دمشق ـ ميس خليل
تدخل الأثنين المأساة السورية، عامها الخامس مخلّفة واقع إنساني كارثي ومعاناة إنسانية كبيرة يعيشها الشعب السوري كل يوم في ظل تدهور الوضع الأمني والنقص في الموارد وافتقار المواطن السوري إلى أساسيات الحياة كالغذاء والدواء والمياه والكهرباء والمازوت.
ووصفت منظمات إغاثة، عام 2014 بأنه العام الأسوأ في الصراع السوري، منذ اندلاع الأزمة حتى الآن.
واعتبرت أن القرارات الثلاثة التي أصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهدف تخفيف المعاناة لم تحقق الغرض منها.
وذكر المتخصص في شؤون السياسة السورية في مؤسسة "أوكسفام الخيرية" البريطانية دانيال جوريفان، أن "هناك المزيد من عمليات القتل والمزيد من التفجيرات وزيادة هائلة في النزوح وزيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين في حاجة إلى مساعدات إنسانية".
وأضاف في مقابلة أُجريت معه في بيروت، أن "قرارات مجلس الأمن فشلت بشكل أساسي، وأوكسفام واحدة من 21 منظمة إنسانية وحقوقية شاركت في كتابة تقرير حول الصراع السوري بعد أربع سنوات من القتال".
وطالبت القرارات التي أقرتها الأمم المتحدة العام الماضي بإنهاء عمليات القتل والتعذيب وإزالة الحواجز التي فرضتها الحكومة السورية ومقاتلو المعارضة كي يتسنى دخول المساعدات الإنسانية.
وأوضح جوريفان، في حواره أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن والتي تضم روسيا والولايات المتحدة لم تطبق قراراتها بسبب فشلها في الضغط على أطراف الصراع لوقف عمليات القتل دون تمييز وإتاحة السبل لتوصيل المساعدات الإنسانية.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت العام الماضي أن الحكومة السورية وافقت على دخول أقل من نصف قوافلها إلى المناطق المُحاصرة أو التي يصعب الوصول إليها في سورية، ولا تعمل الأمم المتحدة في مناطق كبيرة من سورية تخضع لسيطرة تنظيم "داعش".
وحذّرت منظّمات الإغاثة الإنسانية من أن عمليات التمويل للأغراض الإنسانية تناقصت.
وأضاف أنه في عام 2013 تم توفير 71 بالمائة من الأموال اللازمة لدعم المدنيين داخل سورية واللاجئين في الدول المجاورة، لكن النسبة تراجعت في عام 2014 إلى 57 بالمائة فقط.
وأردف جوريفان، " من المخاوف الأساسية التي تساورنا أن القرار تم تقويضه نوعًا ما من جانب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لذلك نحن نطالب بعمل ملموس تقوم به القوى الدولية لضمان وقف الانتهاكات، واستئناف محادثات السلام تمشيًا مع بيان جنيف، ووضع نهاية لإمدادات السلاح للأطراف المتحاربة التي ارتكبت انتهاكات كبيرة.. لحقوق الإنسان".
وذكر أن "هناك الكثير من الأمور الذي يتعين على الدول الأعضاء في مجلس الأمن وحلفائها في المنطقة القيام به لضمان ألا يظل القرار مجرد قطعة ورق".
وأجاز المتخصص في شؤون السياسة السورية في مؤسسة "أوكسفام الخيرية" قرارًا صدر في تموز/يوليو الماضي من الأمم المتحدة للقيام بعمليات إغاثة عبر الحدود دون موافقة دمشق، لكن التقرير قال إن هذا الأمر أعاقه قيود من دول مجاورة على غرار تركيا.
ورسم تقرير منفصل نُشر هذا الأسبوع، اثنتين من منظمات الأمم المتحدة العاملة في سورية صورة قاتمة للحياة بعد مرور أربعة أعوام على بدء الصراع.
وأشار التقرير إلى تقلص عدد السكان بنسبة 15 بالمائة وانخفاض متوسط العمر 24 عامًا ليصبح 55 عامًا في المتوسط بعد أن كان 79 عامًا.
وأضاف أن نصف تلاميذ المدارس لم يذهبوا إلى المدرسة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وتشمل المعاناة السوريين في الداخل واللاجئين في الخارج، إذ قال المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس، الخميس الماضي، إن عددًا متزايدًا من اللاجئين السوريين يلجأون إلى التسول والجنس وعمالة الأطفال من أجل البقاء.
وفي بيان أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أوضح غوتيريس بأنه "ثمة حاجة إلى بذل المزيد من الجهود من أجل إخراج السوريين من كابوس معاناتهم".
وأضاف "بعد سنوات في المنفى يستنفذ اللاجئون مدخراتهم ويلجأ عدد متزايد منهم إلى التسول وإلى الجنس من أجل البقاء وإلى عمالة الأطفال وتعيش العائلات من الطبقة الوسطى التي لديها أطفال بصعوبة في الشوارع".
واستدرك المفوّض حديثه بالقول إن أحد الآباء وصف حياته كلاجئ بـ"العالق في الرمال المتحركة كلما تتحرك تغرق أكثر"، مضيفًا "يتعين أن تحرك هذه الأزمة الإنسانية التي هي الأسوأ في عصرنا هذا موجة كبيرة من الدعم، إلا أن المساعدات تتضاءل".
وأعلن باحثون من جامعة "وهان" الصينية أن 83 بالمائة من سماء سورية أصبحت مظلمة من خلال الصور التي تم التقاطها للبلد عبر الأقمار الصناعية خلال الأربع سنوات الماضية وتحديدًا منذ شهر آذار/مارس 2011.
وأشار الباحثون، في دراسة لهم، إلى أن مقتل نحو 220 ألف شخص ولجوء الآلاف إلى دول أخرى انعكس بشكل واضح على الأضواء المنبعثة من السماء السورية للأقمار الصناعية (في إشارة إلى غيابهم عن منازلهم وانطفاء أضوائها).
وأجريت الدراسة، التي نشرت تفاصيلها صحيفة "لوموند" الفرنسية، بالاشتراك مع جمعية "مع سوريا" التي تضم نحو 130 منظمة إنسانية وحقوقية تقدم المساعدة للمدنيين المحاصرين في سورية.
وبيّنت أن الصور التي التقطت ليلًا حتى شهر شباط/فبراير عام 2015 تظهر كيف غرقت المناطق السورية الرئيسية في الظلام نتيجة نزوح سكانها، إذ رصد اختفاء أضواء الليل تدريجيًا من محور حلب-دمشق العمود الفقري للبلد، ومحور حلب-دير الزور وعلى طول وادي الفرات.
وقال مدير المشروع الأستاذ شي لي، إن "صور الأقمار الصناعية توفر بيانات موثوق بها، وتظهر لنا مدى الدمار في سورية"، مضيفًا أنها "تساعدنا على فهم المعاناة والخوف اللذين أصبحا واقعًا يوميًا يعيشه المدنيون في سورية".
وأكدّ شي لي، أن المناطق التي تعرّضت للقصف المكثف من قبل قوات نظام بشار الأسد هي بلا شك "الأقل إنارة" إذ أظهرت صور الأقمار الصناعية غرق نحو 97 بالمائة من محافظتي حلب وإدلب (شمال) في الظلام.
وأظهرت الدراسة، أن نسبة 96 بالمائة من منطقة الرقة (شمال) التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" منذ نحو عامين غارقة في الظلام أيضًا وهو ما يشير إلى أن "الجهاديين فشلوا في استعادة الخدمات العامة في معاقلهم وفشلوا في وقف نزوح سكان تلك المناطق"، بحسب الدراسة.
وتعليقًا على الدراسة، أعلن رئيس الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان في سورية، وأحد المشاركين في الدراسة، لصحيفة "لوموند" الفرنسية كريم الهيجي، أن "أربع سنوات من الأزمة جعلت السوريين يعيشون في الظلام.. لا وجود للمستشفيات ولا المدارس ولا إدارات"، مضيفًا "لا أعرف كيف يعيش المواطنون السوريون في هذا الوضع طوال هذه الفترة".
وأضاف "المجتمع الدولي هو الأمل الوحيد للسوريين واللاجئين، ونأمل أن يكون لديه القدرة ليعيد الأنوار المنطفئة إلى سورية".
وأكد أنه أمل يتطلّع إليه كل السوريين، بعد أن طالت بهم الأزمة التي انطلقت في آذار/مارس 2011 باحتجاجات شعبية تطالب بإنهاء أكثر من 44 عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، ما قابله النظام بمعالجة أمنية أطلقت صراعًا بين قوات النظام والمعارضة، أوقعت أكثر من 200 ألف قتيل.
كما ساهمت في نزوح نحو 10 ملايين سوري عن مساكنهم داخل البلاد وخارجها، بحسب آخر إحصاءات للأمم المتحدة.