بروكسل ـ وكالات
قبل عام كانت المخاوف من انسحاب اليونان من منطقة اليورو وما يتبعها من عواقب سلبية على الاقتصاد العالمي امرا واردا جدا اثار اهتمام الراي العام العالمي وانعكست اثاره على اداء الاسواق المالية. لكن بعد اشهر من المساعي الاوروبية والمفاوضات المكثفة بين الدول والمؤسسات المالية الدولية المعنية، يبدو ان اوروبا بدأت ترى النور في اخر النفق. وبانقضاء عام 2012 تكون منطقة اليورو قد ودعت عاما حبست فيه انفاسها اكثر من مرة خوفا من انهيار اليورو بسبب تفاقم ازمة الديون السيادية التي هزت اليونان وطالت اسبانيا وايطاليا ودولا اخرى. وادى اخفاق الحكومات الاوروبية في احتواء الازمة في بدايتها الى بروز احتمالات امتدادها من اليونان الى دول ذات اقتصادات كبرى مثل اسبانيا وايطاليا. وخلال الصيف الماضي، عادت اسعار الفائدة على السندات الاسبانية والايطالية الطويلة المدى الى الارتفاع الى اعلى مستوى لها على الاطلاق عندما بلغت 7.6 في المئة وهي مستويات لم يكن بامكان الحكومتين الاستمرار في الاقتراض بها وكانت تنذر بلجوئهما الى مساعدات من الشركاء الاوروبيين. تفاؤل حذر لكن تدخل رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي واعلانه "استعداد البنك لاتخاذ كل التدابير اللازمة لانقاذ اليورو" غير مسار الاحداث. التصريحات التي ادلى بها على هامش احتفالات انطلاق الالعاب الاولمبية في لندن كان لها صدى كبير في عالم المال والاعمال بل ان الكثير من المراقبين يرون ان الفضل في تبدد المخاوف من انهيار العملة الاوروبية الموحدة يعود اليه وحده. وبعد اسابيع من تصريحه الشهير، كشف دراغي عن خطة تقوم على برنامج لشراء سندات الدول المثقلة بالديون –ولو بشروط– في مبادرة اثارت على الفور ارتياحا في نسب الفوائد على القروض الاسبانية والايطالية بحيث تراجعت الى حدود 5.3 % ما يمنح هذه الدول المزيد من الوقت لاعادة ترتيب وضعها المالي. واضاف قرار وزراء المالية الاوروبيين في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول بالافراج عن اربعة وثلاثين مليار يورو لليونان جوا من التفاؤل بان اروروبا ربما تكون قد قطعت مرحلة حاسمة في معالجة ازمتها. امتحان صعب وبالرغم من "الانجازات" التي تحققت خلال العام المنصرم فان الاوربيين يبدون متفقين على عدم الاسراف في التفاؤل واعلان النصر لان الاشهر القليلة المقبلة ستكون مليئة بالتحديات. فالبنك المركزي الاوربي قد يواجه امتحانا صعبا في مدى قدرته على الوفاء بالتعهد الذي قطعه على نفسه بالتدخل في الاسواق لانقاذ اليورو. المستشارة المالية بيبا مالمغرن قالت لبي بي سي ان "الاعتقاد السائد في السوق هو ان البنك المركزي على استعداد لشراء سندات الدول التي تعاني من ديون بدون حدود لكن بعض الدول المعارضة لمثل هذه الخطوة مثل المانيا لا تعتقد ان البنك يملك هذه الصلاحيات" و لا يبدو ان اجراء انتخابات تشريعية في المانيا وايطاليا في العام الجديد سيساعد على تسريع خطى المفاوضات الاوروبية لاعادة هيكلة ديون اليونان. كما ان المناقشات حول تعزيز التكامل في منطقة اليورو قد تثير المزيد من الخلافات بين الدول الاعضاء ما يفتح الطريق لتوترات جديدة في الاسواق المالية ويزيد من الغموض الذي يحيط بالعام الجديد. وياخذ هذا الغموض بعدا اقتصاديا واجتماعيا وسط توقعات متشائمة باداء الاقتصاد في الاشهر المقبلة. فبعد دخول الاقتصاد مرحلة انكماش في الربع الثالث، فإن كل المؤشرات تؤكد ان الانتعاش المرتقب لن يحدث في بداية العام، ما يعني استمرار ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت اعلى مستوياتها منذ اطلاق اليورو وبلغت 25 % في اليونان واسبانيا. التكلفة الاجتماعية التي تتكبدها شرائح واسعة من المجتمع الاوروبي تثير جدلا بين صناع القرار في المنطقة حيث تقول جهات عدة بينها صندوق النقد الدولي ان برامج التقشف الصارمة واثارها على الوظائف والمعاشات والخدمات العامة قد تسببت في تفاقم الازمة. وتمنح هذه التفسيرات النقابات العمالية الذخيرة لتنظيم المزيد من المظاهرات والاحتجاجات على غرار ما شهدته العديد من الدول المتوسطية خلال الاشهر الماضية. طريق طويل ويرى العديد من المراقبين ان هذه العوامل وغيرها تعطي الانطباع بان نفق الازمة لا يزال طويلا بالرغم من تجاوز عدة حواجز قبل نهاية العام. وربما يلخص ما قالته المستشارة الالمانية انغيلا ميركل على هامش القمة الاوروبية الاخيرة "باننا حققنا بعض الانجازات، لكن اعتقد ان اشياء كثيرة تنتظرنا" يلخص مزاج السياسيين في اوروبا هذه الايام. وكانت ماركل قد توقعت في وقت سابق ان تستغرق مدة معالجة ازمة اليورو خمس سنوات.