تونس ـ العرب اليوم
منذ أن طرح "قانون المالية-2017" في تونس، تصاعد حراك اجتماعي رافض له، كان على رأسه أصحاب المهن الحرة. بيد أن حكومة الشاهد تصر على تمرير "رؤيتها" لتجاوز العجز الاقتصادي.
هذا الحراك التصعيدي ضد قانون المالية كاد أن يشعل فتيل الاحتجاجات بالبلاد بقيادة "المنظمة الشغلية" (الاتحاد التونسي للشغل) بعد أن لوحت المنظمة بإضراب عام يوم 8 ديسمبر/كانون الأول، والتحضير لتحركات احتجاجية عمالية ونقابية في أرجاء البلاد كافة.
حكومة الشاهد تمتص غضب "قلعة العمال"
غير أن تعنت الحكومة لم يصمد طويلا أمام تهديدات "قلعة العمال"، لتنتهي حالة التجاذب بإمضاء اتفاق بين حكومة الشاهد والمنظمة الشغلية يوم 6 ديسمبر/كانون الأول.
وبالعودة إلى تفاصيل الخلاف الذي كاد يعصف بالاستقرار النسبي الذي تمر به تونس، فإن بوادر التوتر طلت منذ اللحظات الأولى لتسلم الشاهد رئاسة الحكومة، حيث كشف خطابه أمام البرلمان لنيل الثقة عن الخطوات المقبلة لهذه الحكومة في إطار ما يعرف ببرنامج الإصلاح الشامل لصندوق النقد الدولي، وتصفية القطاع العام.
وأمام رسائل الشاهد، التي مررها مع الإعلان عن مشروع قانون المالية لسنة 2017 في 15 أكتوبر/تشرين الأول، والتي تضمنت تجميد الزيادات المتفق عليها في أجور موظفي القطاع العام، تصاعدت أجواء التوتر بين الطرفين.
ووجهت اتهامات صريحة إلى الحكومة بالتخلي عن التزاماتها وخضوعها لإملاءات صندوق النقد الدولي. وأمام إصرار المنظمة الشغلية بتحقيق مطالبها، توصل الطرفان إلى اتفاق من جملة 8 نقاط؛ حيث ستصرف 50% من الزيادة العامة في الأجور بعنوان 2017 خلال الفترة الممتدة من شهر يناير/كانون الثاني 2017 إلى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، على أن تصرف كاملة خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2017.
وبذلك جنب الطرفان البلاد اندلاع فوضى جديدة قد تحطم مشروع الحكومة لإنقاذ دولة أنهكها عجز الاقتصاد.
1.6 مليار دولار عجز ميزانية تونس
وبحسب آخر تقرير نشره البنك المركزي، تفاقم عجز الميزانية العامة في تونس ليبلغ 3.7 مليارات دينار تونسي (1.6 مليار دولار) في الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي، وأظهر أن "تنفيذ ميزانية الدولة عند نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي يظهر تدهورا في عجز الميزانية"، الذي بلغ 3.7 مليارات دينار تونسي (1.6 مليار دولار) مقابل 1.5 مليار دينار (654 مليون دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي.
وأكد البنك المركزي أن نمو الاقتصاد التونسي لم يبلغ إلا 0.2% في الفصل الثالث من العام الجاري، وأنه لن يزيد "في أحسن الحالات" عن 1.4% لمجمل عام 2016.
حالة طوارئ اقتصادية
ومنذ تسلم حكومة الشاهد مهماتها في صيف 2016، أكدت أن البلاد تعيش حالة "طوارئ اقتصادية". وسعت الحكومة لتمرير ميزانيتها الجديدة عبر البرلمان، والتي تتضمن العديد من إجراءات التقشف وإجراءات ضريبية جديدة، تعول عليها الحكومة للحد من التهرب الضريبي.
إجراءات ينظر إليها بعدم الرضا أصحاب المهن الحرة كقطاع المحاماة والأطباء والصيادلة ويصفونها بالإجراءات الظالمة والمجحفة بحقهم.
ويوجه أصحاب هذه المهن انتقادات إلى أحكام الفصول 30 و31 و32 من مشروع القانون، حيث توجه إليهم تهم بعدم الكشف عن دخولهم الفعلية، والتهرب من دفع ضرائبهم بشكل كامل.
في حين أن مشروع الشاهد للمالية ينص على اقتناء المحامين طابعا إجباريا يقدر بـ 60 دينارا على كل عملية تقاض، وإجبار الأطباء على التنصيص الوجوبي على فواتيرهم قياسا إلى القطاع التجاري.
وفي إجراء تصعيدي، نفذ الألوف من المحامين التونسيين بداية من يوم الاثنين 5 ديسمبر/كانون الأول مسيرة احتجاجية انطلقت من قصر العدالة وانتهت أمام ساحة الحكومة بالقصبة، رافعين خلالها شعار "المحاماة غاضبة".
وفي تصريح لعميد المحامين عامر المحرزي، أكد أن المحاماة تتعرض للظلم، وأن من غير الممكن مس أشرف قطاع في تونس. فالمحاماة ستحتفل في مايو/أيار 2017 بذكرى الـ 120 لتأسيسها".
بدورها، وصفت الهيئة الوطنية للمحامين أحكام فصول قانون الميزانية بالخطيرة، والتي من شأنها ضرب حق الدفاع واستقلالية المحاماة؛ وحملت المسؤولية للحكومة والأحزاب السياسية؛ داعية إلى عمليات تعبئة وحشد تعبيرا عن احتجاجهم ورفضهم للإجراءات الضريبية الجديدة.
وقال المحامي عبد الناصر العويني في تصريح لـ RT إن المحامين سيواصلون إضرابهم المفتوح إلى حين استجابة الحكومة إلى رؤية المحامين وعدم تشريع جبائي على قطاع المحاماة، لأنها فرضت أحاديا من جانب الحكومة من دون تفاوض.
وأكد المحامي في حديثه ألا نية لدى المحامين للتراجع عن نضالهم الاحتجاجي ما لم يلغ الفصل 31 من قانون المالية لسنة 2017، الذي لا تزال مناقشته تشهد تعثرا بلجان البرلمان.
الأطباء والصيادلة على جبهة الاحتجاجات
ولا تقتصر الاحتجاجات الغاضبة على قطاع أصحاب الرداء الأسود. إذ يعتزم الصيادلة تنفيذ إضراب في 14 ديسمبر/كانون الأول احتجاجا على ضريبة إضافية على الأدوية الموردة.
وحول اعتزامهم خوض حراك احتجاجي ضد الفصل 21 بقانون المالية 2017، أوضح رشاد قار علي رئيس نقابة الصيادلة لـ RT أن الفصل المذكور أثار دهشة أصحاب القطاع الذي يحمل الضريبة للصيادلة، وهو ما رآه مخالفا للقانون العام.
ولفت محدثنا إلى أن الأدوية المورَّدة لا تتحمل مثل هذه الضريبة؛ لأنها قد تضر أولا بالمواطن من باب غلاء الأسعار، وثانيا من ناحية تداعيات إفلاس شركات هذا القطاع. ومن هذا المنطلق سيتم تنفيذ إضراب عام يوم 14 ديسمبر/كانون الأول لإجبار الحكومة على التفاوض معهم وتجنب إلحاق الضرر بالمواطن والصيادلة.
تداعيات قانون المالية المثير للجدل
ويشرح الخبير الاقتصادي مراد الحطاب لـ RT تداعيات هذا القانون الذي يمثل سابقة من نوعها في مجال إعداد القوانين، على حد تعبيره، نظرا إلى استناده إلى نقاط ضعف وافتقاره إلى عدة نواقص.
ووفق تقديره، فإن الإشكال الأول تمثل في إعداد قانون مالية 2017 من دون استكمال قانون مالية عام 2016، وهو ما يشكل خرقا لمبدأ السنوية في إعداد الميزانية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المشكل الثاني يتمحور حول تقديم موارد جبائية جديدة وإلغائها بعد ذلك من دون تعويضها بموارد أخرى، هذا فضلا عن توسيع قاعدة الجباية الغير المباشرة من دون شرح واضح.
ويعتقد الخبير الاقتصادي أن مشروع القانون تم إعداده بناء على اتفاقيتين مع صندوق النقد الدولي تحديدا، إلى جانب إقرار بعض الإجراءات التي تتعلق بالتصرف في المؤسسات الحكومية.
بناء عليه، فإن تداعيات هذا القانون ستؤثر سلبا لا محالة على الاستهلاك والاستثمار والتصدير، وهي المحركات الأساسية للنمو بالبلاد؛ فضلا عن تعقد الوضع الاجتماعي رغم تعاون الاتحاد التونسي للشعل مع الأطراف كافة في سياق وضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
ومع تصاعد الاستياء والغضب ضد قانون المالية لعام 2017، تجتاز حكومة الشاهد أولى الاختبارات لتمرير "رؤيتها" من أجل تعافي الاقتصاد، وانتهاجها سياسة الهروب إلى الأمام لإخراج البلاد من أزماتها المتراكمة منذ 5 سنوات.