لندن - عمان اليوم
دعا ريتشارد راتكليف، زوج البريطانية - الإيرانية المحتجزة في إيران نازنين زاغري - راتكليف، حكومة بلاده إلى النظر في فرض عقوبات على طهران، فيما اعتبر وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أن معاملة إيران للمواطنة مزدوجة الجنسية ترقى إلى التعذيب. وقال راب لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن «نازنين محتجزة بشكل غير قانوني من وجهة نظري، وفق القانون الدولي، وأعتقد أنها تعامل بالطريقة الأكثر تعسفاً وإساءة». وأضاف: «أعتقد أن الطريقة التي تعامل بها ترقى إلى التعذيب، والإيرانيون ملزمون بشكل واضح، وبلا لبس، الإفراج عنها». إلى ذلك، قلّل مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية، أمس، من شأن تقارير إيرانية حول الإفراج المحتمل عن زاغري - راتكليف مقابل تسديد لندن «ديناً عسكرياً مستحقاً» لطهران يقدّر بـ400 مليون جنيه إسترليني.
وانتقد راتكليف في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، «تردد» الحكومة البريطانية في فرض أي تبعات على السلطات الإيرانية لأخذها «رهائن»، مطالباً إياها بالنظر في فرض عقوبات على طهران. وأنهت نازنين فترة عقوبة استمرت خمس سنوات عقب إدانتها بـ«محاولة قلب» النظام الإيراني و«التجسس» في مارس (آذار) الماضي. إلا أنها مُنعت من السفر، حتى أصدرت محكمة في طهران الأسبوع الماضي حكماً جديداً بسجنها عاماً واحداً، ومنعها من السفر لعام بعد ذلك، بتهمة «الدعاية» ضد النظام.
السيناريو الأسوأ
اعتبر راتكليف أن العقوبة الجديدة التي فرضتها إيران على زوجته «تهديد أكبر مما كنا نتوقع»، موضحاً أن «الحد الأقصى القانوني لعقوبة نشر الدعاية ضد النظام (في إيران) هو عام واحد. بإضافة حظر سفر يستمر عاماً كاملاً، قاموا بمضاعفة العقوبة إلى عامين». وأعرب عن تخوفه من أن يعمد النظام الإيراني إلى تأخير الإجراءات القانونية، ما يجعل «السيناريو الأسوأ الجديد هو انتهاء عقوبتها في النصف الثاني من عام 2023». إلا أنه استدرك قائلاً: «بالطبع هذا ليس السيناريو الأسوأ. إذا استطاعوا اختراع قضيتين في المحكمة، فيمكنهم بسهولة اختراع قضية ثالثة. ما تشير إليه إيران حقاً بهذه الإدانة هو أن نازنين تواجه حبساً غير محدد المدة حتى يتم سداد الدين. هذا تحول قاسٍ جداً في آفاقنا».
ويعد راتكليف أن احتجاز زوجته جاء ردّاً على قضية دَين تاريخية عالقة بين لندن وطهران. ويعود الخلاف إلى عام 1976، حين أبرمت الحكومتان البريطانية والإيرانية صفقة سلاح، تبيع لندن بموجبها 1500 دبابة «تشيفتن» لطهران مقابل 400 مليون جنيه إسترليني. إلا أن لندن جمّدت تسليم الدبابات بعد ثورة 1979 التي أطاحت حكم شاه إيران.
وعند سؤال وزارة الخارجية والتنمية البريطانية عن سبب تأخر حلّ هذه القضية، قال متحدّث باسمها لـ«الشرق الأوسط»: «نواصل استكشاف الخيارات لحل هذه القضية البالغة من العمر 40 عاماً، ولن نعلق أكثر لأن المناقشات القانونية جارية». وترفض بريطانيا احتجاز إيران مواطنين بريطانيين مزدوجي الجنسية كوسيلة ضغط دبلوماسية. ولطالما أكّدت التزامها بتأمين الإفراج الفوري والدائم عن الرعايا البريطانيين المحتجزين بشكل تعسفي في إيران. ولفت راتكليف إلى أنه تم تأجيل النظر في قضية الديون مرتين، الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) ثم في أبريل (نيسان) الماضي، رابطاً ذلك بقرار إيران سجن نازنين لمدة عامين آخرين. «لقد كنت غاضباً منهم للغاية الأسبوع الماضي عندما وافقوا على التأجيل. أخبرت الحكومة أننا سنواجه التداعيات. كان ذلك حتمياً».
لعبة القط والفأر
وينتقد راتكليف «تردد الحكومة البريطانية في فرض أي تبعات على السلطات الإيرانية لأخذها رهائن»، مطالباً إياها بإدانة سياسة «احتجاز الرهائن التي تنتهجها إيران». وقال: «لا أعلم ما إذا كان ذلك سذاجة أم تهاوناً، لكنني أتذكر تحذير وزارة الخارجية في سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما عقدنا اجتماعاً استراتيجياً كبيراً، أنه في حال سمحت لندن لنازنين أن تصل إلى نهاية عقوبتها (الأولى والتي استمرت خمس سنوات)، فإن الحرس الثوري سيعمل على إعادة فتح قضية ثانية في حقها وتمديد عقوبتها عامين آخرين».
وتطرّق وزير الخارجية البريطاني إلى هذه القضية في مقابلته مع «بي بي سي» أمس، وقال رداً على سؤال حول ما إذا كانت لندن تعتبر أن نازنين «رهينة»، إنه «من الصعب ادّعاء عكس هذا التوصيف». وأضاف: «من الواضح أنها تستخدم في لعبة للقط والفأر يلجأ إليها الإيرانيون أو بالتأكيد جزء من النظام الإيراني، ويحاولون استخدامها للضغط على المملكة المتحدة» كغيرها من مزدوجي الجنسية المحتجزين أو الملاحقين من قبل القضاء الإيراني، وتطالب لندن بالإفراج عنهم «فوراً ومن دون شروط».
دعوة لفرض عقوبات
ودعا سياسيون بريطانيون، كان بينهم وزير الخارجية السابق جيريمي هانت، حكومة بلاده إلى ضرورة حلّ أزمة الديون، فيما اقترح آخرون فرض عقوبات مستهدفة على الشخصيات الإيرانية المسؤولة عن تمديد عقوبة نازنين وسجن غيرها من المعتقلين مزدوجي الجنسية. واعتبر راتكليف هذه الاقتراحات «مهمة»، وقال: «إنهم بحاجة إلى حل أزمة الديون حتى تتوقف إيران عن اعتقال مزيد من الأشخاص، وتسمح لأمثال نازنين بالرحيل»، معتبراً أن«المشكلة تتفاقم».
وأضاف مستنكراً: «كرّر وزير الخارجية (في جلسة بالبرلمان الأسبوع الماضي) عدة مرات أن المملكة المتحدة لا تقبل استخدام مواطنيها كورقة ضغط دبلوماسية. ولكن في الواقع هذا هو بالضبط ما تفعله. لقد قبلت أن تكون نازنين رهينة لأكثر من 5 سنوات. وماذا فعلت حيال ذلك؟ ليس أكثر من استخدام بعض الكلمات القوية». متابعاً: «أعتقد أنه ينبغي النظر في النطاق الكامل للتدابير القانونية التي يمكن اتّخاذها في حق إيران، بما في ذلك عقوبات قانون ماغنيتسكي».
استراتيجية تفاوض خطرة
اعتبر راتكليف أن نازنين، بالإضافة إلى كونها «ورقة مساومة» في يد الإيرانيين لحل قضيّة الديون التاريخية، أصبحت مرتبطة كذلك بالمفاوضات الجارية حول إحياء الاتفاق النووي مع إيران، التي تنعقد في فيينا. وحذر من خطر ربط المفاوضات النووية التي تديرها الحكومة، بقضية احتجاز الرهائن التي يتحكّم فيها الحرس الثوري.وقال: «من الواضح أن نازنين هي ورقة مساومة، لذا فإن أي قرار (يصدره الإيرانيون بحقّها) هو بالتعريف فعل تفاوض. إنهم لا يريدون التمسك بها لمدة عامين، بل يريدون استعادة أموالهم، وهم يشيرون إلى أنهم مستعدون لاحتجازها إذا لم يحصلوا على المبالغ التي يطالبون بها».
وتابع: «أعتقد أن قضية الدين أصبحت مرتبطة بمفاوضات الاتفاق النووي. وأعتقد أن هذا ربما يكون اختيار كلتا الحكومتين (الإيرانية والبريطانية)، بدلاً من الحرس الثوري الإيراني». وأضاف: «لكن من الواضح أن إدانة نازنين هي في الوقت ذاته استعراض قوة من قبل الحرس الثوري الإيراني والسلطة القضائية، ما يشير إلى أن لديهم وجهة نظرهم الخاصة وقدرتهم على التصرف». واعتبر أن أحد مخاطر استراتيجية ربط قضية زوجته بالمفاوضات النووية أولاً، هو «أن المفاوضات تتم من قبل الحكومة الإيرانية، لكن الرهائن محتجزون في نهاية المطاف من قبل الحرس الثوري». واستنتج أن «في هذه المرحلة من الدورة الانتخابية الإيرانية، فإن الحكومة والحرس الثوري يقفون على جوانب مختلفة. لذلك، فهذه ليست وصفة لحل بسيط أو سريع» لإطلاق سراح نازنين والمعتقلين مزدوجي الجنسية الآخرين.
غضب وامتنان
وكانت نازنين قد قضت العام الأخير من عقوبتها الأولى في الإقامة الجبرية، وذلك بسبب انتشار وباء «كورونا» في سجون إيران. وتحدّثت نازنين للمرة الأولى عن التعذيب الذي تعرّضت له في السجن قبل شهرين، ووصفت تعرضها لفترة مطولة من تقييد اليدين، والتقييد بالسلاسل، وعصب العينين، والسجن الانفرادي المطوّل.
ويقول راتكليف إنه «منذ صدور الحكم (الجديد)، أصبحت غاضبة بشكل متزايد من الظلم الفادح الذي تتعرض له، وفشل المملكة المتحدة في حمايتها». لكنّه عبّر عن امتنانه لكل من يتابع قضية زوجته، «لأن أسوأ الانتهاكات تحدث في الحبس الانفرادي».وعند سؤاله عن ابنته غابرييلا، التي كانت محتجزة في إيران حتى 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، قال ريتشارد إنها «فقدت سنّها الأول» هذا الأسبوع، واستطاعت أن تشارك ذلك مع والدتها «عبر سكايب».
وكانت نازنين زاغري - راتكليف؛ العاملة في مؤسسة «تومسون رويترز»، الفرع الإنساني لوكالة الأنباء الكندية - البريطانية، أوقفت في أبريل (نيسان) 2016 فيما كانت تغادر إيران بصحبة طفلتها غابرييلا البالغة من العمر آنذاك 22 شهراً بعد زيارة لعائلتها بمناسبة عيد النيروز. وحُكم على نازنين بالسجن 5 سنوات في 9 سبتمبر (أيلول) 2016، لإدانتها بـ«محاولة قلب» النظام الإيراني و«التجسس»، وهو ما تنفيه بشدة.وانتهت فترة عقوبة نازنين في مارس (آذار) الماضي، إلا أن إيران لم تسمح لها بالمغادرة. وأصدرت محكمة في طهران، الاثنين الماضي، حكماً جديداً بالسجن عاماً واحداً ومنع السفر لعام بعد ذلك بحقها، وذلك بتهمة «الدعاية» ضد النظام.
قد يهمك أيضَا :