جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه

لا تزال صور بعينها من صور جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- تأسرني أكثر من غيرها من الصور التي باتت تنتشر منذ الحادي عشر من يناير الماضي. فلا أستطيع أن أمر مرورا عابرا على صورته مع الخيل الأبيض واضعا جبهته على ناصيتها، أو تلك التي افترش فيها الأرض ضاما حمامة بيضاء بين كفيه، والصورة الجانبية التي كان يشم فيها زهرة حمراء صغيرة، والصورة التي كان يضع فيها بصره على صفحة البحر وهو بملابسه العسكرية البيضاء من على أحد اليخوت، وصورته مع كاميرته السوداء. كلها كانت تنم عن أشياء أحبها وشغف بها. الورد والسلام والضوء والبحر والخيل والطير، كلها لا يمكن أن تشي إلا بفنان مرهف يحب الحياة.
فمما يذكره جون رومانز ابن العائلة التي عاش معها السلطان الراحل في بريطانيا، الذي أشار إليه سلطان الحطاب في كتابه «سلطنة وسلطان..أمة وقائد.. قابوس بن سعيد»، قال رومانز عن السلطان قابوس: إنه كان «فارسا مغوارا». ويشير الكتاب ذاته إلى أن العراقي محمد نجيب الربيعي قال عنه: «أتذكر أنه كان فارسا من الطراز الأول ويحب رياضة الفروسية وقد أهدى فرسا للكلية. وذلك على سبيل اللفتة الكريمة وتأكيد الأصالة والكرم العربي الأصيل».
وإضافة إلى ما ورد في كتب «سلسلة عظماء دخلوا التاريخ.. جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم» للطنبور والنعيمي، و«السلطان قابوس بن سعيد سيرة رجل وبناء وطن» لصلاح أبو السعود، و«السلطان والعرش» لمصطفى بدر، فإن ركوب الخيل كانت الهواية الأقرب لنفسه، وأنه مارسها مذ كان صغيرا، حيث ورد أنه قال- طيب الله ثراه-: «وُضعت على ظهر حصان وأنا في الرابعة من عمري ومنذ ذلك الحين وأنا أحب ركوب الخيل، ولكن في الآونة الأخيرة ولكثرة الأعمال أصبحت الممارسة قليلة جداً، إلا أن هذه الهواية لا تزال قريبة إلى نفسي». وذلك ما يؤكد حبه للخيل العربي الأصيل، ففي أحد المقاطع المنتشرة مؤخرا كذلك، كان يحدث فرسا بني اللون: «مشتاقة ترجعي إلى صلالة؟ ولا بعدش؟». وما يترجم هذا الحب مهرجان الفروسية الذي كان يقام بدايات كل عام وبرعاية سامية من لدن السلطان قابوس -طيب الله ثراه.
أما عن الموسيقى فيقول رومانز عن السلطان قابوس: «يحب الموسيقى الكلاسيكية، ويرى فيها الحياة الكلاسيكية البسيطة ومن خلالها يسمع تغريد الطيور». فيما يراها سيرجي أحب هوايات السلطان قابوس إليه إذ يؤكد في كتابه «مصلح على العرش» أنه من الصعوبة وصفها بأنها مجرد هواية، وأن الموسيقى بالنسبة له لا تقل شأنا عن السياسة، واصفا إلمام السلطان قابوس بالموسيقى بأنه «واسع للغاية».
وحين سأل سيرجي بليخانوف – مؤلف «مصلح على العرش» – جلالته -طيب الله ثراه- عن الملحنين الروس الذين يعجبونه قال: «تشايكوفسكي، وريمسكي كورساكوف، ورحمانينوف». وأضاف: «وأنا معجب بالعديد من الملحنين الأوروبيين مثل: سبيليوس، والفنلندي، وكذلك برامز، وباخ، وإيلجار، وأولسون. وبالدرجة الأولى الموسيقى الكلاسيكية، إلا أنني أطرب للموسيقى الشعبية من مختلف الأقطار والقارات – الأنغام الراقصة البولندية والرومانية والعربية. وأنا لا أستطيع أن أفضل اتجاها أو نتاجا على آخر. تعجبني الموشحات الأندلسية والألحان التركية والمقامات الإيرانية. ويعجبني الكثير في موسيقى الهند وإفريقيا، وبالطبع أهوى أنغام الأقطار العربية، وخصوصا اليمن. الثقافة الموسيقية العمانية تطورت بتأثيرات من ثقافات كثيرة: الهند وبلوشستان وإفريقيا. وموسيقانا متنوعة للغاية ومعبرة إلى أعمق الحدود».
ويذكر بليخانوف حديثا صحفيا سئل فيه جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- عن القطعة الموسيقية التي لن يأسف إذا أخذها معه إلى جزيرة خالية غير مأهولة؟ فأجاب السلطان إنها الأنشودة الرعوية السادسة لبتهوفن.
ولا يمكن اعتبار الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية ودار الأوبرا السلطانية مسقط ومركز الموسيقى التقليدية إلا جزءا مما ورّثه حب السلطان قابوس للموسيقى وحرصه على الحفاظ على التراث الموسيقي.
ومن الموسيقى إلى الضوء واللون. فقد أحب السلطان قابوس التصوير، وكانت لديه هواية رسم المناظر الطبيعية في فترة معينة من حياته، ومع أني لم أجد لوحة رسمها هو، لكن الكثير من الصور التي تناقلت عن خطه الجميل والمميز تثبت أن من يستطيع الرسم قد يملك خط يد مميز بالضرورة. كما أن من الهوايات المحببة لدى السلطان قابوس علم الفلك ومراقبة الكواكب. حيث أشار إلى أنه يملك مرصداً صغيراً كان يأمل في تحسينه مستقبلاً، وأنه يقضي بعض الوقت في مراقبة الكواكب السماوية عندما تكون الفرصة سانحة في الليالي المناسبة حسب النشرات الفلكية. وهو مغرم أيضا بالبحر كما يذكر بليخانوف في كتابه: «يركب يخته المزود بكل وسائل الاتصال، ليمخر به عباب البحر بين حين وآخر، وليقضي في رحابه بعض الوقت وقد يحدث بسبب ذلك أن يبيت السلطان بعيدًا عن الساحل أحيانا.»
في كل مرة كان فيها السلطان قابوس يفعل شيئا مما يحب فكان يبدي حماسه وسعادته الكبيرة بذلك، ففي مقطع آخر كان يفترش الأرض ممسكا ببندقيته، وخلفه عدد من الرجال الذين ينتظرون دورهم، فقال لهم ضاحكا: «لو ما صبنا شي تراه الدور عليكم». فيرد عليه أحدهم: «احنا دور ثاني» فيضحك الجميع. وما كان إلا أن أصاب كل الأهداف الموضوعة على مسافة ليست بالقريبة. وقد قال -طيب الله ثراه- حسب ما ورد في الكتب الآنف ذكرها-: إن الرماية من الهوايات المحببة لديه كونه تدرب عسكرياً، واصفا إياها بالجزء المهم لكل من يهتم بالنشاط العسكري، معربا عن حبه تجربة كل ما هو جديد من أسلحة في القوات المسلحة، سواء بندقية أو مدفع رشاش أو مدفع دبابة، إلا أن الرماية بالمسدس والبندقية تبقى هي الأفضل، وأنه وكنوع من الترفيه يستخدم القوس والنشاب، وأنه مولع بالرماية باستخدام جميع أنواع البنادق. وإضافة إلى الرماية فإن السلطان قابوس أحب المشي وكان يقضي وقتاً بالمشي على البحر، واصفا إياه بـ«رياضة جيدة للجسم وفرصة للتفكير

قد يهمك ايضاً:

 

مجلس عمان يشارك في أعمال الدورة الخامسة عشرة لاتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي

 

(الوزاري العربي) يقف حدادا على جلالة السلطان الراحل