أنقرة ـ وكالات
قال نائب رئيس الوزراء التركي "علي باباجان" الخميس في اجتماع بجمعية رجال الأعمال الايطاليين إن نمو اقتصاد البلاد قد يكون عند 4.0% هذا العام. وكانت البيانات الرسمية الصادرة في مطلع الشهر الجاري قد أظهرت أن الاقتصاد التركي قد شهد نمواً عند 2.2% وهو ما يعد أقل من المتوقع خلال عام 2012. تصنف المنظمات الدولية تركيا اليوم كأحد اقتصادات السوق الصاعدة ما يجعلها واحدة من الدول الصناعية الجديدة في العالم، كما تعتبر من ضمن مجموعة الدول القائدة عالمياً في مجالات الزراعة وصناعات الأنسجة والملابس والسيارات والبواخر ومعدات النقل الأخرى ومواد البناء والسلع الكهربائية والإلكترونية المنزلية. وينمو القطاع الخاص التركي في شكل سريع لكن ليس على حساب القطاع العام الذي لا يزال يلعب دوراً محورياً في الصناعة والمصارف والنقل والاتصالات. وبلغ إجمالي الناتج المحلي في 2011 تريليون و288 بليون دولار وكانت مساهمة الزراعة فيه 8.9 في المئة والصناعة 28.1 في المئة والخدمات 63 في المئة. وهو بهذه النسب أقرب إلى تركيبة إجمالي الناتج المحلي في الدول الصناعية المتقدمة منها إلى الدول النامية. ولا يزال 25.5 في المئة من القوى العاملة تعمل في الزراعة و26.2 في المئة في الصناعة و48.4 في المئة في الخدمات ما يعني أن الأخير هو القطاع الرائد في مستوى الإنتاجية يتبعه القطاع الصناعي ثم القطاع الزراعي الذي لا يزال يتطلب مزيداً من الجهود لتطويره. ويعتبر المراقبون أن تركيا تحولت اليوم من دولة نامية إلى واحدة من القوى الاقتصادية الصاعدة. كان القرن العشرين قرناً صعباً لتركيا سياسياً واقتصادياً. فالتركة السياسية للرئيس كمال أتاتورك (مؤسس تركيا الحديثة في 1923 في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية) والتي تضمنت إجراءات عديدة لتحديث تركيا وتشبيهها بالغرب وإعلانها دولة علمانية، استمرت حتى نهاية القرن العشرين. وكان تدخل الجيش التركي في الحياة السياسية أمراً مميزاً لها. فعلى رغم كونها ديموقراطية دستورية، قام الجيش بانقلابات في الأعوام 1960 و1971 و1980 و1997. وكان يفسر تدخله بأنه يقف في وجه أي محاولة تهدد الديموقراطية العلمانية في تركيا. وتطلب هذا الانتقال من الماضي القريب بمشاكله الاقتصادية والسياسية المختلفة إلى الوضع الذي أصبحت عليه تركيا الآن والتوقعات الإيجابية لمستقبل اقتصادها، وقفة لتحديد العوامل التي وضعت تركيا على المسار الصحيح والدروس التي يمكن أن تتعلمها منها الدول النامية الأخرى. إن أكثر التطورات أهمية في الحياة السياسية الداخلية في تركيا هي صعود حزب العدالة والتنمية، وهو حزب يميني معتدل، جاء للمرة الأولى إلى الحكم في 2002، يعد الأزمة المالية الحادة التي ضربت تركيا في 2001 وانهيار ائتلاف أحزاب يمين الوسط. وحصل الحزب على دعم شعبي متزايد فالأصوات التي حصل عليها ارتفعت من 34 في المئة في انتخابات 2002 إلى 47 في المئة في 2007 ثم إلى 50 في المئة في 2011. وأعطاه هذا الدعم الشعبي المتزايد الفرصة كي يمنع الجيش من التدخل في الحياة السياسية. ويعتبر المعنيون بالحياة السياسية في تركيا إن ما حصل في تموز (يوليو) 2011 عندما استقال قائد الجيش احتجاجاً على محاكمة بعض العسكريين بتهمة التدبير لانقلاب عسكري، وتعيين رئيس الوزراء الشخص الذي يليه في القدم قائداً للجيش، إشارة لتفوق السلطة المدنية على السلطة العسكرية ونهاية الجمهورية التركية الأولى وبداية الجمهورية التركية الثانية. ونجح حزب العدالة والتنمية في زيادة شعبيته بين مختلف الفئات بعد أن كوّن لنفسه سجلاً من التحديث والنمو الاقتصادي والإصلاحات استجابة لمتطلبات عضوية الاتحاد الأوروبي وتعزيز الديموقراطية. وعلى رغم سير محادثات العضوية ببطء فإن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لم يعد أولوية للأتراك خصوصاً في غياب ما يضمن هذا الانضمام في النهاية. لكن بغض النظر عن النتيجة النهائية تتمتع تركيا بنتائج الإصلاحات التي تقوم بها وستواصل تطبيقها وكأنها ستمنَح هذه العضوية. وكانت بداية القرن الحادي والعشرين سيئة للغاية لتركيا بسبب الأزمة المالية الحادة في 2001 إذ انهار العديد من المصارف ذات رؤوس الأموال الضعيفة. لكن تلك الأزمة كانت فاتحة خير على تركيا إذ لولاها لما استطاعت الحكومة تبني وتنفيذ إصلاحات مقبولة سياسياً وشعبياً حيث سنت الحكومة الكثير من القواعد المصرفية التي تخص رأس المال والائتمان، خصوصاً الاقتراض ببطاقات الائتمان كما رفع البنك المركزي من نسبة الاحتياط القانوني للمصارف لديه للحد من الإقراض الأخيرة للمستهلكين. ونجحت هذه القواعد في منع الركود الذي حصل في 2009 من أن يتحول إلى أزمة كبيرة في تركيا. كما تضمنت الإصلاحات وضع معدلات التضخم تحت السيطرة. وأدت الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار السياسي وإجراءات مكافحة الفساد إلى ازدياد معدلات النمو الاقتصادي والصادرات والاستثمارات المحلية والأجنبية إذ تعتبر تركيا اليوم من أكثر دول العالم جذباً للاستثمارات الأجنبية والتي بلغت قيمتها في 2010 أكثر من تسعة بلايين دولار. وأصبح الاقتصاد والمشاريع التركية معولمة. ونما كثير من المشاريع التركية المتعددة الجنسية الأمر الذي زاد من النفوذ الاقتصادي التركي وبرز العديد من المشاريع الجديدة ذات الديناميكية العالية والنمو الكبير في مجموعة من المدن التركية التي أطلق عليها اسم «النمور الأناضولية» والتي انتعشت من خلال جهود مشاريعها الصغيرة والمتوسطة. وبسبب موقعها بين الشرق الأوسط وأوروبا أصبحت تركيا اليوم ممراً أساسياً لنقل النفط والغاز، كما تشكّل مدخلاً لأسواق أوروبا والقوقاز ووسط آسيا والشرق الأوسط. ومنذ نجاح الإصلاحات المالية في 2001، حققت تركيا نمواً اقتصادياً مستداماً إذ تعتبر اليوم الاقتصاد الرقم 17 الأكبر في العالم. وفي الفصل الأول من 2011 نما الاقتصاد بـ 11 في المئة متجاوزاً معدلات النمو في الصين والأرجنتين وبذلك كان الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم في ذلك العام.