سحر الطبيعة في وديان أميركا الصخرية
واشنطن ـ رولا عيسى
تُعد تجربة النزول إلى سفح الوادي الضيق هي الخبرة الأكثر إثارة في الرحلة البحرية إلى الوديان الصخرية في الولايات المتحدة، حيث لا يمكن الوصول إلى السفح إلا بعد الإبحار في المياه
بين شقي الوادي في قارب.
وتستغرق الرحلة بين سفحي الوادي الصخري الضيق ستة أيام، ويجب قبلها تعلم كيفية التعامل مع البيئة المحيطة، من خلال قائمة من التعليمات التي تضع على رأس الأولويات أمن وسلامة السائحين، وسلامة البيئة والحفاظ عليها، حيث أن من بين التعليمات، أن يرتدي السائحون سترة النجاة أثناء التواجد على متن الزورق، كما يجب اصطحاب جميع ما يمكن أن يحتاج إليه السائحون للبقاء على قيد الحياة، مع الاستعداد الكامل والأكيد لاستكمال الرحلة إلى نهايتها، حيث لا مجال للتراجع طالما انطلق الزورق.
وتتميز الرحلة إلى سفح الوديان الصخري الضيقة، والتي تكون على متن قارب صغير، بما توفره "فلاجستاف" المنظمة لتلك الرحلات، من أمان، حيث تبعث بالسائحين، إلى وجهتهم الفريدة، رفقة طاقم عالي التدريب والخبرة في استكشاف تلك المناطق ذات الطبيعة الصخرية القاسية، وأثناء الإبحار، يستمع السائحون إلى تعليمات الطاقم، بالتوجه إلى يمين ويسار الزورق، حتى يتم الحفاظ على التوزان، وعندما يستقر الزورق، وتنتظم وتيرة الإبحار، يستمتع الجميع بهدوء النهر، الذي يروي قصة التاريخ، الجيولوجيا، والحياة البرية، والحيوانات والنباتات، والتراث الشعبي وأساطير المنطقة، التي تتردد على ألسنة الجميع طوال الوقت، الذي كلما مر على الفوج السياحي كلما وجدوا أنفسهم في بقعة أكثر انخفاضًا من سابقتها، في اتجاه سفح الوادي الصخري، وكلما مر يوم من أيام الرحلة، كلما ازداد الغموض الذي يغلف المكان وينتشر في أرجاءه، وكلما قطع الزورق مسافة أكبر، كلما ازداد ارتفاع وضيق الممر المائي، وظهرت طبقات جديدة من الصخور، التي يغلب عليها اللون الأحمر، لذلك يتراجع سحر الأساطير أمام ما تراه أعين السائحين من أساطير وعجائب حقيقة على أرض الواقع.
وبالإضافة إلى الإثارة التي تتميز بها الرحلة، هناك أيضًا وقت للتأمل في التكوينات الصخرية على جانبي الممر المائي، والتي تجسد فعل الطبيعة في الصخور والأراضي المحيطة بالممر المائي على الجانبين، وكيف نحتت المياه تلك التكوينات على مدار آلاف السنوات، أما الأكثر إمتاعًا في كل ذلك، فهي تجربة التخييم على اليابسة، على جانبي الممر المائي، الذي يفصل شقي الوادي الصخري، حيث ينام السائحون تحت السماء مباشرةً، لا يفصلهم شيء عن النجوم، ويتميز المشهد بأن النظر إلى أعلى أجمل منه إلى أسفل، كما يتسم الطقس بالدفء في هذا الوقت من العام، مع خلو الضفتين من الحشرات، التي قد تؤرق النائمين في الخيام أو على متن الزورق في أوقات الراحة.
ومن أجمل التجارب التي يخوضها السائحون أثناء ركوب الزوارق في الممر المائي بين شقي الوادي الصخري هي تجربة التواصل المباشر فيما بينهم، لأنهم ببساطة في عزلة تامة عن باقي العالم طوال أيام الرحلة، فلا وجود لإشارات الهاتف الجوال، ولا بريد إلكتروني يمكن الدخول عليه، ولا متابعة للأخبار بعد الثامنة مساءًا، أما المزارات الأثرية، فلم تُحرم منها المنطقة المعزولة، فهناك الشلالات ومساقط المياه الخفية، التي كان القدماء في المنطقة يستخدمونها كمدافن.