مسقط - عمان اليوم
يُمثّل موقع مصيرة المهم الذي يربط جنوب عُمان بشرقها وشمالها، من المواقع المتميّزة في بحر العرب، وساهمت بشكلٍ كبير في تنشيط التجارة والملاحة البحرية منذ القدم. ويُشير الدكتور حمد بن محمد بن جويد الغيلاني - الباحث في التاريخ - في كتابه "تاريخ جزيرة مصيرة القديم" إلى أنَّ أهالي مصيرة كانوا منذ القدم من رواد البحر وربابنته المحترفين، وكانت لهم إسهامات كبيرة في التجارة والملاحة البحرية. وأضاف أنّ سكان مصيرة ساهموا أيضًا في صناعة السُفُن والقوارب المخيطة (المدرعة) وصناعة الطوافات، وتصدريها إلى البلاد
المجاورة ( اليمن) منذ ما قبل الميلاد وبعده، وتعدُّ الآثار البشرية (عظام بشرية)، والمؤرخة بين (4790- 3826 قبل الميلاد) هي أقدم عظام بشرية وجِدت في عُمان والجزيرة العربية، ولقد تمّ حصر أكثر من (127) موقعًا أثريًا في مصيرة، تضمّ آثارًا لما قبل التاريخ والعصور: البرونزي والحديدي والإسلامي، والعصور الوسطى وما بعدها. وقال: "لقد ظهرت الآثار في الجزيرة بشكل أكبر وعلى نطاق واسع منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، وفي العصرين الحديدي والإسلامي، بينما لم يُعثر على آثار تُذكر تنتمي للألفية الثالثة قبل الميلاد، وهذا يُدلل على
أن النشاط التجاري والملاحي، والكثافة السكانية للجزيرة قد بدأت منذ الألفية الثانية قبل الميلاد"، مُضيفًا أنّ "مصيرة قامت بدور الوسيط في نقل التجارة من شمال عُمان إلى جنوبها، أو من الجنوب إلى الشمال، كما ساهمت بشكل فاعل في تجارة اللبان ونقله من ظفار إلى الشمال، وكذلك نقله إلى ميناء قنا في الجنوب". وذكر في كتابه بأنّ ما يُميّز مصيرة أن لها أسماء قديمة وهي (دمجرة وديسمبرة وماسيرجرا وماسيريا وماشيرا وميزيريت وميسيرا وأورجانون وأورجانا وسيرابيديس وإنسولا وسيرابيون وأورجيريس وسرابيس وسارابيس) وقد ذُكرت
في كتاب الطواف حول البحر الإرتيري في القرن الأول الميلادي باسم (سارابيس)، وفي خارطة بطليموس في القرن الثاني الميلادي باسم (أورجانا وسارابياس)، وذُكرت مصيرة في كتاب ياقوت الحموي (1179- 1229م) بأنها (جزيرة عظيمة)، كما ذُكر كيفية نطق كلمة (مصيرة) ومعناها في اللغة وهو (مصير) أي الحد الفاصل، وذَكَرَ ابن بطوطة (1307- 1377م) معنًا مشابهًا لذلك. وأضاف أنَّ مصيرة تميّزت بوجود أربعة أنواع من السلاحف البحرية، وقد ساهمت منذ القِدم بتجارة (دروع السلاحف) وخاصة سلاحف صقرية المنقار
(الشرفاف) والسلحفاة الخضراء، كما يوجد في مصيرة نوع من النباتات العشبية يُسمّى (Stripagrastis Masirahenis) وهو موجود في مصيرة فقط من بين أنحاء العالم، كما يوجد نوع من أنواع الغزلان الجبلية يُسمّى (Gazella Gazella Cora)، ويوجد نوع من الأرانب وهو الأرنب البري الجبلي وهو أصغر نوع من الأرانب في العالم، ويوجد نوع من أنواع أصداف المحار واسمها (Cardium pseudolima) وهذا النوع يوجد في مصيرة فقط. وأكّد الغيلاني في كتابه أنَّ تاريخ مصيرة قديم يعود إلى فترة العصر الحجري الحديث، كما عُثر
فيها على عظام بشرية قُدِّر عمرها بحوالي (4790- 3826 قبل الميلاد) وفيها قبر ينتمي إلى العصر الحجري الحديث ويعدُّ من أقدم الآثار الجنائزية في عُمان وشبه الجزيرة العربية بأكملها على الإطلاق ولم يُعثر على آثار في مصيرة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وأشار إلى أن الألفيتين الثانية والأولى قبل الميلاد كانتا حافلتين بنشاط بشري وتجاري وملاحي للجزيرة، وعُثر على العديد من اللقى التي تعود إلى فترة وادي سوق (1900- 1300 قبل الميلاد) وأن أكثر المواقع التي عُثر فيها على آثار تعود إلى هذه الفترة هو موقع (صفرة
الحضري) بحلف والمواقع التي تعود لهذه الفترة كثيرة على طول ساحل مصيرة ومنها مواقع صور مصيرة وقلعتا جبل شابه وجبل الصفيق، والمواقع التي تعود إلى العصر الحديدي (1100- 600 ميلادية) كثيرة أيضًا منها مواقع صور مصيرة ومقبرة جسر شاص ورأس مرصيص، وأكثر مواقع العصر الحديدي في مرصيص وصور مصيرة. وذَكَرَ أنَّ من بين المقتنيات التي عُثر عليها في هذه الفترات كانت عبارة عن فخّار وقدور ذات الأفاعي والطاسات الملوّنة المطلية وفأس ورؤوس سهام بحرية، وفي الفترة الإسلامية تمّ توثيق وعاءين من
الفخار ذي البريق في ميراب، وقد تكون القلعة التي في جبل شباح وحصن جبل حمر يعودان إلى الفترة الإسلامية الوسيطة أو المتأخرة، ويُقدَّر تاريخ حصن مرصيص بنحو (100- 150 عامًا)، ويُقدَّر بناء مقبرة الصفايج بحوالي (250 عامًا). وحول ما يميّز مصيرة وضّح الغيلاني أنَّ مصيرة ذُكِرت في كتاب الطواف حول البحر الإرتيري (القرن الميلادي الأول)، وأنّها تشتهر بتجارة دروع السلاحف، كما ذكر ارتباطها التجاري والملاحي بميناء قنا في اليمن، واشتهرت أيضًا مصيرة والمناطق القريبة منها بصناعة سفينة (المدرعة) وتصديرها إلى
جنوب الجزيرة العربية (اليمن). وأفاد أنَّ أهل مصيرة اشتهروا بركوب الطوافات في فترة ما قبل الميلاد وبعده، كما اشتهروا بمهاراتهم في الملاحة وامتلاكهم للسُفُن الصغيرة والمتوسطة، وكانوا حلقة الوصل بين اليمن والمناطق الجنوبية من عُمان، وشمال عُمان، واستمرّ نشاطهم الملاحي البحري حتى القرن العشرين، وكان يوجد بها في بداية القرن العشرين (15) سفينة من نوع (البدن) التي كانت تتنقل من موانئ اليمن إلى موانئ مصيرة ثم صور وشمال عُمان، وكان لميناء مصيرة دورٌ مهم منذ الألف الثاني والأول قبل الميلاد، وخاصة في
تجارة اللبان مع ظفار، ويُعدُّ ميناء مصيرة من الموانئ المهمّة في التجارة المحلية والإقليمية في المنطقة. ولفت الكاتب إلى أهم المواقع الأثرية المهمّة التي عُثر فيها على آثار في مصيرة حيث توجد فيها العديد من المواقع التي عُثر فيها على آثار منها مقبرة صفرة الحضري ووادي ماضي ووادي خصيت ووادي مغر والعيجة ووادي ماغلة وصوير الطيور وجبل الحمر وشعنزي ويبة الملح وحصن مرصيص والصفايج وراسيا وصور مصيرة وجسر شاص ورأس كيده وماغلة ومقبرة وادي فاد وأبو مغيرا ومقبرة وادي ايبوتي ورأس الظري
ورأس مرصيص ومسجد مرصيص ورأس عيدفة (قدوفة) وجبل شباح ووادي الخزين وميرب. وأضاف أنَّ من بين أهم المقتنيات التي عُثر عليها في مصيرة جِرارًا كروية صغيرة لها أربعة مقابض مخرمة للتعليق ولونها رمادي مائل للاخضرار، وكسرًا سميكة من جِرار فخارية وفخّار ناعم مصقول من الداخل بني مائل للحمرة وقدحًا صغيرًا بجدران راسية وقاع مستوٍ مستدير وآنية من الحجر الصابوني ووعاءين كبيرين يشبهان الجِرار يعودان إلى أوائل القرون الوسطى، ومن الأصداف والخرز عُثر على خرز من أصداف ساجو الصغرى
(Margillena spp) وصدف المحار الشوكي تاونسندي وصدفة كاردييم سيلاو وصدفة الطنة الصغرى وصدفة قذائف البحر. كما عُثر على خواتم من الصدف وصدف محار ذي القنسلوة وصدفة اللؤلؤ وخواتم من صدفة اللؤلؤ وصدف الحلزون عائلة (حويت بالمحلي) وصدف حلزون من الجنس البابلي وصدفة الدوك كبيرة الحجم، كما عُثر على عظام بشرية
وعظام أرنب وسلاحف وطيور ورأس حربة من المعدن ونصل سكين وأربع قطع معدنية لتجويف رأس حربة، وأما المقابر الإسلامية فقد عُثر عليها في كل من جبل الحمر ووادي أيبوتي ورأس أبو رصاص والصفايج ووادي فاد ومقبرة صور مصيرة. ولفت الدكتور حمد بن محمد الغيلاني في كتابه إلى أنَّ سكان مصيرة ما قبل الميلاد يُرجّح أنهم من (الجنبة) وقد يكونوا
في ذلك الوقت ينطقون إحدى اللهجات العربية الجنوبية نتيجة اختلاطهم وتجارتهم في ظفار واليمن ثم وصل منذ ٢٠٠ إلى ٣٠٠ سنة (السادة) من اليمن، وسكنوا في مرصيص، ومقابرهم في الصفايج. وأفاد أنّه في بداية القرن العشرين وصل إليها أفرادٌ من قبيلة الحكمان وفي السبعينيات من القرن العشرين أصبحت العديد من القبائل من صور وجعلان وجنوب الشرقية والوسطى وغيرها من المناطق يقطنون الجزيرة للتجارة أو الأعمال الحكومية واستقروا فيها بعد ذلك.
قد يهمك ايضاً
خلال 3 أيام حالة مدارية في بحر العرب دون تأثير على أجواء السلطنة