مسقط - عمان اليوم
استحدث المركز الوطني للصحة الوراثية بالمستشفى السلطاني عددًا من الأجهزة المخبرية والتشخيصية والتحليلية النوعية، التي تواكب احتياجات التشخيص الطبي لأمراض الدم المختلفة، في خطوة لمواجهة ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض الوراثية بالسلطنة ومواكبة التوسع الذي تسجله الطفرات الجينية المُسببة للأمراض الوراثية، التي وضحتها الدراسات والإحصائيات الطبية المختلفة.
وقال الدكتور مسلم بن سعيد العريمي رئيس قسم الاستشارات الوراثية والخدمات الإكلينيكية والتثقيف الوراثي بالمركز الوطني للصحة الوراثية بالمستشفى السلطاني- في تصريح خاص لوكالة الأنباء العمانية- إن المركز شهد توسعًا نوعيًّا في استحداث الأجهزة المخبرية والمستجدات التشخيصية الحديثة التي تواكب رؤية "عُمان 2040"، كما تتوازى مع التزايد المطرد في معدلات الإصابة بالأمراض الوراثية بالسلطنة.
وأضاف أن المركز استحدث جهاز "المايكرو الري" وجهاز "التحليل الجزئي الخلوي" الذي يقوم ببيان الخلل التشريحي للكروموسومات المسبب متلازمة الأمراض الوراثية. وأضاف أن من بين الأجهزة المستحدثة جهاز "الهامل تون" وهو من أحدث الأجهزة التي تساعد على استخلاص مكون"DNA" (الحمض النووي) من عينات الدم في وقت قياسي وسريع، كما يوجد نوعان من أجهزة الجيل الثالث لتحليل الجينوم البشري وهما جهاز "اليومنا" وجهاز "آيون تورنت".
ارتفاع بأعداد المراجعين
وأشار إلى أن أعداد المراجعين المستفيدين من المركز سجلت ارتفاعًا كبيرًا؛ حيث ارتفع عدد المراجعين المستفيدين من 1732 في عام 2016 ليصل في عام 2020 إلى 4119 شخصًا، لافتًا إلى أن السلطنة تعد من الدول التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بالأمراض الوراثية؛ حيث تتراوح نسبة احتمالية ولادة طفل واحد مصاب بأحد العيوب الخلقية أو بأي من الأمراض الوراثية في السلطنة بين 5.4% و7% بينما لا تتعدى النسبة العالمية 4.4%.
وذكر أنه تم تسجيل أكثر من 300 نوع من أنواع الطفرات الجينية المسببة للأمراض الوراثية بالسلطنة، منها 150 طفرة لجينات ومواقع أمينية جديدة، تشمل مختلف أنواع الأمراض الوراثية المعروفة عالميًّا، يأتي على رأسها من الناحية الإحصائية أمراض الدم الوراثية تليها أمراض الخلل الكروموسومي المختلفة (العددية والتشريحية) ثم أمراض الخلل الأيضي وأمراض الخلل الجيني الواحد والمتعدد والأمراض الوراثية ذات الأسباب المتعددة.
وأوضح أن البيانات الإحصائية من 2014 وحتى 2016 أشارت إلى أن الأمراض الوراثية ذات الصفة المتنحية (أي التي يلزم أن يكون الأبوان حاملين لجيني المرض) تبلغ حوالي 51% من مجمل الأمراض الوراثية المسجلة في السلطنة مشكلة بذلك النسبة الأكبر من مجمل الأمراض الوراثية في السلطنة، بينما تشكل أمراض الخلل الكروموسومي ما نسبته 28.3%، وتعد متلازمة داون أحد الأمثلة على أمراض الخلل الكروموسومي.
وذكر أن السلطنة سجلت 140 حالة لمتلازمة داون في 2014، و150 حالة في العام 2015، في حين تشكل أمراض الخلل في عمليات الأيض مع أمراض الغدد الصماء الوراثية والخلل التغذوي الوراثي حوالي 20.7% من مجمل الأمراض الوراثية.
وأفاد العريمي أن الإحصاءات التوثيقية بينت أن 37% من وفيات الأطفال حديثي الولادة والخدج بسبب الاضطرابات الخلقية الوراثية الشديدة، بينما تُشكل الاضطرابات الخلقية الوراثية 10% من بين الأسباب المقيدة لوفيات الأطفال الرضع، و52% من أسباب الوفاة في الأطفال الأكبر من ذلك بالسلطنة.
وأشار إلى أن الأمراض الوراثية بأنواعها كافة تُشكل نسبة مهمة في أسباب حدوث ظاهرة الإعاقة السمعية والبصرية والحركية وغيرها، مُبينًا أن أحدث الإحصاءات تشير إلى أن نحو 10% من العائلات العمانية يوجد بها طفل مصاب بأحد الأمراض الوراثية التي تؤدي إلى الإعاقة.
وأكد أن من أولويات وزارة الصحة الارتقاء بصحة الفرد والأسرة والمجتمع وتوفير خدمات الصحة الوراثية لذلك وضعت الخطط المبدئية لمشروع إنشاء المركز الوطني للصحة الوراثية في عام 2006، ليكتمل البناء في عام 2012، مضيفًا أن السلطنة أصبحت ضمن أوائل الدول التي تولي مفهوم الصحة الوراثية عناية كبيرة؛ لأنه يُعد من الخدمات الشاملة للدول لتقديم الخدمات الصحية المتكاملة للمواطنين.
الكوادر العاملة
وأشار الدكتور مسلم العريمي إلى أن عدد الكوادر العاملة في المركز الوطني للصحة الوراثية بلغ 59 موظفًا بين أطباء متخصصين في فروع الطب الوراثي واختصاصيين للمختبرات من حملة المؤهلات التخصصية العليا وفنيين وإداريين وفئات طبية مساعدة جميعهم من العمانيين.
وذكر أن المركز الوطني للصحة الوراثية يضم عدة أقسام رئيسة تقدم خدمات متكاملة وهي قسم العيادات التخصصية وتشمل: عيادة الطب الوراثي وعيادة الإرشاد الوراثي وعيادة الإرشاد الوراثي لما قبل الغرس الجنيني وعيادة الأمراض الاستقلابية الوراثية وعيادة الفحص العائلي للأمراض السرطانية ذات المسببات الوراثية وعيادة أمراض الغدد الصماء ذات الأسباب الوراثية وعيادة طب النمو والتطور وعيادة تقييم السلوك التطوري للطفل، وقسم المختبرات الجينية الموسع للفحوصات المخبرية الشاملة. وأفاد بأن المركز ينقسم إلى عدة أقسام بحسب الخدمات التشخيصية التقنية المقدمة وهي قسم التحليل الخلوي الوراثي وقسم الوراثة الجزيئية بفروعها المختلفة وقسم التحليل الخلوي الجزيئي وقسم تقنيات التحليل الجزيئي لأمراض الدم السرطانية، كما يضم المركز قسم التعليم والتدريب للطب الوراثي الذي يعنى بمهمة التعليم المستمر للكادر الطبي العامل في مجال الطب الوراثي، وتنمية الجانب العلمي والعملي وتحديث المعرفة العلمية.
وأوضح أن الخدمات المخبرية للمركز تتمثل في خدمات التحليل الكروموسومي العددي والتركيبي لبيان أسباب الأمراض الوراثية ذات الخلل الكروموسومي وخدمات التشخيص الجيني الفردي والمتعدد بتقنيات الجيل الثالث لتحليل الجينوم البشري لبيان الطفرات الوراثية المسببة للأمراض الوراثية ذات الخلل الجيني بمختلف أشكاله كما تسهم التقنيات المخبرية بالمركز في تشخيص بعض الأمراض السرطانية ذات الأسباب الوراثية الجينية المورثة. ولفت إلى وجود خطة قائمة لتفعيل خدمة التشخيص الجيني للأنسجة السرطانية مما يسهم بشكل فعال في عملية التشخيص والعلاج وتقييم سير العملية العلاجية لبعض الأمراض السرطانية الشائعة في السلطنة.
الأمراض السرطانية
وبيّن العريمي أن المركز يقوم بعدد من الدراسات والبحوث الطبية في مجال الوراثة الطبية ومنها: الأمراض السرطانية المختلفة مثل سرطان الثدي وسرطانات القولون وأمراض الدم السرطانية، وأمراض التكييس الكلوي السائد، ومرض الهانتيجتون وهو من أمراض الأعصاب ذات الأسباب الوراثية، وأمراض الوراثة المايتوكوندرية، وأمراض الدم الوراثية النادرة، وأمراض القلب ذات المسببات الوراثية إلى جانب التشخيص الجنيني لأمراض الخلل الكروموسومي.
وذكر أن المركز يقدم عددًا من الخدمات المتكاملة منها توفير الخدمات التشخيصية للأمراض والمتلازمات المسببة للإعاقة بأنواعها كافة، والفحص العائلي لذوي المصاب في حالة توفرها ومنها فحص الطفرة الوراثية المستهدفة بعد تحديد الطفرة في المريض المصاب، إلى جانب توفير خدمة الفحص قبل الزواج لذوي المصاب وبقية أفراد العائلة عن المرض الوراثي أو المتلازمة المسببة لذات الإعاقة في نفس العائلة، وتوفير قواعد معرفية وعلمية دقيقة بناء على التشخيص المستخلص لدعم خدمة الإرشاد الوراثي للمصابين وذويهم، وتقديم خدمات الإرشاد الوراثي لما بعد إجراء الفحوصات المختبرية التي قد تتطلب عقد جلسات متعددة بهدف تقديم الإرشاد والشرح الوافي لنتائج الفحوصات لتوفير المعرفة والوعي بالنتائج المختبرية والجوانب التشخيصية للمرض والعلاج وطرح جميع الخيارات المتاحة في التعامل مع المرض مع الحفاظ على سرية النتائج.
وأوضح أن المركز يعمل على وضع سياسة مركزية للتعامل الوقائي والعلاجي مع الأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية من خلال التوسع في خدمات الوراثة الطبية وخدمات الإرشاد الوراثي لتشمل كل محافظات السلطنة، وتعزيز التعاون المتبادل مع المؤسسات الصحية بالسلطنة وجمعيات وفرق الدعم المجتمعي وبقية الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى، والمشاركة في تفعيل برامج الصحة الوراثية في مختلف محافظات السلطنة وتنمية وتطوير مجال البحوث والدراسات الاستقصائية، إلى جانب العمل على وضع قواعد مركزية لإنشاء سياسات وقائية تتعامل مع الأمراض الوراثية الأكثر شيوعًا في المجتمع والتي تؤدي إلى ارتفاع نسب الإعاقة بأنواعها كافة بين أفراده.
خطط مستقبلية
ولفت إلى وجود خطط مستقبلية للتوسع النوعي والكمي في تقديم خدمات الصحة الوراثية المتكاملة، ومن هذه الخطط مواصلة التوسع في إضافة العيادات التخصصية للأمراض العضوية المختلفة ذات المسببات الوراثية مثل أمراض القلب ذات المسببات الوراثية وبقية الأمراض السرطانية ذات المسببات الوراثية التي لا تغطيها الخدمة الحالية والتوسع في تقنيات تحليل الجينوم الشامل وضبط جودة وديمومة جميع خدمات المركز من المختبرات والعيادات بما يلائم المقاسات الدولية المعترف بها، والحرص على تأكيد العمل الدائم والسعي لتطبيق كل ما هو جديد ومستحدث من التقدم التقني في مجال التقنية المخبرية الوراثية في قطاع الخدمة الصحية والعمل على الوصول لأفضل معايير الجودة العالمية والاعتماد الدولي في مجال عمل المختبرات.
وفي السياق ذاته، تمكن المركز الوطني للصحة الوراثية بالمستشفى السلطاني ولأول مرة من تشخيص 160 حالة وراثية نادرة خلال السنوات الخمس الماضية في السلطنة. وعملت الدكتورة علياء بنت محمود الحوسنية اختصاصية علم الوراثة الجزيئية والجينوم البشري بالتعاون مع الأطباء العاملين في المستشفى السلطاني والمركز الوطني للصحة الوراثية على خدمة التشخيص الوراثي الدقيق لعدد من الحالات الوراثية النادرة ذات المورّث الجيني الواحد "Targeted Genetics".
التشخيص الوراثي المُحدد
وقالت الدكتورة علياء الحوسنية- في تصريح لوكالة الأنباء العمانية- إن خدمة التشخيص الوراثي المُحدد شملت مجموعة كبيرة من أمراض الأعصاب وأمراض الضمور العضلي ومتلازمات النمو والتطور وأمراض خلل التنسج العظمي وخلل الجلد الفقاعي ومجموعة من أمراض نقص المناعة وأمراض التمثيل الغذائي وغيرها من الأمراض الوراثية النادرة التي يتسبب فيها خلل أو مورّث جيني مُعين. وأضافت أن هذا الفحص جرى تطويره في المركز الوطني للصحة الوراثية وإدراجه ضمن الخدمات المتوفرة من المستشفى السلطاني ويخدم شريحة كبيرة من المرضى والمراجعين؛ سواء كانوا يطمحون لتشخيص مرض وراثي نادر أو كانوا من فئة الشباب المقبلين على الزواج ممن لديهم تاريخ عائلي لمرض معين أو الأبوين الحاملين لمورّث معين ولديهم الرغبة في إنجاب طفل معافى وسليم عن طريق الفحص الجيني ما قبل زرع الأجنة.
وأشارت إلى أن الفحص الدقيق يعتمد على تحديد أعراض المرض سريريًّا من قبل الأطباء ومن ثم يتم فحص الجينات المُسببة للمرض ويؤدي ذلك الى سرعة التشخيص والعلاج واختصار الوقت والجهد الذي يستهلكه عمل عدة فحوصات أخرى قد يستغرق إجراؤها لفترة أطول. وأكدت الحوسنية أن توافر الإمكانات والخدمات كافة في المركز من خلال وجود الكفاءات العُمانية المؤهلة أدت إلى تقليل تكاليف إرسال العينات إلى خارج السلطنة وسرعة في توفير فحوصات ما قبل الزواج لبعض الأمراض الوراثية النادر. وأضافت أن المركز يضم عيادة تقييم السلوك التطوري للطفل والتمريض الوراثي وعيادة الإرشاد الوراثي التي تختص بالجانب التوعوي عبر إيصال الإرشاد الوراثي للعوائل التي لديها شخص مُصاب بأحد الأمراض الوراثية أو الجينية عبر توعيتهم حول كيفية حدوث هذه الأمراض وعوامل ومُسببات انتقاله والأفراد الآخرين في العائلة الذين يجب أن يتم فحصهم.
وذكرت أنَّ عيادة الإرشاد الوراثي تقوم أيضًا بشرح تقنية فحص الأجنة الوراثي ما قبل الغرس أو قبل زرع الأجنة، وهي مُخصصة للآباء والأمهات الذين تم ثبوت احتمالية توريثهم لطفرة وراثية في العائلة وراغبون في إنجاب أبناء سالمين ومعافين من المرض الوراثي المشخص ويتم ذلك عبر إرشادهم بأفضل السبل المتاحة للوصول إلى أبناء سالمين وخدمة تخطيط الحمل المستقبلي والخيارات الإنجابية المتاحة لهم.
وأوضحت أن المركز يضم قسم التثقيف المهني والمجتمعي للأمراض الوراثية ودوره الأساسي هو إيصال الوعي إلى فئات المجتمع، مشيرة إلى أنها لاحظت من خلال الفحوصات التي قامت بإجرائها في المركز بالسنوات الماضية أن هناك ازديادًا في الوعي من شريحة الشباب لخدمة الفحص ما قبل الزواج ومن محافظات السلطنة كافة، وهذا يدل على وجود وعي مجتمعي في هذا الجانب وأن رسالة المركز في هذا الجانب وصلت للمجتمع أيضًا.
وأشارت إلى أنَّ وجود الوعي المجتمعي فيما يتصل بالأمراض الوراثية أو الجينية سيُسهم في التقليل من نسبة هذه الأمراض الموجودة في السلطنة موضحة تأثيرها على الجوانب الحياتية سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية. وذكرت أن المركز يسعى دائمًا لمواكبة التطور والتقنيات والتكنولوجيا المستخدمة في العالم؛ حيث إن المركز يعمل على التحليل الجينومي من خلال قيام المركز بإدراج خدمات لفحوصات جديدة خاصة الأمراض الوراثية النادرة التي تسببها طفرات معينة ومحددة؛ حيث كانت الفحوصات سابقًا تُرسل إلى الخارج، وهذا له جوانب أخرى تتعلق بالوقت وتحتاج لفترة زمنية طويلة إلى جانب السعر والتكلفة؛ حيث يعمل المركز حاليًا على إجراء معظم الفحوصات في المركز.
الفحوصات الوراثية
وأكدت أن المركز يعمل على تسخير القدرات والموارد المتوفرة كافة لإجراء جميع الفحوصات الوراثية مشيرة إلى وجود وعي مجتمعي كبير لهذه الفحوصات وهو ما يتطلب جهدًا مُضاعفًا، مشيرة إلى أنها تعمل حاليًّا على مشروع متلازمة "دوشين" ذات الصلة بالضمور العضلي.
ولفتت إلى أنَّ المركز سجّل خلال السنوات الماضية عددًا من الأمراض الوراثية منها ما يتعلق بالاختلال الكروموسومي، مشيرة إلى أن هذا الاختلال قد يكون عدديًّا سواء بالزيادة أو النقصان إضافة إلى الاختلال العيني الذي يتعلق في بناء وتشكيلة الكروموسومات ووجود خلل فيها والمتعلقة بمختلف الأمراض منها أمراض التشوه الخلقي ومتلازمة داون ومتلازمة باتاو ومتلازمة إدوارد وأمراض اللوكيميا المتعلقة بسرطان الدم وغيرها.
قد يهمك ايضاً
أسماء وأرقام هواتف الصيدليات العُمانية المناوبة خلال عيد الأضحى
"الصحة العُمانية" تواصل تنفيذ عدد من المشاريع الصحية والخدمية