لندن ـ ماريا طبراني
أكد المحللون السياسيون، أن "المملكة المغربية لا تزال تعيش في منأى عن حالة الفوضى والاضطرابات، إذ ظلت الحكومة الإسلامية في المغرب تحرص منذ وصولها إلى الحكم على أن تحظى بقبول ورضا البلاط الملكي، في الوقت الذي تجتاح العالم العربي موجات من التغيير في ظل ثورات الربيع". وطرحت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تساؤلاً عن الوضع في المغرب، قائلة "هل من المعقول أن يظل المغرب بمثابة الاستثناء في العالم العربي؟ لقد حرصت المملكة المغربية التي تأثرت باضطرابات ثورات ما يُسمى بـ(الربيع العربي)، على الترويج لهذه الفكرة، في الوقت الذي ظلت فيه تساير موجات التغيير التي تجتاح العالم العربي من حولها، وعلى عكس ما يحدث في تونس، فإنه لا يوجد في المغرب جدل حول السياسات الإسلامية ، كما أنه لا يعاني من اضطرابات شعبية على شاكلة ما يحدث في المملكة الأردنية والتي طالبت بإسقاط النظام الملكي، وفي الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تجمع حفنة من المليشيات خارج البرلمان للمطالبة بخفض الموازنة الملكية التي تبلغ 300 مليون دولار، وبعد عام من الانتخابات العامة التي جاءت بحزب (العدالة والتنمية) الإسلامي إلى السلطة للمرة الأولى، ظلت أوضاع المغرب لا تحظى بكثير من الزخم الإعلامي في العالم العربي". قال وزير التعليم العالي في حكومة حزب "العدالة والتنمية" لحسن داودي، وهو يضحك، "لا شيء يحدث على الإطلاق"، وكأن ذلك في حد ذاته دليل على النجاح. إلا أن هذه الحالة من الخمول والخمود قد بدأت تثير غضب وسخط الشعب في المملكة المغربية، وكان الاستفتاء الذي جرى في تموز/ يوليو العام 2011 قد وافق على حزمة من الإصلاحات التي تهدف إلى وضع دستور جديد، إلا أنه ومنذ تشكيل البرلمان في كانون الثاني/ يناير، لم ينجح البرلمان الجديد سوى في تحويل بند واحد من تلك الإصلاحات إلى قانون، ولم تبذل بعد ذلك أي محاولات لتشجيع المناقشات والمناظرات على نطاق واسع، ولم تتبن أي برنامج إصلاحي ضخم على الرغم من المناخ الاقتصادي الصعب، إذ وصلت معدلات البطالة إلى نسبة 30 % تقريبًا في أوساط الشباب المغربي، كما يفتقد ربع السكان إلى الرعاية الاجتماعية، وربما كان العام 2012 بمثابة عام تسخين لكل من الحكومة والبلاط الملكي أو عام أجوف كما يقول الشعب، إلا أن شعبية رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران تكاد تكون مهددة". وتابعت الصحيفة، "يحرص الإسلاميون بعد وصولهم إلى السلطة وبعد أن ظلوا سنوات في المعارضة، على كسب ثقة الناخب والملك محمد السادس الذي لا يمكن منازعته في سلطاته وسطوته، حيث قال أحد زعماء حزب (العدالة والتنمية)، رفض الإشارة إلى اسمه، إن هذا هو النهج الذي نتبعه منذ عقد التسعينات، كما إننا نفضل تجنب الدخول في صراع مع الملك على أساس أن هذه هي الوسيلة الوحيدة لإقناعه بإجراء الإصلاحات"، مضيفة "ولم تكد الحكومة تعلن عن خططها في تشديد الرقابة على تلفزيون الدولة باستبعاد نشرات الأخبار بالفرنسية في أوقات الذروة، وفرض آذان الصلاة خمس مرات يومية، حتى تراجعت أمام الضغوط الملكية بإعادة النشرات الفرنسية، إلا أن قانون الكفالة الخاص بتبني الأطفال وفقًا للشريعة الإسلامية التي تحرم التبني الكامل، قد تم تمريره من دون ضجة كبيرة، ويقوم الملك بضبط الإيقاع من خلال المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء ووضع الأولويات، أما عن التغييرات الجوهرية المنتظر طرحها، فهي تتعلق بتأسيس مجلس قومي للغات والثقافة المغربية، يهدف للاعتراف باللغة الأمازيغية التي ينطق بها البربر والربط بين الأقاليم، ولاسيما تلك المتعلقة بنزاع الصحراء الغربية، وإن أهم ما يحكم تصرفات الحزب الإسلامي الحاكم، هو الرغبة في البقاء في السلطة، كما أنهم على استعداد إلى عدم التعجل، ولهذا السبب فإنهم يبذلون أقصى ما في وسعهم لتجنب وإزالة أي توتر". وقال أحد زعماء المعارضة في حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية"، علي أبو عبيد إن "الجميع يعتقد أن الأوضاع مستقرة، إلا أنها ليست كذلك، فنحن لا نزال في حاجة إلى المزيد من الديمقراطية، وأن المناقشات بشأن القوانين الأساسية تعادل في أهميتها أهمية الدستور"، مضيفًا "وعلى أي حال فإن الحكومة تفضل فقط مواصلة إدارة الشؤون الجارية"، فيما رأت "غارديان" أنه "على الرغم من أن هذا التصريحات تحمل طابع التوازن، وعلى الرغم من صدقها ولاسيما في ما يتعلق بالاقتصاد المترنح، لكنها تنطوي أيضًا على روح تنافسية خفية وحادة، وعلى الرغم من عدم تردد لفظ التعايش، لكن القوى في المغرب كافة، تمارس هذا التعايش، وعلى الرغم من أن الدستور الجديد يمهد الطريق للفصل بين السلطات، لكن الملك يظل ممسكًا بمقاليد الأمور في المجالات كافة التي تتعلق بالحياة العامة، فقد ترأس وفدًا ضخمًا يضم 300 عضو في أوائل تشرين الأول/أكتوبر في جولة خليجية، وعاد بوعود استثمارية تقدر بمبلغ خمسة مليارات دولار أميركي، وخلال تلك الجولة لم يشارك أي من الوزراء في محادثاتها". وتشهد وسائل الإعلام مزيدًا من الظهور الإعلامي لمستشاري الملك، البالغ عددهم 24 مستشارًا، كما تم تعيين الكثير من الشخصيات المقربة من القصر الملكي في الأجهزة الجديدة التي تم تشكيلها أو شكلها الدستور، ولم يتدخل حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بكلمة في هذه التعيينات التي يفترض أنها خاضعة لسلطة الحكومة. وقالت رئيس جمعية حقوق الإنسان المغربية خديجة رياض، إنه "كان ينبغي أن يثور بعض الجدل والخلاف في هذه المسألة، ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث، لقد عدنا تقريبًا إلى المربع واحد، وعلى الرغم من أن الدستور ككل نظري وغير عملي، لكنه كان له تأثير الملطف. وعلى الرغم من أنه غير كافٍ، لكنه يشق طريقه". من جانبه أوضح وزير الاتصالات مصطفى خليفة (38 عامً)، وهو أصغر وزير في الحكومة الإسلامية، "لقد استطعنا أن نحدد بوضوح مجالات الاختصاص والكفاءة، كما أننا نتعاون مع الأجهزة كافة التي يشرف عليها الملك، ولقد اخترنا طريقًا ثالثًا يجمع ما بين الثورة والاستمرارية". وفي خطوة غير مسبوقة، قام الإسلاميون بالتصديق على إجراءات لا تحظى بشعبية، لكنها ضرورية من أجل إنعاش الاقتصاد مثل رفع أسعار الوقود، وفي العام 2011 دعت "حركة 20 شباط" إلى مزيد من الديمقراطية، ومنذ ذلك الحين لم يسمع لهذه الحركة صوت، ويعلق رياض على ذلك بقوله، إن "إجراءات الشرطة القمعية تتميز بالوحشية، كما أن الموقف في كل من سورية وليبيا بات يستخدم تخويف وإقناع الشعب المغربي بإمكان التوصل إلى حلول وتغيرات سلمية. وقد فقد مراسل وكالة الأنباء الفرنسية عمر بروسكي، تصريحه الصحافي في المغرب، بسبب برقية بعث بها ولم تحظ بقبول الملك، وكان ذلك الموقف بمثابة الطامة الكبرى لكريم تازي أحد رجال الأعمال القلائل الذي أعلنوا تأييدهم العلني لحزب العدالة والتنمية خلال العام 2011، ويقول تازي "إذا تغاضينا عن عجز الحكومة على المستوى الاقتصادي، فإن هذا الموقف يعد بمثابة خيبة أمل كبرى في مجال الحريات المدنية، فقد عاد مغني الراب معوض وعضو حركة 20 فبراير إلى السجن بتهم ملفقة، الأمر الذي يعني أننا لا ينبغي أن نقول أو نفعل ما قد يغضب الملك". ولكن هناك من يرد على ذلك بقوله إن "بعضًا من أفراد النخبة في المجتمع يعيشون بعيدًا عن واقع المجتمع، إذ بات المجال مفتوحًا للحديث بحرية في وسائل الإعلام والبرلمان". والواقع أن شعبية رئيس الوزراء باتت مصدر إزعاج للقصر الملكي، وخلال أيلول/ سبتمبر، قام وزير الداخلية الذي ينتمي إلى حزب غير الحزب الإسلامي بمنع رئيس الوزراء من حضور المؤتمر السنوي لشباب حزب "العدالة والتنمية"، بحجة أن ذلك من شأنه أن يؤثر على الانتخابات الفرعية. ومع ذلك فقد تجاهل الحزب مثل هذه الوقائع المهينة.