً تقوم بالتسول في شارع فلسطين مع أمها، فذهبتُ اليها بحجة مساعدتها ومن ثم سألتها عن طريق الملاطفة معها لماذا تقومي بهذا العمل والا تخافي من الشارع وما يحتويه من مخاطر متنوعة؟ فقالت لي أني أعرف كيف أحافظ عن نفسي وان أكون حذرة من كل شيء. ومن ثم سألتها في أي مرحلة دراسية أنت؟ قأجابتني قائلة؟ تركت الدراسة منذ أكثر من سنتين وذلك بسبب الظروف المعيشية التي أعيشها بالاظافة لطلبات المدرسة الكثيرة التي لاتنتهي أبداً والسبب الاخر عندما أشاهد زميلاتي يلبسن ملابس جميلة وأنا الوحيدة الشاذة عنهم كنت أحس بالنقص وكان بسبب مظهري وحالتي الفقيرة فأن المعلمة تستصغرني وكلما ذهبتُ الى أمي أطلب منها نقود لسد أحتياجاتي تجيبني قائلة لا أملك نقوداً لالبي أحتياجاتك وأحتياجات أخوتك. ومن ثم سألتها عن والدها وهل هو على قيد الحياة؟ قالت لي نعم لكنه طلق أمي وتركنا أنا وأمي وأخوتي نعاني بسبب أمرأة أخرى. الطفل (( عمار)) (12) سنة يبلغ من العمر، كان يتسول بطريقة بيع العلك أو قناني الماء وكان واقفاً تحت أشعة الشمس الحارقة يذهب من سيارة الى سيارة في منطقة الحسينية حتى يشتروا منه أو يعطوه نقود بدون شراء شيء منه. فأنتابني فضول حوله فنزلت من السيارة التي كنت راكبة فيها بحجة شراء ماء منه لماذا تبكي وأنت تطلب من الناس مساعدتك بحرقة؟ قال لي الظروف وضعتني في هذا المكان وفي هذا الوضع فقد تركت مدرستي بسبب إعاقة والدي وأمي ضرير ولي (3) أخوات وأنا أتسول منذ كنت في الثامنة من عمري، ولا يوجد أحد من يساعدنا في المعيشة وأيضاً ليس لوالدي راتب شهري نقتاد منه، وأبي يحتاج الى دواء فبكيت لبكائهِ وقلت له هل تحنُ الى مدرستك؟ قال لي نعم فأنا أعتبر نفسي جاهلاً فعمدما أشاهد أحد يقرأ جريدة أو أشاهد الطلاب وهم يذهبون الى مدارسهم وهم فرحين كنت أحس بغصة في داخلي وكنت أحتقر الظروف التي وضعتني في هذا المكان، فعندما أريد أن أقرأ عنوان مكان أجد نفسي لا أعرف القراءة والكتابة فأنا أموت بحيرتي لكن ليس بيدي حيلة. هذا وغيره من النماذج الكثيرة التي شاهدتها عن أطفال متسولين ونساء لطلب العيشة. لقد قمنا بأجراء حوار مع أهل الرأي والاختصاص حيال هذه الظاهرة الخطيرة التي تنتشر كثيراً هذه الايام. *- السيدة (سهام عبد الكريم) أستاذة تربوية في مدرسة الأماني لقد وجهنا لها سؤالاً عن ظاهرة التسول وهروب الطلاب من المدارس؟ أجابتني قائلة يرجع أسباب أستفحال ظاهرة التسول بين صفوف الاطفال خاصة بعد عام 2003، الى المشكلات الاجتماعية وأزدياد حالات الطلاق مما أدى ذلك الى تفكك الاسرة وأستمرار أعمال العنف التي راح ضحيتها الالاف من الرجال والاوضاع الغير مستقرة التي يعيشها العراق منذ أكثر من10 سنوات كان لها الاثر الكبير على الشرائح الضعيفة وخاصة الاطفال والشباب حيث أجبرت الظروف الالاف منهم على التسرب من المدارس وترك الدراسة وأمتهان مهنة التسول في الشوارع. *- (سرمد مزهر) طالب ماجستير في جامعة بغداد قسم علم الاجتماع قال "عن هذه الظاهرة مما زاد عن أستغرابي بأن يوجد هناك متعهدين مسؤولين عن مجاميع متسولة من النساء والاطفال وكبار السن فالمتعهد هذا يستخدم هؤلاء المجاميع لاستمالة عطف الاخرين ووصل الامر بين هؤلاء المتعهدين الى أجراء مزايدة في ما بينهم للفوز بالاماكن والمناطق السكنية التي تمتاز بأرتفاع المستوى المعاشي أو المراكز التجارية ووصل الامر بهم الى تأجير بعض الاماكن والمراكز التجارية المهمة وأن المتعهد المسؤول عن المجموعات يقوم في نهاية اليوم بجمع الوارد من هؤلاء المتسولين وأذا لم يتمكن أحد أفراد جماعته من جمع المبلغ المحدد يقوم المتعهد بمعاقبة الطفل وحرمانه من الطعام. *- الباحثة الاجتماعية (شيماء جبار) قالت لنا عن سؤال وجهناهُ لها عن نفس المشكلة أجابتنا إن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية دفعت الالاف من العوائل التي فقدت المعيل الى البحث عن وسائل أخرى تمكنهم من مواصلة العيش ولو على حساب حرمان الابناء من التعليم وضياع مستقبلهم في ظل عدم أكتراث المنظمات والهيئات الدولية والمحلية إزاء هذه الظاهرة. *- (فرح علي) أخصائية في علم النفس سألناها في الشأن ذاته؟ قالت لقد تفاقمت ظاهرة التسول في العراق في الاونة الاخيرة وخاصة بين الاطفال وذلك بسبب الظروف التي يعيشها المجتمع العراقي وكذلك الجهل والبطالة والفقر، فلا توجد أرقام رسمية لعدد المتسولين لكن هناك منظمات أنسانية تقدر عددهم نحو 200 متسول في بغداد وحدها، وهناك ظاهرة جديدة ظهرت بأن هناك جماعات مسؤولة يعرفون بالمقاولين يرغمون الاطفال والنساء والمعاقين على التسول تحت غطاء بيع حلوى أو مناديل ورقية في الشوارع فيطوقون شوارع ونوافذ السيارات طلباً للمساعدة، نلاحظهم أكثر في مناطق المنصور والكرادة وشارع فلسطين ومن كلا الجنسين. *- أوضحت أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد الدكتورة (ش . ع)، إن التسول وبخاصة بين الاطفال تحول من حالات فردية الى ظاهرة تقف وراءها جهات تستغل الاطفال وتدفعهمٍ الى ممارسة التسول. *- الاستاذ (حسين علي) والمديرة التربوية الست جنان كان لها رأي في خصوص عزوف الطلاب من المدرسة فقد أشادا الى أن آخر الدراسات الحديثة تشير الى نسبة تسرب الطلاب من الدراسة في المرحلة الابتدائية في سن (6 - 11) سنة كانت أكثر من 21 % للعام الدراسي (2003- 2004) حيث أصبحت المدرسة تشكل عبئاً أقتصادياً على أولياء الامور وتدني الوعي الثقافي لدى الاباء والامهات كان سبباً رئيسياً في عزوف الطلاب عن المدرسة وأمتهانهم مهنة التسول ليقتادوا منها لقمة العيش. *- (د. سحر عبدالله ) أستاذة في الجامعة المستنصرية أجابتنا عن بعض الحلول للحد من هذه الظاهرة قائلة: أولاً توفر فرص العمل، وثانياً المتسولين في مراكز للرعاية الاجتماعية وخاصة الاطفال والاهتمام بالجوانب الاجتماعية والصحية والنفسية والتربوية للعائلة للحد من ظاهرة التفكك الاسري، ثالثاً تفعيل دور الاعلام للتوعية بهذا الشأن، رابعاً: أيجاد فرص عما لطلبة وتلاميذ المدارس في العطلة الصيفية، خامساً: والبحث في كيفية الحد من ممارسة التسول بحل مشكلة الفقر والبطالة عبر تبني الدولة خطط مدروسة من شأنها تطويق أزماتنا المستفحلة، سادسا : رفع الدخل الشهري للمواطنين مثل شريحة المتقاعدين