دبي ـ جمال أبو سمرا
الأزياء هي الفن الحضاري الأجمل، لكن ماذا لو ارتبطت بمعنى الاستدامة، بل ماذا لو حملت رسالة من أجل تخفيف آثار التلوث، وحماية كوكب الأرض؟!
لاشك في أن فكرة الاستدامة باتت اللحظة الجمالية، التي يتبناها صنّاع الأزياء في العالم، لتحقيق التوازن بين الفخامة والاحتياجات البيئية، إلى جانب إيجاد الحلول المبتكرة. من هنا، استطاعت المصممة الإماراتية، منى المنصوري، أن تبدع في رحلتها الغنية والمتنوعة، التي لا تنفصل عن الخط العام لوطنها، وأن توظف مفردات البيئة، المستمدة من النخلة، والبحر، والطبيعة، من أجل كوكب معافى خالٍ من التلوث. ولأنها ترى أن الأمر بات، اليوم، أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، نظراً لوجود ضغط كبير على كوكب الأرض، والتغير المناخي، فقد لجأت المنصوري إلى استخدام الحرير، والقطن، بعيداً عن الأقمشة التي تحوي مواد ضارة.. حول تنوع تجربتها، كان لـ«زهرة الخليج» هذا الحوار معها:
أنت من أولى مصممات الأزياء، اللاتي طبقن مفهوم الاستدامة في تصاميمهن.. حدثينا عن ذلك! الأزياء فن، والتصميم لغة الجمال التي نحملها. من هنا، فإن مفهوم الاستدامة في عالم الموضة والأزياء، أعتبره طريقة بديلة لتصنيع واقتناء ملابس صديقة للبيئة، قابلة للتحلل، أو إعادة التدوير، واستخدام المواد الطبيعية، مثل: القطن الخالص، والحرير الطبيعي، بدل النايلون والبوليستر، والأقمشة المصنعة كيميائياً. هذا الاهتمام كان فطرياً عند جداتنا، أما أنا فأتمسك به؛ لأنني أعرف أن هذا الكوكب هو الأجمل، وعلى كل واحد فينا أن يترك غصناً أخضر في هذه الحديقة الكونية.
ذائقة.. ووعي
ما التحديات التي واجهتك خلال رحلتك نحو تعزيز الاستدامة في عالم تصميم الملابس؟ التحديات التي واجهتني كثيرة، خاصة أنني عملت على الأزياء المستدامة مبكراً، قبل أكثر من عشرين عاماً، وكان المفهوم جديداً على المجتمع، والكثيرات لا يتقبلن مفهوم إعادة تدوير أزيائهن، ويعتبرن ذلك عيباً؛ لأن المفهوم السائد هو التباهي والتفاخر، ومن المعيب أن نلبس الفستان نفسه في مناسبات عدة. هنا، يكمن التحدي في تغيير وجهة نظر وتفكير العميلات، حيث إن المستهلكات مسؤولات بدرجة كبيرة عن عملية التلوث البيئي، ونحتاج إلى مزيد من الجهد لتثقيفهن بأن الاستدامة عنصر اجتماعي، وليست مسألة بيئية فقط، وقد نجحت في تغيير وجهة نظر الكثيرات، لاسيما طالباتي المتدربات، اللاتي عززت عندهن هذا المفهوم، فربطتُ الأزياء بالجمال، والابتكار، والبيئة.
عرضتِ فستان «الكرة الأرضية» في ميلانو، كيف كانت هذه التجربة، وما مدى استجابة الجمهور للرسالة التي يحملها؟ حبي أن تكون البيئة عذراء دفعني إلى ابتكار هذا الفستان، وعرضه قبل أكثر من اثني عشر عاماً، في أسبوع ميلانو للموضة، وقد ارتدته ملكة جمال إيطاليا، وهو رسالة إلى العالم؛ للمحافظة على بيئة عذراء. «الفستان» كان على شكل كرة أرضية، مثقوبة بسبب التلوث والحروب، وكان ملفوفاً بشال أخضر كبير، وهو يحمل رسالة موجهة إلى العالم للمحافظة على البيئة، في تأكيد أن الإنسان - بكثرة الحروب، والاستخدام السيئ للمصانع - قد أفسد الغلاف الجوي، وتسبب في الاحتباس الحراري، ودعوت - من خلال هذا التصميم - إلى المحافظة على بيئة عذراء، وشكّل «الفستان» حينها حديثاً للصحافة والحضور، وأذكر أن أحد الصحافيين الإيطاليين سألني: كيف ألممت بهذه المواضيع البيئية كامرأة عربية؟.. وهناك اتضح أن رسالة أخرى قد وصلت إلى الغرب، أننا كنساء عربيات، وإماراتيات على وجه الخصوص، نمتلك ذائقة ووعياً.
اذكري لنا أبرز التصاميم المستدامة التي صممتها، والرسالة التي تحملها! من أبرز التصاميم المستدامة التي صممتها «فستان الاتحاد»، واستخدمت فيه أقمشة قطنية معاد تدويرها، وحبالاً من شجرة النخيل، وكذلك فستان «مرثية الشيخ زايد»، الذي عرض بأسبوع الموضة في بيروت، وقد ارتدته الفنانة أريام، وكان من بقايا شجرة الأناناس المعالجة، وفستان «السلام» الذي ارتدته الفنانة رغدة، وصمم قماشه من القطن الخالص، وقد استخدمت في الرسم ألواناً من الطبيعة، مثل: عصير الشمندر، والبقدونس، والكركم، ولم أستخدم ألواناً اصطناعية. إضافة إلى فستان «مسيرة المرأة الإماراتية»، الذي عرض بمهرجان دولي في معبد الأقصر، وقد حملت معظم هذه الفساتين رسائل كنت أختتم بها عروضي. وأنا اعتز بأهم تصميم، وهو تصميم المضيفين الرئاسيين لوزارة شؤون الرئاسة، وقد كرمت عليه، حيث استخدمت في التصميم قماشاً من وبر وشعر الإبل، وكان الهدف الاعتزاز بتراث الإبل في مجتمعنا منذ القِدَم.
من أين تستقين إلهامك في تصميم الأزياء المستدامة، وكيف يؤثر ذلك في إبداعك؟ الإنسان أينما التفت يعثر على الجمال، ولا شك في أن الطبيعة تشكل كنزاً حقيقياً، فنحن محاطون بالبر والبحر، والصحراء؛ لذلك أوظف، مثلاً، أصداف البحر كإكسسوارات، واللؤلؤ أيضاً، حتى الطحالب أوظفها في صناعة الملابس ومنتجات التجميل، فالله سبحانه وتعالى أنعم علينا بالكثير من النعم في البيئة حولنا، إذ يمكن توظيف كل شيء مفيد في الأزياء، لحماية هذا الكوكب.
كيف تروجين قيم الاستدامة، والتوعية بمسائل البيئة والملابس، في مجتمعك وخارجه؟ من خلال ورش العمل، والمحاضرات التي أقدمها إلى المتدربين، وكذلك عبر عروض أزيائي العالمية بباريس ولندن وإسبانيا والصين والهند وكازاخستان وروسيا ولبنان ومصر، والإمارات، والعديد من الدول، فكل عرض يحمل رسالة، والمهتم يلتقط المعنى، ويتصيد الجمال.
مزيد من الاستدامة
هل صناعة الملابس تتجه نحو المزيد من الاستدامة، وما توقعاتك للتطورات المستقبلية في هذا المجال؟ بالتأكيد إن صناعة الملابس تتجه إلى الاستدامة، خاصة في الإمارات، السبّاقة في هذا المجال، ونشهد ذلك في جميع مظاهر الحياة من عمليات البناء، والطاقة الشمسية التي نعتمد عليها، وغيرها.
تسعين إلى التوعية بأهمية إعادة التدوير وتقليل الفاقد في صناعة الملابس من خلال عملك وتعليم الطالبات.. حدثينا عن ذلك! من خلال التوعية بأهمية التدوير، أشدد دائماً على استخدام بقية الأقمشة في صنع هدايا، وفساتين للطفلات الصغيرات، وهذا يسهم في تقليل كمية النفايات. وأعزز هذا المفهوم لدى طالباتي، لأنهن جيل المستقبل، وهن أكثر حظاً من جيلنا، بسبب التطور التكنولوجي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وكثرة القنوات التي يستفدن منها.
كيف يمكن للأفراد العاديين دعم الاستدامة باختياراتهم الشخصية عند شراء الملابس؟ تنتشر ثقافة الاستدامة سريعاً بين الأفراد العاديين، وأعتقد أن خطوة صغيرة تصنع الفرق، وينعكس هذا من خلال استخدامهم الأزياء والملابس المصنوعة من المواد العضوية والقطنية، والطبيعية، وبالتأكيد إن زيادة الطلب عليها، ستضغط على صناع الأزياء، لتغيير اتجاههم عن استخدام الملابس البتروكيماوية، فوعي الناس يغير كلّ شيء.
ما نصيحتك للشباب الراغبين في دخول عالم تصميم الأزياء؟ نصيحتي للشباب الجدد، هي أن يعززوا مفهوم الأزياء الصديقة للبيئة، وأن يبذلوا جهداً في ذلك، لأن دورهم أكبر بكثير في المجتمع لأنهم المستقبل، ولا شك في أن الثقافة مهمة في هذا المجال، القائم على الفن، والذي يحمل رسائل إنسانية، ووطنية، وبيئية.
ماذا عن إبداعاتك الجديدة؟ قدمت، مؤخراً، مجموعة أزياء «Ladybug»، المستوحاة من الطبيعة، وجاءت هذه الفكرة حينما رأيت في حديقة منزلي حشرة «الخنفساء»، التي أدهشتني ألوانها، فصممت مجموعة جريئة في ألوانها، وحداثتها.
قد يهمك أيضا
المصممة حصة الفلاسي تؤكد أنها تجد الإلهام في الثقافات المختلفة