مسقط - عمان اليوم
كانت المرأة العمانية وما زالت تبحر في ميادين العلم وتتعمق في أمور دينها ودنياها، وتأخذ العلوم من كل منهل، حتى كبرت في العمر ولكن عزيمتها لم تشِخ وظلت تقصد مجالس العلم وتتدارس القرآن الكريم متى ما أتيح لها ذلك، وقد برز اهتمام النساء بالقرآن الكريم كثيرا من خلال المدارس الخاصة بتدارس القرآن الكريم وحلقات الذكر، وفي العهد الزاهر أرتفع عدد تلك المدارس فأصبحت المرأة المسنة تقضي وقتها صباحا في تلك الحلقات وتروي روحها من مناهل كتاب الله مما يضفي على أنفسهن سكنا وطمأنينة، التقينا بعدد قليل من تلك النسوة اللاتي نقلن لنا تجربتهن في القرآن الكريم وقدمن عددا من النصائح للشباب والشابات بأهمية الرجوع لكتاب الله في جميع أمور الحياة.
تدارس القرآن وحفظه
الوالدة خزينة بن سلطان الشيبانية أصبح سمعها ضعيفا بعد أن كبرت في السن ولكن كتاب الله ونهج نبيه ما زالا حاضرين في قلبها، وقد ختمت القرآن كاملا منذ نعومة أظفارها تلاوة وترتيلا، وقالت في بداية حديثها: تعلمت ومعي أصيلة بنت سعيد الشيبانية - رحمها الله – وتدارسنا القرآن الكريم كاملا وحفظناه ابتداء من سورة البقرة إلى آخر سورة الناس "بالهجي والإعراب" حسب تعبيرها، وأضافت: تعلمنا الوضوء والصلاة والتهلولة من المعلم الوالد ابراهيم بن عامر الشيباني والوالد خلفان بن محمد المحروقي وجميعهم انتقلوا إلى رحمة الله، وقالت: إن أصيلة لم تنسَ القرآن الكريم طوال حياتها حتى أنها غادرت من الدنيا وهي تقرأ "سورة الرحمن"، وأنشدت الوالدة خزينة قصائد من كتاب جوهر النظام لنور الدين السالمي لتذكير الناس بأهمية الرجوع للقرآن الكريم وتدبر آياته، قال فيها: "وقد رأيت الناس في زماني لا يطلبون العلم للمنّان.. لكن مباهاة لأهل العلم وحجة منهم لأهل الظلم .. ويل لمن كان بهذا الحال من العذاب ومن النكال" إلى آخره من الأبيات، وقالت إن على الإنسان أن يتدبر في آيات القرآن الكريم ولا يقرأه كمن يقرأ وهو يجري ولا يعرف ماذا قرأ من القرآن الكريم، وأشارت إلى ضرورة اهتمام الشباب بالقرآن الكريم وليس التركيز فقط على العلوم الدنيوية.
وكانت الوالدة شيخة بنت سعيّد المحروقية بانتظارنا عند زيارتنا لها في بيتها، وتلت لنا آيات من سورة يس وقد أخبرتنا كيف غيّر القرآن الكريم لها حياتها منذ أن بدأت بتعلمه منذ ما يقارب من اثني عشر عاما، وأنها كنت تذهب لمدرسة القرآن الكريم بعد أن تنهي أعمالها، وقد حفظت في المدرسة بداية من جزء عم وحتى الجزء السادس من الأجزاء الأخيرة من القرآن الكريم، وقالت إنها تستطيع أن تقرأ سورة يس وسورة الكهف بالقلم القارئ، وأضافت : "الحمدلله أنني تعلمت القرآن الكريم الذي أثر في نفسي ونور لي طريقي وقلبي وكان لي حصنا يحفظني عن يميني وعن شمالي، وقد تعلمت الأدعية رغم أنني لا أستطيع القراءة ولكني أتابع مع المعلمات، ولم أكن أعرف شيئا قبل أن أتعلم القرآن الكريم ولكن بعد أن تعلمت أصبحت أعرف الكثير"، وقالت إنها لم تذهب إلى المدرسة منذ أن جاء كورونا ولكنها مستمرة في القراءة باستخدام القلم القارئ وتقرأ كل يوم سورة من السور حتى تراجعها بالإضافة إلى سورة ياسين التي تفضل قراءتها يوميا.
الموازنة بين الطاعات والأعمال الدنيوية
ونصحت المحروقية الإنسان بضرورة أن يقسم وقته وأن يوازن بين العبادات والطاعات والأعمال الدنيوية، وأن لا يحدد للقرآن وقتا بل يقرأه كل ما قعد، وحيثما اتجه يجب أن يكون المصحف إلى جواره، كما نصحت الشباب والشابات بضرورة الاهتمام بزيارة الأرحام والجيران فكل ذلك عبادة، وأن للقرآن وقتا بعد الصلوات الخمس وقبل النوم وفي وقت الفراغ، وأشارت إلى أهمية الوضوء قبل النوم وقراءة الدعاء والإكثار من الاستغفار عند القيام من النوم ليلا كل ما انقلب الإنسان يمينا وشمالا، وقالت إن الصلاة تؤنس في النوم وفي الحياة وفي القبر بعد الموت، وأن القرآن يقي الإنسان السوء ويجنبه انفلات اللسان والتحدث عن الناس، وأن الإنسان قبل أن يموت يذكر فقط ما كان يفعله في حياته سواء كان خيرا أو شرا، فإذا ما حفظ القرآن واسترجعه في حركاته وسكناته كان القرآن مؤنسا له في لحظات موته.
كما زارت "عُمان" الوالدة سالمة بنت سعيد الشيبانية في دكانها المطابق لمنزلها والذي تعرض فيه مستلزمات نسائية تراثية مثل الحناء والصندل والملابس التقليدية، تستقبل فيه النساء حينا وتمسك بمصحفها حينا لتقرأ ما تيسر لها من القرآن الكريم، وعندما التقينا بها قالت في البداية إن الحفظ والمراجعة اليومية للقرآن الكريم أمر لا بد منه حتى لا ينسى الإنسان ما حفظ، خصوصا كبار السن قالت إنه يجب أن يستمرون في قراءة القرآن ويستمعونه مما تيسر من أجهزة التسجيل في المنزل إن تعذر على الإنسان القراءة، وعند سؤالنا لها أين وصلت في حفظ القرآن الكريم قالت إنها تحفظ أجزاء من سورة البقرة وسورة ياسين وسورة تبارك والواقعة، تراجعها متى ما تسنى لها ذلك بوجود مصحفها ونظارتها إلى جانبها، وذكرت أنها كانت قد تعلمت القرآن الكريم منذ أمد بعيد من الوالد ابراهيم بن عامر الشيباني، وتعلمت أيضا من ثمناء بنت عبدالله الشيبانية في العهد الجديد، وتحث الشيبانية الشباب على ضرورة الاهتمام بقراءة القرآن الكريم وقراءة آية الكرسي والآيات الأخيرة من سورة البقرة والتركيز على ذكر الله سبحانه وتعالى صباحا ومساء، وأنشدت تقول: "العلم نور وسراج مقتبس صاحبه مكرم حيث جلس..".
طريقة الاستماع
كما زرنا الوالدة غاية بنت الصياح المحروقية، التي حكت لنا قصتها مع القرآن الكريم وأن موقفا حدث لها في حياتها قد كان له الأثر الأكبر في تذكيرها بكتاب الله، حيث قالت: بدأت في دراسة وحفظ القرآن الكريم بعد أن ذهبنا للعمرة أنا ومجموعة نساء قبل سنين طويلة، حيث كانت النساء تقرأ القرآن ويتناقلن المصحف بينهن ويتجاوزن دوري بسبب أنني لم أكن أستطيع القراءة وعندما وصلت للكعبة المشرفة أثر ذلك الموقف في نفسي وكيف أنني انشغلت بتربية أبنائي وأعمال بيتي حتى كبر أولادي، وعندها تذكرت أنني قد خسرت الكثير من عمري وأنه يجب أن أتعلم قراءة القرآن الكريم، والتحقت بمدرسة القرآن الكريم وعلمتني المعلمتان ثمناء وحليمة الفاتحة وصححن لي قراءة السور القصيرة التي كنا نقرأها بشكل خاطئ في الصلاة قبل أن نتعلم القرآن الكريم، وشجعتنا من خلال القراءة على تدارس القرآن الكريم والرجوع لآيات الحفظ التي تساعدنا على حفظ القرآن الكريم، وأضافت: أنا أنصح كل مهموم أن يلجأ للقرآن الكريم في كل وقت، وأنصح الشباب والشابات بالاهتمام بقراءة القرآن الكريم وتدبر آياته فهو ينور لهم طريقهم في الدنيا والآخرة، وقالت: أتمنى أن لا يأخذ الله أمانته إلا وأنا حافظة للقرآن الكريم، وأن كل آية تبقى في قلبي ولا أنساها ما حييت، وقالت: قد اعتدت كل مرة أحفظ شيئا أقول "يا رب أستودعك ما قرأت وما حفظت وما تعلمت فرده إلي عند حاجتي إليه"، وهنا نصحت المحروقية كبار السن من الرجال والنساء أن يقرأوا ويبادروا إلى حفظ القرآن الكريم ما دام الإنسان يتنفس وله سمع وبصر، وأشارت إلى فاعلية طريقة الاستماع في حفظ القرآن الكريم كونه يأتي بنتيجة عالية، وقالت إن الكثير يعرفون القراءة ولكن لا يهتمون بالقرآن الكريم، ولكن لمن لا يستطيع القراءة ننصحه بضرورة التعلم بالاستماع واستخدام القلم القارئ.
قد يهمك ايضاً