يُعد الزواج في الأقاليم الصحراوية، من العادات التي لم يتخلِ عنها سكان تلك الأقاليم، وهي الموروثة أبًّا عن جد، حيث إن الزواج يتميز بتنوع مراسمه وطقوسه، وببهرجته وغلاء المهور، كما أن حفل الزفاف في الأقاليم الصحراوية، لا يختلف كثيرًا ما بين البوادي والحواضر. قبل الزفاف، لابد أن تتم الخطبة، وهي شيء أساسي، ولابد منه، ليس في جميع الزيجات في العالم الحضري الصحراوي في المدينة، بل أيضًا بالنسبة للبدو الرحل في الخيام، والبدو المستقرين في البوادي الصحراوية، وما يميز هذين الوسطين، هو السرعة في الزواج والبساطة كذلك، عكس المدينة حيث تستغرق الاستعدادات بضعة أشهر. والخطبة عادة ما تكون بين العائلة والقبيلة الواحدة، لكنها في السنوات الأخيرة لم تقتصر على ذلك، بل تجاوزته إلى عقد زيجات بين قبائل مختلفة صحراوية إلى زيجات أخرى ما بين فتيان وفتيات صحراويين، وأمثالهم من داخل المغرب، وتتم الخطبة، بعدما يتفق أهل العريس والعروس، الذي يكون سمع بها من أقاربه، أو حتى رآها في مناسبة عائلية، أو ما شابه، حيث يتجهون إلى منزلها مُحمَّلين بكبش، وأكياس من السكر، وملابس للفتاة، من أجل خطبتها، ومن خلال هذا اللقاء يتم تحديد تاريخ الزواج، والذي بدوره يختلف ما بين البادية والحواضر، وعادة ما يكون في الصيف المعروف بتجمع العائلات، وما يصاحبه من فرحة. وقبل حدوث الزواج بقرابة الشهر، كان في الماضي البعيد، وحتى حاليًا في بعض العائلات "الخادم"، وهي امرأة تتكفل بإعداد العروس، وتهيئتها لتكون في أبهى حلة، وذلك من خلال أدق تفاصيل الزينة، وإخضاعها لمجموعة من الخطوات، التي تهتم بالشَّعر والبشرة، وعموم الجسد، بل حتى داخله من خلال "التبلاح"، وغيره من الطقوس، تلك العادة لم تندثر كليًّا، بل لا تزال قائمة في الوسطين معًا، لكن في الآونة الأخيرة ربحًا للوقت والبحث عن التغيير، ومواكبة الموضة والحداثة، تم الاستعانة بخبيرة الشعر والتجميل، حيث تساعد الفتاة على الاستعداد الجيد لكي تخطف الأبصار بمجموعة من "المسكات"، والخلطات التي تُعد لهذا الشأن، بعضها يتم بطرق تقليدية، والآخر عبر وصفات تُعد في صالونات التجميل لهذا الغرض، أو من خلال نساء صحراويات لهن باع طويل في هذا المجال، مغربيات وموريتانيات. وهذا الاستعداد القبلي لزواج يقابله استعداد آخر للأسرتين معًا، أسرة العريس التي تكون قد جهَّزت كل ما يلزمها لهذا العرس، حسب مكانتها الاجتماعية والمادية، حيث يلزم العريس بناقة أو جملين، أو ما فوق حسب الإمكانات المادية والعائلية له، وأكياس عدة من السكر وأكباش، وزيت، ودقيق، وزرابي تقليدية، وأخرى عصرية، أو ما يعرف بالسجاد التركي، وصندوقين من الحديد، أحدهما مملوء باحتياجات العروس من عطور، وأغطية متنوعة، ذات ألوان وماركات مختلفة، وصنادل وأحذية، وفساتين، وإكسسوارات، وحقائب، وعلب للماكياج تكون من أرقى المحلات، وحسب آخر صيحات الموضة، وباهظة الثمن، إضافةً إلى مجوهرات غالية القيمة كالذهب، حيث كلما كان المهر مرتفعًا، كلما دَلَّ على المكانة العالية لهذا الزوج، وهذا المهر قد ينخفض، ويكون عاديًّا وبسيطًا بالنسبة لعائلات في الوسطين معًا، وقد يكون على حاله الأول حتى في البوادي، حيث العائلات المعروفة، إضافةً إلى صندوق آخر، يحتوي على؛ ملاحف، وأمشاط، وقرنفل، وبخور "تيدكت"، وهو بخور معروف في الأقاليم الصحراوية، ومرايا. هذا الصندوق يتم تسليمه لأهل العروس من العريس وأهله، وتتولى المعلمة بعرضه أمام الحاضرين، وتختار الكلمات بعناية، وهي تُعد تلك الهدايا، وتغدق بالمديح لهذا العريس، وللعروس التي كان حظها مميزًا. هذا الطقس الاحتفالي، يسمى بـ"الدفوع"، والذي يستقبل بالزغاريد و"الزريك"، والثمر، والحليب، وتحمله فتيات صغيرات، يرتدين زيًّا صحراويًّا، يتكون من "ملحفة" سوداء، وإزار أبيض في الأسفل، عبارة عن "نكشة"، أو من الخصر إلى الأسفل، وهو ما يُعرف بـ"النكشة". هذا "الدفوع" يتم في البوادي محمولًا على ظهور الإبل، وحتى سيارات "الأندروفيل"، حسب الطبيعة التضاريسية للمنطقة، وبالنسبة للحواضر على كوكبة من السيارات، تحمله وتحمل عائلات العريس إلى منزل العروس، بعد المرور في شوارع عدة؛ لتنطلق مظاهر الاحتفال والترحاب بالضيوف من خلال الأهازيج والرقصات والموسيقى الصحراوية، وتستمر تلك المظاهر إلى حدود منتصف الليل، حيث تحمل العروس إلى منزل عريسها دون والدتها فقط وبعض قريباتها، وتحت أنغام صحراوية، وفي انتظار أن تمر ليلة الدخلة، والتي لا تستغرق بضعة دقائق، حيث يخرج الإزار وعليه بقع من الدماء، وهو دليل على عذريتها، وشرف عائلتها، حيث يتم الرقص به على إيقاع الزغاريد. في اليوم التالي، يذهب أهل العروس إلى منزل أسرة العريس، مُحمَّلين بطبق من العيش، مصحوبًا بالعسل والذهن؛ لتناوله هناك مع الضيوف الحاضرين، بعد منتصف النهار تقوم المعلمة بإعداد العروس، وإعداد ملابسها، التي تتغير أكثر من مرة، ابتداء من رأسها إلى أخمص قدميها، عن طريق وضع "الضفرة"، وهي مجموعة من الجدائل مملوءة بالخرز الحر، ومجوهرات أخرى ثمينة، وهي إكسسوارات خاصة بالشعر، ممن خلال طرق تقليدية، أو تسريحة بطرق تقليدية، مع وضع أساور، و"دماليج"، وحُلل فضية، أو من معادن ثمينة كالذهب، لكن المجوهرات الفضية والخرز، حتى لو كان ذا قيمة مادية، ترك مكانه لمكونات الزينة الحديثة كالذهب وغيره من المجوهرات في تناسق بديع مع الملابس وباقي الإكسسوارات، إضافةً إلى الحنة، التي تتم بنقوش صحراوي أفريقية من موريتانيا والسودان، في حين أن الفتيات يرتدين ملاحفهن بتسريحات شعورهم بضفيرة واحدة، أو بضعة ضفائر، تزينها خيوط خفيفة من الخرز والمجوهرات. ومن العادات الأخرى "ترزيفت"، وهي عبارة عن هدايا، يتم تقديمها من طرف أسرتها، وعائلاتها، وصديقاتها، وهي عبارة عن هدايا منزلية من سجاد، وزرابي، وآلات تصبين، وتلفاز، وأواني منزلية وأغطية. وتتزين موائد الزفاف بأنواع العصائر والحلويات، لكن يبقى لحم الإبل، هو الذي يتم الاعتماد عليه في الطبخ في الصحراء؛ لإعداد وليمة العرس، لمكوناته الصحية بالتوابل أو دونها، وترافقه كأطباق "السفة"، أو الأرز، أو "الكسكس" الخماسي، المرفوق بـ"أملو" العسل، إضافةً إلى أطباق الدجاج المحمر، وإذا كانت العروس تستعمل في تنقلاتها سيارات، فإن تلك المتواجدة في البادية تجلس على ظهر الناقة في هودجها، في حين يجلس العريس على راحلته، وكلتا الناقتان يسوقهما شباب من القبيلة، أو العائلة، تتقدمهم فتيات وشبان صغار، يرتدين "دراريعًا"، في حين الفتيات يرتدين الملاحف، وتنقل العروس التي تمشي الهوينة إلى أن تصل إلى خيمة "الرك" المنصوبة لهما بعيدًا عن المخيم. ويحضر الشاي الصحراوي، الذي لا يمكن الاستغناء عنه بأي وجه من الوجوه، وفقه طقوسه المعروفة، التي تعطي للاحتفال نكهته الخاصة، التي لا يعوضها أي شيء آخر، حيث يتم ارتشاف كؤوسه بلذة كبيرة. ويواكب حفل الزفاف، الرقص والغناء، والذي يعد مظهرًا من مظاهر الحياة الصحراوية، التي لم تستطع تغيرات العصر أن تعمل عن محوها أو التقليل من شأنها، تلك الرقصات والأغاني تتم على أنغام وإيقاعات موسيقية "حسانية"، تتخللها رقصات تحييها فرق رجالية ونسائية، لها باع طويل في هذا المجال، كالكدرة، والطبل، والكيتار، وهي ضروريات للعرس، التي لا محيد عنها بالنسبة لجميع المستويات، ويرافقها ما يسمى بـ"التعلاك"، وهو نشر أوراق مالية من فئة 100 و200 درهم، على الراقصة التي تتمايل، وعلى موسيقيين يتبارون في مديح العروس والعريس وعائلتهما. وبعد انتهاء فترة العرس، تقوم العروس بزيارة إحدى أقاربها الأكبر سنًّا، من العمومة أو الأخوال، برفقة هدايا، مع زوجها، إضافةً إلى كبش أو نحيرة، حسب المستوى، لهذا الأخير، حيث يقوم الأقارب بإعداد وليمة، وبالاحتفال بالعروسين.